أول مركز أبحاث دولي لضوء السنكروترون في الشرق الأوسط

أول مسارع في العالم يعمل بالطاقة الشمسية وتصل كلفته إلى 100 مليون دولار

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أثناء افتتاح مركز أبحاث ضوء السنكروترون في عمان أمس (إ.ب.أ)
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أثناء افتتاح مركز أبحاث ضوء السنكروترون في عمان أمس (إ.ب.أ)
TT

أول مركز أبحاث دولي لضوء السنكروترون في الشرق الأوسط

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أثناء افتتاح مركز أبحاث ضوء السنكروترون في عمان أمس (إ.ب.أ)
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أثناء افتتاح مركز أبحاث ضوء السنكروترون في عمان أمس (إ.ب.أ)

افتتح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أمس، المركز الدولي لضوء السنكروترون للعلوم التجريبية وتطبيقاتها في الشرق الأوسط، والمعروف اختصارا باسم «سيسامي» (سمسم)، ليكون أول مركز أبحاث عالمي من نوعه في المنطقة.
ومن شأن مركز «سيسامي»، وهو مسارع ضوئي من الجيل الثالث ويقع في منطقة علان بمحافظة البلقاء، 30 كيلومترا غرب العاصمة عمان، أن يساهم في دفع عجلة التقدم والنهوض بالأبحاث العلمية في مجالات الطب والصيدلة والفيزياء والكيمياء والأحياء وعلوم المواد، وغيرها.
وجال الملك عبد الله الثاني في مرافق المركز، واستمع إلى شرح من القائمين عليه حول التكنولوجيا المستخدمة ومراحل البناء وعملية التشغيل.
وجمع مركز «سيسامي» خلال مرحلة تطوير المشروع العلمي، علماء من عدد من الدول الأعضاء في المركز، وهي قبرص ومصر وإيران وإسرائيل والأردن وباكستان وفلسطين وتركيا، بالإضافة إلى عدد من الدول المراقبة، ليعملوا على بناء أول مختبر أبحاث عالمي للشرق الأوسط.
وقال البروفسور السير كريستوفر ليولين سميث، رئيس مجلس إدارة المركز، خلال حفل الافتتاح، إن من المتوقع أن يجذب المركز أعدادا كبيرة من العلماء في المنطقة، لافتا إلى أن المركز تلقى حتى الآن 55 مشروع بحث علميا؛ لاستخدام المسارعات النووية.
وأكد أن المركز سيكون فيه أول مسارع في العالم سيستمد طاقته من الطاقة الشمسية.
بدوره أشار مدير عام المركز رئيس هيئة الطاقة الذرية الأردنية، الدكتور خالد طوقان، في كلمته، إلى التحديات السياسية، والتقنية، والمالية التي واجهها فريق العمل على المشروع، مؤكداً أن الإنجاز المتميز تم بفضل الداعمين في الأردن وحول العالم.
وأضاف طوقان أنه مع استكمال المشروع، يبدأ الآن تحدي بناء مجتمع من الباحثين والمستخدمين، بالإضافة إلى إنشاء مرافق مساندة، من مبان للإدارة وسكن للباحثين الضيوف، وقبل كل ذلك، تأمين الدعم المالي اللازم.
وتضمن حفل الافتتاح، عرض فيلم قصير عن مركز «سيسامي»، يبين آلية تحويل الطاقة إلى ضوء السنكروترون من خلال تسريع الإلكترونات إلى سرعة تقترب من سرعة الضوء، وعن المجالات العلمية والتطبيقات التي تستخدم فيه. كما يوضح الفيلم أهمية المركز بوصفه منشأة علمية لتبادل الأبحاث بين العلماء في عدد من المجالات، وفي تعزيز العلوم في المنطقة.
وبدأ بناء المركز في عام 2003، بعد توقيع اتفاقية الانضمام للمركز مع بقية الدول الأعضاء بالمركز تحت مظلة اليونيسكو، بعد أن تم اختيار الأردن لاستضافة مركز «سيسامي» من بين خمس دول تقدمت لذلك.
ويضم مركز «سيسامي» 3 مسارعات نووية، يتم فيها تسريع إلكترونات إلى طاقة 2.5 مليار إلكترون فولت، حيت ينتج عنها ضوء شديد الكثافة هو ضوء السنكروترون.
وتم بناء مركز «سيسامي» بتكلفة تتجاوز 100 مليون دولار، حيث قدمت الدول الأعضاء في المركز الجزء الأكبر منها، إضافة إلى الدعم الذي قدمه الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا.
وكان الأردن قد خصص قطعة أرض لإقامة المركز عليها، كما تكفل أيضا بتشييد المبنى، إلى جانب تقديم مساهمات مالية لبناء المسارعات تجاوزت الـ10 ملايين دولار.
وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا تبرعت بأجزاء مركز مشابه تم تفكيكه عام 1999، استُخدم جزء منها يمثل نحو 40 في المائة في بناء مسارعات مركز «سيسامي».
* السنكروترون... «مسرع الجسيمات الدوراني التزامني»
* السنكروترون Synchrotron أو «المسرع الدوراني التزامني» مصطلح يتركب اسمه من جزء من كلمة «سنكرونيزيشن – التزامن» وجزء من كلمة «إلكترون»، وهو نوع خاص من مسرعات أو معجّلات الجسيمات التي يتم داخلها توليد المجال الكهربائي بهدف تسريع الجسيمات الذرية المشحونة الدقيقة، كما يتم توليد المجال المغناطيسي داخلها أيضا بهدف تحريك الجسيمات بحركة دورانية، وذلك بشكل متزامن (متوافق) مع حزمة الجسيمات المتحركة. ويستخدمها علماء الفيزياء لدراسة الجسيمات عالية الطاقة.
وهناك ما يقرب من 60 من منشآت السنكروترون في العالم، التي أصبحت ذات قيمة كبيرة، بوصفها أدوات في علوم الطب والهندسة. وفي أبريل (نيسان) الماضي، على سبيل المثال، اكتشف العلماء الذين يستخدمون الأشعة السينية من مصدر ضوئي، في مختبر «سلاك» الوطني للمسارعات في ولاية كاليفورنيا الأميركية، تفاصيل جديدة تتعلق بهيكل البروتينات التي تعمل على تنظيم ضغط الدم، مما يزيد من إمكانية تقديم علاج أفضل لمرضى ضغط الدم المرتفع.
ومع مسارعة الجسيمات المشحونة، وهي في هذه الحالة الإلكترونات، حول الحلبة الكهرومغناطيسية في الآلات، فإنها تشع الطاقة، أو ما يُعرف بإشعاع السنكروترون.
وعند انعكاس أو امتصاص هذه الإشعاعات الضوئية من قبل المواد المستهدفة الخاضعة للدراسة، يمكن أن تكشف عن أشكال وترتيبات الجزيئات داخلها والتعرف على خصائصها، على غرار عملية الكشف عن الحلزون المزدوج للحمض النووي بواسطة صور الأشعة السينية، التي التقطها البروفسورة روزاليند فرانكلين في خمسينات القرن الماضي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».