بيروت تستعد لاستقبال شهر رمضان مع المسحراتي والفوانيس والسيبانة

يشارك في إحياء المناسبة أطفال لبنانيون ونازحون سوريون

في حفل «سيبانة فانوسي» يصنع الأطفال الفوانيس ويلونونها على سجيتهم
في حفل «سيبانة فانوسي» يصنع الأطفال الفوانيس ويلونونها على سجيتهم
TT

بيروت تستعد لاستقبال شهر رمضان مع المسحراتي والفوانيس والسيبانة

في حفل «سيبانة فانوسي» يصنع الأطفال الفوانيس ويلونونها على سجيتهم
في حفل «سيبانة فانوسي» يصنع الأطفال الفوانيس ويلونونها على سجيتهم

عشيّة شهر رمضان، تستعدّ جمعيات ومؤسسات خيرية لاستقباله في أبهى حلّة، مما يجعل العاصمة اللبنانية تتحوّل إلى ساحات احتفالية في المناسبة. فزيارة «القرية الرمضانية» الواقعة في منطقة فردان ببيروت، وكذلك مشاركة الأطفال في حفل «سيبانة فانوسي» وسط العاصمة، إضافة إلى التجوّل في معارض وأسواق خاصة بهذا الموسم، صارت بمثابة تقليد ينتظره أهالي بيروت في موعده كلّ عام.
واللافت هذه السنة تحديث أدوات الاحتفالات لتواكب الإيقاع العصري الذي يعيشه الأطفال، فينخرطون فيها من دون تردد وبحماس كبير.
ويعدّ حفل «سيبانة فانوسي» الذي تنظّمه جمعية «هدير» الخيرية بالتعاون مع شركة «سوليدير»، للسنة الخامسة على التوالي في أسواق بيروت، واحدا من النشاطات التي تجذب عددا كبيرا من العائلات البيروتية، إذ يجد فيها أفرادها برامج مفيدة ومسليّة معا. وهذه السنة لجأ منظموها إلى تلوينها بلوحات فنيّة وأخرى تثقيفية تصبّ في خانة تعريف الطفل على أهمية هذا الشهر، وكيفية الاعتياد على ممارسة تقاليده بفرح.
«لقد عمدنا إلى تلبية رغبات الصغار والكبار معا، في برنامج منوع يمتد على يومين متتاليين في 25 و26 الحالي، ويتضمن مسرحيات ورقصات الدراويش، إضافة إلى نصائح خاصة تتعلّق بعملية الصوم في هذا الشهر الكريم». يقول مروان فرعون، أحد المسؤولين عن تنظيم الحفل.
وإضافة إلى الزينة الرمضانية العصرية التي تخيّم في شارع فخري بك، الذي أُضيئ فيه فانوس ضخم تحت شعار «برمضان أنا قوي»، يتضمن الحفل فقرات عدّة كـ«المسحراتي»، حيث يلتقي الأطفال ليستمعوا إلى قصصه التي تدور حول الأطفال الأقوياء والذين في استطاعتهم أن يواكبوا تقاليد رمضان من دون تذمّر. كما باستطاعتهم أيضا التقاط صور تذكارية معه ومشاركته في ألعاب ذهنية، وأخرى بدنية تصبّ دائما في الهدف نفسه، ألا وهو تقوية الإرادة لديهم.
ويعرض الحفل فيلم كرتون تتلو شخصياته 7 نصائح غذائية يجب اتباعها في هذا الشهر. فتحكي مثلا عن أهمية تناول التمور التي تحتوي على الفيتامينات والألياف، وعن كيفية تقسيم أوقات تناول الطعام بين وجبتي الفطور والسحور. وكذلك يتطرّق إلى مواعيد الصلاة والنوم خلال يوم كامل من الصوم.
وفي سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول فرعون: «رأينا في هذا الفيلم ضرورة لتعليم الأطفال أسس الصوم وكيفية ممارسة شعائره بواسطة شخصيات كرتونية، مما يسهّل عملية استيعابها من قبلهم».
ومن النشاطات الأخرى التي تشهدها هذه الاحتفالية لوحات رقص الدراويش تحت عنوان «المولوي»، يرتدي فيها أحدهم التنورة المعروفة في الرقص الصوفي، وقد طُعّمت بإنارة من نوع «ليد» تضفي البهجة على هذه المشهدية الجامعة بين الحداثة والأصالة معا.
أمّا مسرح «إنشادي» الذي يندرج على قائمة هذه النشاطات، فيقدّم لوحات ترنيمية من قبل أطفال لبنانيين ونازحين سوريين، بينها التراويح والطرب الأصيل.
وفي فقرة الأشغال اليدوية يصنع الأطفال فوانيس رمضان (من الكرتون) ويلوّنونها على سجيّتهم لتصبح ملكهم فيحتفظون بها في منازلهم. كما باستطاعتهم شراء ملصقات صغيرة (ستيكرز) تحمل رسوما رمضانية (فوانيس وأقمار)، يزيّنون بها غرفهم المنزلية أو دفاترهم المدرسية. ومن يرغب في الاستمتاع بأغاني «فانوسي» الخاصة بهذا الشهر، فباستطاعته شراءها على أقراص مدمجة تباع في «سيبانة فانوسي».
أمّا في «القرية الرمضانية» (في منطقة فردان) التي تنظمها مؤسسة فؤاد مخزومي الخيرية، وقد افتتحت أخيرا، وتستمر طيلة الشهر الكريم، فإنّ باقة من النشاطات الترفيهية هي في انتظار روّادها من الكبار والصغار معا.
وتزدحم روزنامة القرية بمواعيد عروض مسرحية مع فرقة «مهرّجي المرح» المعروفة بألعابها البهلوانية المضحكة، وأخرى مع فرقة «مسرح المسحراتي» التي تقدّم رقصات وألعابا مستوحاة من هذه الشخصية الذائعة الصيت في لبنان والعالم العربي.
ومن العروض المسليّة الأخرى التي تتضمنها القرية، «الساحر ميكي»، وتجرى فيها عروض لألعاب الخفّة التي تحمل المفاجآت في طيّاتها، فيمضي مشاهدها أوقاتا سعيدة تخرج عن المألوف في مضمونها. وفي سوق القرية تنتشر بسطات الفواكه والتمور والكعك لتشكّل وجبة سحور غنيّة لأصحابها أو مدخلا لفطور صحي.
ولا تقتصر نشاطات القرية الرمضانية على تقديم الأعمال المسرحية، إذ تتضمن أيضا أناشيد وقراءات رمضانية، لتضفي أجواء روحانية على هذا النشاط.
ويذكر أن هذه النشاطات تُقام الثلاثاء والأربعاء والخميس من كل أسبوع، وذلك بموازاة استضافة الزوّار من أي جنسية كانوا، لتستبقيهم على موائد الفطور المجانية والمحضّرة من قبل ربّات منازل تطوّعن للمشاركة في «القرية الرمضانية» من باب الطبخ.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».