روسيا تبدد «مدخرات الاحتياطي» و«النقد» يحسن توقعاته للنمو

ارتفاع قيمة الديون في المعاشات الشهرية

روسيا تبدد «مدخرات الاحتياطي» و«النقد» يحسن توقعاته للنمو
TT

روسيا تبدد «مدخرات الاحتياطي» و«النقد» يحسن توقعاته للنمو

روسيا تبدد «مدخرات الاحتياطي» و«النقد» يحسن توقعاته للنمو

في الوقت الذي أشار فيه تقرير لصندوق النقد الدولي أمس إلى أن الصندوق رفع توقعاته لنمو الاقتصاد الروسي هذا العام إلى 1.4 في المائة، قائلاً إن تيسير الأوضاع المالية وارتفاع أسعار النفط سيُسهمان في تعافي الاقتصاد، أكدت وزارة المالية الروسية أنها ستضطر خلال عام 2017 لإنفاق كامل مدخرات صندوق الاحتياطي.
وقال أنطون سيلوانوف، وزير المالية الروسي، في تصريحات أمس، إن مدخرات الصندوق ستنفد خلال عام 2017، وسيتم التعويض عنها العام المقبل، وتخصيص نحو 623 مليار روبل من عائدات النفط والغاز عام 2017 لهذا الغرض، كاشفاً أن الحكومة «بدأت تستخدم مدخرات صندوق الرفاه الوطني»، لافتاً إلى أن قانون الميزانية نص على ذلك.
وتضطر الوزارة لاستخدام مدخرات الصناديق السيادية الرئيسية بغية تغطية عجز الميزانية. وفي وقت سابق أدخلت وزارة المالية الروسية تعديلاً على قانون الميزانية أقرت فيه بأنها ستضطر لاستخدام كل مدخرات صندوق الاحتياطي، وخصصت مبلغاً قدره 1.061 تريليون روبل من تلك المدخرات، فضلاً عن 663.5 مليار روبل من صندوق الرفاه لتغطية العجز، الذي تحدد ميزانية عام 2017 قيمته بنحو 1.924 تريليون روبل.
وحسب المعطيات الروسية، فإن مدخرات صندوق الاحتياطي لم تزد مع مطلع مايو (أيار) الحالي على 931.25 مليار روبل، أو 16.34 مليار دولار أميركي.
ورغم تعافي معظم مؤشراته مقارنة بالوضع خلال العام الماضي، يبدو أن الاقتصاد الروسي لم يدخل مرحلة الاستقرار بعد، ولم يخرج نهائياً من الأزمة المستمرة منذ عام 2014، وما زال الخبراء يضعون أكثر من سيناريو للتنمية الاقتصادية في روسيا، كل واحد منها مرتبط بوضع معين قد ينشأ في سوق النفط العالمية.
وكانت وزارة المالية قد توقعت، وفق بعض السيناريوهات، أن تتمكن من تغطية عجز الميزانية دون الحاجة إلى إنفاق كل مدخرات صندوق الاحتياطي. وقال وزير المالية الروسي في وقت سابق إن الحكومة قد لا تحتاج لاستخدام مدخرات الاحتياطي خلال العام الحالي، كما قد لا تكون هناك حاجة بمدخرات صندوق الرفاهية الوطني، نظراً لتوفر دخل إضافي نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وقال إن الوزارة تنوي تحويل ذلك الدخل للتعويض عما استهلكته من الصندوقين السياديين.
وكان دميتري مدفيديف رئيس الحكومة الروسية قد أكد خلال جلسة استماع في البرلمان الروسي، مطلع أبريل (نيسان) الماضي، أن مدخرات صندوق الاحتياطي لن تستهلك كاملة خلال العام الحالي، وقال مخاطباً البرلمانيين في مجلس الدوما: «نتمكن من الحفاظ على عجز الميزانية عند مستويات مقبولة. والمصدر الرئيسي لتمويل العجز هو صندوق الاحتياطي، الذي يفترض من الناحية النظرية أن تنفد مدخراته مع نهاية العام الحالي (2017). إلا أن هذا لن يحدث: نجني أكثر مما خططنا».
مقابل هذا التضارب في التقديرات الرسمية حول مصير مدخرات الصندوقين، يرى مراقبون أن المسألة بسيطة للغاية، وأنه بحال حافظت أسعار النفط على مستويات جيدة، فإن الميزانية الروسية ستحصل على مزيد من الدخل الإضافي، وهذا سيساعد في تغطية عجز الميزانية عبر تمويل النفقات الحالية، دون الحاجة إلى استخدام مدخرات الصناديق السيادية.
أما إذا عادت أسعار النفط وتراجعت إلى ما دون 40 دولاراً للبرميل، فإن الحكومة ستضطر حينها لمد يدها وسحب المدخرات لتغطية العجز.
وتأتي تلك التطورات في الوقت الذي أظهر فيه تقرير لصندوق النقد الدولي أمس أن الصندوق رفع توقعاته لنمو الاقتصاد الروسي هذا العام إلى 1.4 في المائة، قائلاً إن تيسير الأوضاع المالية وارتفاع أسعار النفط سيسهمان في تعافي الاقتصاد.
وكان الصندوق توقع في أكتوبر (تشرين الأول) أن ينمو الاقتصاد الروسي بنسبة 1.1 في المائة هذا العام... لكنه قال في تقريره أمس إن روسيا تخرج من فترة ركود استمرت عامين بفضل تبني الحكومة سياسات فعالة وتمتع البلاد باحتياطيات قوية.
لكن الصندوق حذر من أن آفاق الاقتصاد الروسي على المدى المتوسط تظل ضعيفة، متوقعاً نمواً اقتصادياً سنوياً يقارب 1.5 في المائة.
في شأن آخر من الاقتصاد الروسي، قالت وكالة الأنباء الروسية «تاس» نقلاً عن معطيات الهيئة الفيدرالية الروسية للإحصاء، إن المديونية الرسمية في مجال الرواتب الشهرية، بلغت بحلول الأول من مايو 2017 نحو 3.848 مليار روبل، أي بزيادة نحو 2013 مليون روبل، أو 5.9 في المائة عما كانت عليه المديونية مطلع شهر أبريل الماضي. ويعود التأخر في سداد المعاشات الشهرية بسبب عدم توفر موارد مالية ذاتية لدى بعض المؤسسات قيمتها 3.797 مليار روبل، أو 98.7 في المائة من إجمالي المديونية في المعاشات الشهرية. أما المعاشات التي لم يتم تسديدها بسبب عدم الحصول في الوقت المناسب على الموارد المالية، فتبلغ قيمتها نحو 51 مليون روبل خلال شهر مايو.



