مهرجان فاس للموسيقى العريقة يفتتح بعرض حول «الروح والماء»

افتتحته الأميرة للا سلمى... والصين ضيف شرف

مهرجان فاس للموسيقى العريقة يفتتح بعرض حول «الروح والماء»
TT

مهرجان فاس للموسيقى العريقة يفتتح بعرض حول «الروح والماء»

مهرجان فاس للموسيقى العريقة يفتتح بعرض حول «الروح والماء»

افتتحت الليلة قبل الماضية الدورة الـ23 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة تحت شعار «الماء والمقدس». وترأست حفل الافتتاح الأميرة للا سلمى، عقيلة العاهل المغربي الملك محمد السادس مرفوقة بدومينيك وتارا، زوجة الرئيس الإيفواري حسن واتارا.
وتميز حفل افتتاح الدورة الذي أقيم بموقع «باب الماكينة» التاريخي، بعرض فني حمل عنوان «الروح فوق الماء»، سافر بالحضور في رحلة شعرية انطلقت من نافورات فاس، التحف المعمارية التي يتدفق منها الماء، لتمضي من الينابيع الجبلية وصولا إلى المحيط. ويتعلق الأمر برحلة تتناول أساطير مختلفة تستحضر في كل محاورها الماء، الذي إن كان يهب الحياة، فإنه قد ينزعها أيضا، بدءا من طوفان الأزمنة الميثولوجية إلى الفيضانات المهولة التي يشهدها كوكب الأرض في العصر الحديث.
ولامس العرض موضوع الماء في شقيه البيئي والروحي، حيث تطرق إلى سقايات فاس ونافوراتها وشلالات الأمازون ورمزية الماء في الطبيعة منذ بداياتها الأولى وفي التراث الشفهي القديم (الكلام الأمازيغي) بمرتفعات الأطلس والكناري، وإحالته في سفينة نوح والطوفان أو واحات الصحراء المحتفى بها في الشعر الصوفي، لتكون أمسية الافتتاح أصدق تعبير عن شعار الدورة الـ23 الملتزم باحترام البيئة بإضفاء الطابع الروحي على جوهرها الطبيعي.
وكان عرض «الروح فوق الماء» المستلهم من أغنية أسطورية لبوب ديلن، الذي أبدعه المدير الفني ألان ويبر، وأخرجه موسيقياً الملحن والمايسترو رمزي أبو رضوان، عملا فنيا راقيا أثثه موسيقيون وفنانون قدموا من مختلف بلدان العالم أبدعوا من أجل الماء.
ومن بين أبرز الأسماء المشاركة في هذا العرض الذي وظفت فيه عناصر الحكي، مارلوي ميراندا، وهي مغنية ذائعة الصيت بالبرازيل، والمطربة فاتن هلال بك (المغرب)، والموسيقار الفلسطيني الكبير رمزي أبو رضوان، والمبدعان الفرنسيان جيرارد بوشو وفرانك مارتي، فضلا عن الفنانة المغربية زينب أفيلال.
وستكون دورة 2017 فرصة لاستكشاف رمزية الماء، ولتوجيه رسالة للعالم تحث على التصالح مع البيئة، والتعبئة من أجل مستقبل الأجيال اللاحقة ومستقبل الكون.
وتحفل الدورة بفقرات تتغنى بالطبيعة حيثما كانت من بينها سيمفونية «فلامنكا بويتا» يقدمها عازف القيثارة الشهير فيسانت أميغو، وعروض موسيقية لفنانين من جزر اليابان، وكذا عروض تتغنى بالأنهار الكبيرة في العالم، كدعوة من أجل حمايتها.
وبعد أن كانت الهند ضيفة شرف الدورة السابقة من المهرجان، ستكون الصين ضيفة شرف الدورة الـ23 لإبراز التراث الفني الغني والمتنوع لهذا البلد الآسيوي عبر وصلات غنائية وموسيقية ورقصات تعبيرية لمجموعة من كبار فنانيه.
وحسب المنظمين، فإن اختيار الصين ضيف شرف الدورة نابع من كون الصينيين من بين الشعوب الأكثر تعلقا بعاداتها وتقاليدها وتاريخها.
وينشط الفقرات الفنية للدورة فنانون عالميون، أبرزهم مارك فيلا من فرنسا، وإيريك بيب - الولايات المتحدة، وتازيري – فرنسا، وياسمين حمدان - لبنان قبل أن تختتم الدورة يوم 20 مايو (أيار) بسهرة تحييها الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي.
وتشمل الدورة جانبا فكريا من خلال «منتدى فاس» من 13 إلى 15 مايو يبحث المفكرون والأدباء المشاركون فيه موضوعات، منها «البعد العالمي لإشكاليات الماء»، و«الماء في ظل متطلبات توصيات كوب 22» و«الأبعاد الروحية والدينية للماء.»
وعلى غرار الدورات السابقة، يمنح مهرجان الموسيقى العالمية العريقة الفرصة لتعبيرات موسيقية من مختلف تقاليد وثقافات العالم، ولعروض فنية مجانية مفتوحة في وجه العموم وأمسيات صوفية، وكذا فقرات فكرية وتعليمية.
وسيراً على عادة المهرجان في تقاسم الفن والتجارب، ونهجه في فتح الباب أمام فنانين مغاربة، سيكون الفنان الشعبي عبد العزيز الستاتي حاضرا في دورة هذه السنة إلى جانب نزار إديل ومجموعة (فناير) وسعيد الغيسي وعصام كمال وإيمان قرقيبو وحميد القصري وأحوزار وسي مهدي.
وتتوزع فقرات الدورة التي تنظمها «مؤسسة روح فاس»، بين فضاءات باب الماكينة، وجنان السبيل، ورياض دار بنسودة، وسينما بوجلود، ودار عديل، وقاعة العمالة، والمركب الثقافي سيدي محمد بن يوسف، ودار البطحاء، وقصر الجامعي.
واعتبارا لبعديه الفني والروحي منذ تأسيسه سنة 1994، صنفت الأمم المتحدة مهرجان فاس للموسيقى العالمية الروحية منذ سنة 2001، ضمن المظاهرات المتميزة المساهمة في حوار الحضارات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».