محمد بن راشد يتوج اليوم {صانع الأمل} في العالم العربي

من بين 65 ألف مشارك من 22 دولة

شعار مبادرة «صانع الأمل»
شعار مبادرة «صانع الأمل»
TT

محمد بن راشد يتوج اليوم {صانع الأمل} في العالم العربي

شعار مبادرة «صانع الأمل»
شعار مبادرة «صانع الأمل»

يتوِّج اليوم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الفائز بمبادرة «صانع الأمل» في الوطن العربي، وذلك من بين 65 ألف مشارك من 22 دولة تنافسوا ضمن المبادرة التي خصصت لأصحاب المبادرات والمواقف الإنسانية والأخلاقية في الوطن العربي.
وذكرت مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، أنّ حفل صناع الأمل سيشهد تتويج وتكريم النماذج العربية من صناع الأمل الذين شكلوا من خلال مواقفهم وأعمالهم والتزامهم الأخلاقي والإنساني، علامة فارقة، ليس في حياتهم فقط، بل وفي حياة الناس في محيطهم ومجتمعاتهم.
وسيشهد الحفل الختامي للمبادرة اليوم، تتويج صانع الأمل العربي الذي سيحصد مكافأة مالية قدرها مليون درهم (272 ألف دولار). وتضم لجنة التحكيم نورة الكعبي وزيرة دولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، وعلي جابر عميد كلية محمد بن راشد للإعلام مدير عام القنوات في «مجموعة أم بي سي»، والإعلامي السعودي أحمد الشقيري. وسيتضمن الحفل الختامي عددا من الفقرات التي تعكس روح الأمل والعطاء والتعاضد التي أُعدت خصيصا للمبادرة، حيث يشارك الفنان محمد عسّاف ومجموعة من أطفال برنامج «ذا فويس كيدز» في الحفل، إلى جانب عازف الكمان جهاد عقل. وأشارت المبادرة في بيان لها أمس، إلى أنّ رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تنطلق من تسخير كل الإمكانات لفتح أبواب الأمل في العالم العربي، موضحة أنّ مبادرة صناع الأمل هي امتداد لعام الخير الذي شهدته الإمارات، وهي رسالة خير وأمل للوطن العربي الكبير، وحفل صناع الأمل اليوم سيكشف عن قصص استثنائية عربية ملهمة.
وذكرت المبادرات أنّ حفل صناع الأمل سيكون جماهيريا، لأنّ رسالة المبادرة هي قدرة الأفراد على التغيير الإيجابي، والمهمة اليوم هي إيصال قصص تلك المبادرات التي تستطيع التغيير، فللبطولة أشكال كثيرة، وهي ممكنة ومتاحة للجميع، إنّ الأبطال لا يمتلكون قدرات خارقة بقدر ما يمتلكون حساً إنسانياً عالياً وإيمانا مطلقا بأن لا وجود للمستحيل. واستقبلت المبادرة منذ إطلاقها وحتى إغلاق باب الترشيحات في أبريل (نيسان) الماضي، 65 ألفاً و489 ترشيحاً وحازت مبادرات العمل التطوعي على أعلى نسبة بلغت 29 في المائة ما يعادل نحو 19 ألف ترشيح من مجمل عدد الملفات المرشحة، وحلت مبادرات الشباب ثانياً بنسبة بلغت 19.6 في المائة (12.8 ترشيح)، وجاءت مبادرات التعليم ثالثاً بنسبة 19.1 في المائة (12.4 ترشيح)، وحلت مبادرات قطاع الصحة رابعاً بنسبة بلغت 9.1 في المائة (5913 ترشيحا)، وجاءت مبادرات الإعلام التقليدي والرقمي خامساً بنسبة بلغت 7.3 في المائة (4828 ترشيحا)، في حين توزعت المبادرات المتبقية التي بلغت نسبتها 15.9 في المائة (10335 ترشيحا) على قطاعات ومجالات متنوعة.
وعلى مستوى الخريطة الجغرافية فقد تلقت المبادرة ترشيحات من 22 دولة عربية، وجاءت مصر أولاً بعدد المترشحين والمترشحات بنسبة 22.3 في المائة من مجمل عدد الترشيحات، وحلت السعودية ثانياً محققة نسبة بلغت 17 في المائة، وجاءت الإمارات ثالثاً بنسبة بلغت 10.9 في المائة، وحل الأردن رابعاً بنسبة بلغت 9 في المائة. وجاء المغرب خامساً بنسبة بلغت 6.5 في المائة ثم فلسطين سادساً بنسبة 4.8 في المائة، والعراق سابعاً بنسبة 4.5 في المائة، وسوريا ثامناً بنسبة 4.4 في المائة، ومن ثم الجزائر تاسعاً بنسبة 4.2 في المائة، والكويت عاشرا بنسبة بلغت 3.6 في المائة.
بينما توزعت النسبة المتبقية والبالغة 12.8 في المائة على إحدى عشرة دولة هي اليمن ولبنان والسودان وعمان وتونس والبحرين وليبيا وقطر وموريتانيا والصومال وجزر القمر وجيبوتي على الترتيب.
واستهدفت مبادرة «صنّاع الأمل» الأفراد، مع التركيز على فئة الشباب تحديداً، بحيث يكون «صانع الأمل» الذي تشمله المبادرة، صاحب مشروع أو مبادرة أو يُعدّ جزءاً من برنامج أو حملة أو جمعية أو مؤسسة تطوعية تسهم بصورة من الصور في تحسين حياة شريحة من الناس، أو تطوير بيئة بعينها اجتماعياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو تربوياً، بحيث يقوم «صانع الأمل» بهذا الأمر كجهد شخصي، أو ضمن مجموعة تطوعية، من دون أي مقابل مادي، مسخِّراً جهوده وإمكاناته حتى وإن كانت محدودة أو متواضعة، في خدمة الآخرين وإسعادهم وجعل حياتهم أفضل.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)