بغداد احتفت بالروائي أحمد السعداوي الحاصل على «البوكر» للرواية العربية

وسط تمنيات أن تحقق الجائزة للأدب العراقي ما حققته للشعر

تحدث السعداوي عن أمنيته بأن تكون الرواية وفوزها بهذه الجائزة قد أسهما في رفع منسوب الأمل وأن يكون الحدث كله قد قدم شيئاً للحالمين بدفع حياتنا نحو المدنية والديمقراطية الحقة
تحدث السعداوي عن أمنيته بأن تكون الرواية وفوزها بهذه الجائزة قد أسهما في رفع منسوب الأمل وأن يكون الحدث كله قد قدم شيئاً للحالمين بدفع حياتنا نحو المدنية والديمقراطية الحقة
TT

بغداد احتفت بالروائي أحمد السعداوي الحاصل على «البوكر» للرواية العربية

تحدث السعداوي عن أمنيته بأن تكون الرواية وفوزها بهذه الجائزة قد أسهما في رفع منسوب الأمل وأن يكون الحدث كله قد قدم شيئاً للحالمين بدفع حياتنا نحو المدنية والديمقراطية الحقة
تحدث السعداوي عن أمنيته بأن تكون الرواية وفوزها بهذه الجائزة قد أسهما في رفع منسوب الأمل وأن يكون الحدث كله قد قدم شيئاً للحالمين بدفع حياتنا نحو المدنية والديمقراطية الحقة

احتفلت الأوساط الثقافية والأكاديمية والإعلامية العراقية بعودة الروائي الشاب أحمد السعداوي إلى وطنه بعد حصوله على جائزة البوكر للرواية العربية عن «فرانكشتاين في بغداد» كأفضل عمل نشر في عام 2013. اختيرت السعداوي من بين 156 مرشحا من 18 بلدا عربيا. جلسة تكريم السعداوي أدارها الروائي والإعلامي حميد قاسم بحضور حشد من المثقفين والإعلاميين والأكاديميين.
السعداوي بدا سعيدا بين زملائه خلال حفل الاحتفاء به، وقال: «أعجز عن التعبير عن حجم شكري وامتناني لكل من تفاعل مع خبر إعلان فوز «فرانكشتاين في بغداد» ببوكر العربية 2014، من العائلة والأصدقاء الذين أحاطوني بمحبتهم».
وأضاف السعداوي في الجلسة عن بطل الرواية هادي العتاك وكيف أنه ركز على الانتماء للوطن، رغم العتمة التي ضمتها أحداث الرواية والتي تتحدث عن منطقة ساخنة في بغداد في عامي 2006 و2007.
وتحدث السعداوي عن أمنيته بأن تكون الرواية وفوزها بهذه الجائزة قد أسهما برفع منسوب الأمل، وأن يكون الحدث كله قد قدم شيئا للحالمين بدفع حياتنا نحو المدنية والديمقراطية الحقة، بما يحفظ كرامة الإنسان العراقي ويعزز ثقته بالمستقبل.
السعداوي كتب في الشعر أيضا وأصدر مجموعات شعرية كثيرة من بينها «الوثن الغازي»، بغداد 1997، و«نجاة زائدة»، 1999، و«عيد الأغنيات السيئة»، و«مدريد»، أما في الرواية، فأصدر رواية «البلد الجميل» عن دار الشؤون الثقافية ببغداد 2004 التي فازت بالجائزة الأولى للرواية العربية بدبي 2005، ورواية «إنه يحلم، أو يلعب، أو يموت»، عن دار المدى، دمشق 2008 والتي حازت هي أيضا على جائزة «مهرجان هاي» الأدبي البريطاني لأفضل 39 أديبا عربيا دون سن الأربعين، وفي القصة له، «اللعب في الغرف المجاورة»، مخطوطة، نشرت أغلب نصوصها في الصحف والدوريات العربية والعراقية.
رواية «فرانكشتاين في بغداد»، صدرت عن دار الجمل، بيروت 2013، وكانت قد رشحت لقائمة الجائزة القصيرة التي أعلن عنها في بداية يناير (كانون الثاني) الماضي في العاصمة الأردنية عمان، إضافة إلى روايتين من المغرب العربي «طائر أزرق نادر يحلق معي» ليوسف فاضل، و«تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية» لعبد الرحيم لحبيبي، و«طشاري» لإنعام كجه جي من العراق. و«لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» للسوري خالد خليفة، و«الفيل الأزرق» لأحمد مراد من مصر.
وتحدث أدباء خلال الجلسة عن ما شكلته الجائزة من قيمة ومكانة في الأدب العراقي، أعادت فيها التسيد للرواية العراقية في الأدب العراقي مثلما تحقق للشعر العراقي، إضافة إلى أنها فرحة ترقبها الجميع وسط عتامة الظروف المحيطة بهم.
وتحكي «فرانكشتاين في بغداد» قصة هادي العتاك، بائع بحي شعبي في بغداد، والذي يقوم بلصق بقايا بشرية من ضحايا الانفجارات في ربيع 2005 ويخيطها على شكل جسد جديد، تحل فيه لاحقا روح لا جسد لها، لينهض كائن جديد، يسميه هادي «الشسمه»، أي الذي لا أعرف ما هو اسمه، وتسميه السلطات بالمجرم إكس، ويسميه آخرون «فرانكشتاين». يقوم هذا الكائن بقيادة حملة انتقام من كل من أسهم في قتله، أو على الأصح من قتل الأجزاء المكونة له.
ولد أحمد السعداوي في بغداد عام 1973، وعمل في كثير من الصحف والمجلات والمؤسسات الصحافية، وعمل مراسلا لـ«بي بي سي» في بغداد 2005 - 2007، ويعمل حاليا في إنتاج وكتابة الأفلام الوثائقية وإعداد البرامج التلفزيونية وكتابة السيناريو.
أطلقت الجائزة العالمية للرواية العالمية خلال عام 2007 وهي تدار بدعم من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة والشراكة مع مؤسسة جائزة بوكر في لندن، وتعتبر من أهم الجوائز الأدبية المرموقة في العالم العربي، وتهدف إلى مكافأة التميز في الأدب العربي المعاصر ورفع مستوى الإقبال على قراءة هذا الأدب عالميا من خلال ترجمة الروايات الفائزة التي وصلت إلى القائمة القصيرة إلى لغات رئيسة أخرى ونشرها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».