قصر أنطونيادس في الإسكندرية يتحول مركزاً ثقافياً عالمياً

رُمّم بعدما طاله الإهمال لأكثر من 150 عاماً

قصر أنطونيادس قبل الترميم يعود تاريخه لعام 1860  -  شهد القصر أحداثاً تاريخية مهمة وأقام فيه شاه إيران محمد بهلوي مع الأميرة فوزية بعد زواجهما
قصر أنطونيادس قبل الترميم يعود تاريخه لعام 1860 - شهد القصر أحداثاً تاريخية مهمة وأقام فيه شاه إيران محمد بهلوي مع الأميرة فوزية بعد زواجهما
TT

قصر أنطونيادس في الإسكندرية يتحول مركزاً ثقافياً عالمياً

قصر أنطونيادس قبل الترميم يعود تاريخه لعام 1860  -  شهد القصر أحداثاً تاريخية مهمة وأقام فيه شاه إيران محمد بهلوي مع الأميرة فوزية بعد زواجهما
قصر أنطونيادس قبل الترميم يعود تاريخه لعام 1860 - شهد القصر أحداثاً تاريخية مهمة وأقام فيه شاه إيران محمد بهلوي مع الأميرة فوزية بعد زواجهما

«نحن لا نعيد بناء قصر وبعض حدائق وإنما نحن نعيد بناء تاريخ بأكمله»... هكذا عبر محافظ الإسكندرية د. محمد سلطان عن أهمية انتهاء أعمال ترميم قصر وحدائق أنطونيادس، والذي تسلمته المكتبة لتحويله إلى مركز ثقافي عالمي لحوض البحر المتوسط يخدم دول حوض البحر المتوسط وليكون مقراً لحوار الحضارات والثقافات لحوض المتوسط وحلقة للاتصال بين الشمال والجنوب.
وقام محافظ الإسكندرية بمرافقه أعضاء مجلس أمنائها ومديرها الجديد د. مصطفى الفقي ومديرها المؤسس إسماعيل سراج الدين بزيارة للقصر، والتي تأتي في إطار جهود مكتبة الإسكندرية لإحياء المجد الثقافي للمدينة والانفتاح على العالم.
تم الترميم الذي بدأ عام 2005 بالتعاون بين مكتبة الإسكندرية ومجموعة أوناسيس اليونانية العالمية والتي تحمست للمشاركة في إحياء قصر أنطونيادس، كجزء من التراث الثقافي اليوناني المصري، ورمز للعلاقات بين الإسكندرية ومدن البحر المتوسط. ويقول المعماري الكبير الدكتور محمد عوض، المسؤول عن ترميم القصر لـ«الشرق الأوسط»: «نأمل أن يعود للقصر دوره التاريخي كشاهد على الأحداث والفعاليات العلمية والثقافية التي تجمع بين ثقافات البحر المتوسط كما كان عهده من قبل. وسوف مكتبة الإسكندرية بدعوة كوكبة من الفنانين ومخرجي السينما والمصورين والكتاب والشعراء من جميع دول البحر المتوسط واستضافتهم في القصر؛ ليتفاعلوا مع الفنانين السكندريين وإنتاج أعمال فنية مشتركة، كما سيتم بناء مسرح مكشوف لاستضافة العروض المسرحية والحفلات الموسيقية، بالإضافة إلى متحف مقتنيات أسرة أنطونيادس ومنها الأثاث والفضيات والسجاد، بالإضافة إلى بعض المقتنيات المعمارية القيمة».
وتم وضع استراتيجية بحيث تضم مباني للعرض التاريخي والمتحفي لحضارات دول حوض البحر المتوسط وقاعات للمؤتمرات ومكتبات تغذي ثقافة الطفل والباحثين الأكاديميين.
وترجع تسمية حديقة أنطونيادس بهذا الاسم إلى صاحبها البارون اليوناني جون أنطونيادس، الذي عاش بالإسكندرية وكان من أكبر رجال الاقتصاد ومن أشهر تجار الأقطان فيها. وقد شيد قصرا على مساحة 20859 متراً مربعاً، أي نحو 50 فداناً، وهو تحفة معمارية رائعة تختزل في أجوائها حضارات البحر المتوسط. وقد صمم القصر على نسق الطراز المعماري لقصر فرساي بباريس وأضيفت إليه لمسات من طرز معمارية مختلفة كالطراز الأندلسي والإيطالي واليوناني والروماني، وفي عام 1860 طلب البارون أنطونيادس من الفنان الفرنسي بول ريشارد تطوير حدائق القصر ليكون بمثابة نسخة مصغرة من قصر فرساي وحدائقه. وقد ورث القصر وحدائقه «أنطوني أنطونيادس» عن والده وتبرع به إلى الحكومة المصرية بناء على رغبة والده قبل وفاته عام 1917، حيث انضم القصر إلى بلدية الإسكندرية، ثم إلى وزارات الزراعة والري ثم إلى ديوان عام محافظة الإسكندرية ثم إلى الزراعة مرة أخرى حتى أمر محافظ الإسكندرية في عام 2004 أن يصبح القصر وحدائقه تابعاً لمكتبة الإسكندرية ليتم إحياؤه من جديد.
وتضم الحديقة، أو حدائق القصر مجموعة من التماثيل الرخامية النادرة لبعض الشخصيات وأبطال الأساطير اليونانية أشهرها تمثال أفروديت رمز الجمال، وإله الشعر إراتو، سافو، وغيرها، وأيضاً تماثيل «فاسكو دي جاما، وماجلان، وكريستوفر كولومبس، وأدميرال نلسون»، كما تشتهر الحدائق بمجموعة من الأشجار النادرة والزهور الطبيعية، وكنها أول حديقة تضم صوبة للنباتات النادرة.
ويعد قصر أنطونيادس شاهداً على مجموعة من الأحداث التاريخية المتميزة مثل توقيع المعاهدة الأنجلو - مصرية عام 1936، والاجتماع التحضيري الأول لإنشاء جامعة الدول العربية عام 1946.كما كان شاهداً على بداية زواج شاة إيران محمد رضا بهلوي بالأميرة فوزية حيث قضيا به شهر العسل. وعلى مدار تاريخها شهدت حدائق أنطونيادس الكثير من الحفلات أهمها الحفل الذي أقامه الخديوي إسماعيل وحضره الأمير الشاب توفيق ابن الخديوي الوريث لعرش مصر ونخبة من رجال المجتمع في الإسكندرية من جنسيات مختلفة حيث كانت المدينة تعيش حالة من الكوزموبوليتانية في ذاك الوقت. كما أقيم بها عدد من حفلات «أضواء المدينة» والتي أحياها أهم نجوم الغناء والفن في العالم العربي، منهم العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وفايزة أحمد، وشادية وهاني شاكر وسميرة سعيد، كما شهدت مهرجان «سكندريات العالم» والذي حضرته 44 مدينة تحمل اسم الإسكندرية. وحفلات عروض الزهور التي بدأت في الثلاثينات من القرن الماضي وتميزت بمواكب عربات الزهور التي تمر بوسط المدينة وعليها أجمل فتيات المدينة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».