«الفيدرالي» بين خيارين صعبين في ظل اضطرابات سوق السندات

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» بين خيارين صعبين في ظل اضطرابات سوق السندات

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

وضعت الاضطرابات الكبيرة في سوق السندات «الاحتياطي الفيدرالي» في موقف بالغ الصعوبة، حيث يواجه خيارين حاسمين: إما أن يسعى لتهدئة المخاوف المتعلقة بالتضخم على المدى الطويل، أو أن يستجيب لشكاوى الرئيس المنتخب دونالد ترمب بشأن «ارتفاع معدلات الفائدة بشكل مفرط». وبينما لا يمكنه تحقيق كلا الهدفين في الوقت نفسه، من المرجح أن يختار معالجة الأول، مما يفتح المجال لصراع لفظي مستمر مع البيت الأبيض على مدار العام المقبل.

ولم يعد بالإمكان تجاهل الزيادة الملحوظة في معدلات الاقتراض من سندات الخزانة الأميركية في الأسابيع الأولى من عام 2025، حيث تشير السوق إلى الدخول في مرحلة جديدة ومقلقة تتطلب قدراً كبيراً من الحذر من البنك المركزي والحكومة على حد سواء، وفق «رويترز».

ومن أبرز هذه الإشارات الحمراء هو ظهور زيادة ملحوظة في علاوة المخاطر التي يطالب بها المستثمرون لحيازة السندات الحكومية الأميركية طويلة الأجل. ويتم قياس هذه الفجوة عادة كتعويض إضافي يُطلب عند الالتزام بسندات طويلة الأجل حتى تاريخ الاستحقاق، بدلاً من شراء سندات قصيرة الأجل وإعادة تدويرها مع مرور الوقت.

وقد كانت العلاوة الزمنية غائبة إلى حد كبير عن السوق لأكثر من عقد من الزمن، ولكن تقديرات «الاحتياطي الفيدرالي» في نيويورك تشير إلى أن العلاوة الزمنية لمدة 10 سنوات قد ارتفعت بشكل حاد هذا العام، لتتجاوز نصف النقطة المئوية لأول مرة منذ عام 2014.

وقد لا تكون علاوة المخاطر بنسبة 50 نقطة أساس مفرطة وفقاً للمعايير التاريخية، لكنها تفوق متوسط العشر سنوات الماضية بمقدار 50 نقطة أساس.

وتشير اتجاهات العلاوة الزمنية إلى مستوى من عدم اليقين لدى المستثمرين بشأن التضخم على المدى الطويل، وتراكم الديون، والسياسات المالية، وهي حالة لم تشهدها السوق منذ سنوات عديدة. ويرجع هذا بلا شك إلى مزيج من العجز الكبير في الموازنة والاقتصاد القوي، إلى جانب تعهدات الرئيس القادم بشأن خفض الضرائب، وفرض قيود على الهجرة، وزيادة التعريفات الجمركية.

وتظهر هذه المخاوف أيضاً في مؤشرات الديون الأخرى التي بدأت تتحرك بشكل مستقل عن توجيه سياسة «الاحتياطي الفيدرالي». فقد قام «الفيدرالي» بخفض سعر الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة منذ سبتمبر (أيلول)، ومع ذلك ارتفع عائد سندات الخزانة لمدة 10 سنوات بمقدار 100 نقطة أساس منذ ذلك الحين. وزادت عوائد سندات الخزانة لمدة 30 عاماً بشكل أسرع، مهددة بالوصول إلى 5 في المائة لأول مرة منذ أكثر من عام، وهو مستوى قريب جداً من المعدلات التي سادت قبل أزمة البنوك في 2008.

وبينما لم تتحرك عوائد السندات لمدة عامين، التي تعكس سياسة «الفيدرالي» من كثب، بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، فقد اتسع الفارق بين العوائد على السندات لمدة سنتين و30 عاماً ليصل إلى أوسع مستوى له منذ أن بدأ «الفيدرالي» في تشديد السياسة قبل ثلاث سنوات تقريباً.

وكان من المتوقع أن تتوقف توقعات التضخم طويلة الأجل، التي تراقبها سوق السندات المحمية من التضخم والمقايضات، عن الانخفاض في سبتمبر وأن ترتفع مرة أخرى نحو 2.5 في المائة، متجاوزة هدف «الفيدرالي» بنصف نقطة مئوية.

هل يتجه «الفيدرالي» نحو سياسة أكثر تشدداً؟

إذا بدأ «الفيدرالي» يفقد السيطرة على الجزء الطويل من سوق السندات، فقد يُضطر إلى اتخاذ منحى أكثر تشدداً لاستعادة التزامه بتحقيق هدف التضخم البالغ 2 في المائة على المدى المستدام.

وهذا يعني أنه، في حال لم يحدث تباطؤ حاد في الاقتصاد أو تغيير كبير في سياسات ترمب المعلنة، فمن الممكن تماماً ألا يقوم «الفيدرالي» بأي تخفيض آخر في هذه الدورة. وهو أمر قد لا يرضي الرئيس الجديد الذي أبدى بالفعل معارضته للفيدرالي وتساؤلاته حول ضرورة استقلاله.

ليس لدي فكرة

حاول محافظ «الفيدرالي» كريستوفر والر أن يتوسط في تصريح له يوم الأربعاء قائلاً إن السياسة ما زالت مشددة تاريخياً، على الرغم من أنها ليست كافية لفرض ركود، وأضاف أن الزيادات في الأسعار الناجمة عن تعريفات ترمب لا تغير من وجهة نظر «الفيدرالي».

لكنه أيضاً أشار إلى أن «الفيدرالي» - مثل معظم مستثمري السندات - أصبح في لعبة تخمين. بينما قال والر إنه يشك في أن يتم تنفيذ السياسات الأكثر قسوة من قبل إدارة ترمب، أضاف أن التوصل إلى توقع بشأن التوقعات الاقتصادية للفيدرالي في ديسمبر كان «مشكلة صعبة».

«ليس لدي فكرة عما سيحدث»، اختتم قوله.

من الواضح أنه ليس وحده في ذلك. إذا كان كبار مسؤولي «الفيدرالي» لا يعرفون ماذا يتوقعون من ترمب، فإن مستثمري السندات العاديين لا يعرفون أيضاً.

ويبدو أن هناك سيناريوهين محتملين: إذا قرر «الفيدرالي» تسريع خفض الفائدة بما يتماشى مع ما يبدو أن ترمب يريده، دون حدوث تحول كبير في الأسس الاقتصادية لتبرير هذه الخطوة، فإن مستثمري السندات سيفترضون أن البنك المركزي ليس مهتماً بشكل كبير بتحقيق هدفه البالغ 2 في المائة.

وسيواصل مستثمرو السندات على الأرجح تسعير هذا الخطر، مما يؤدي إلى «إلغاء» توقعات التضخم، كما يقول المتخصصون في السياسات.

لكن «الفيدرالي» قد صرح بشكل متكرر بأن احتواء توقعات التضخم هو أحد أدواره الرئيسية، لذلك من الصعب تصوره يتجاهل هذه التطورات.

وحتى إذا لم تغير التعريفات الجمركية التي هدد بها ترمب حسابات التضخم بشكل أساسي، فإن خطة ترمب لتمويل التخفيضات الضريبية وتشديد أسواق العمل من خلال تشديد سياسات الهجرة والطرد، من المؤكد أنها ستزيد من المخاطر التضخمية التي تفاقمت بالفعل.

وإذا تمكن ترمب من تقليص الإنفاق الحكومي وتقليص الوظائف الفيدرالية، فقد يحقق بعض التقدم في معالجة هذه الأزمة. لكن القليل يتوقع أن يكون هذا أمراً سريعاً أو سهلاً، خاصة أنه قد لا يملك الأصوات في الكونغرس لتمرير العديد من أجزاء أجندته.

ولعل الرئيس المقبل يستطيع مساعدة بنك الاحتياطي الفيدرالي - ونفسه - من خلال توضيح أن أسعار الفائدة التي يعتبرها «مرتفعة للغاية» تمثل عائدات السندات الطويلة الأجل. بهذه الطريقة، سيكون بوسعه أن يترك بنك الاحتياطي الفيدرالي يقوم بوظيفته ويمنح نفسه مساحة أكبر للمناورة.

لكن مع تبقي أقل من أسبوعين على التنصيب، فإن التكهنات حول ما قد يحدث أو لا يحدث يمكن أن تتسبب في اضطراب كبير في الأسواق.