«العدل الأوروبية» تنظر في الاعتراض على اتفاقيتي التجارة مع كندا وأميركا

بروكسل تتفق مع المكسيك على تحديث اتفاقية بين الجانبين موقعة منذ عام 2000

«العدل الأوروبية» تنظر في الاعتراض على اتفاقيتي التجارة مع كندا وأميركا
TT

«العدل الأوروبية» تنظر في الاعتراض على اتفاقيتي التجارة مع كندا وأميركا

«العدل الأوروبية» تنظر في الاعتراض على اتفاقيتي التجارة مع كندا وأميركا

عقدت محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ أمس الأربعاء، جلسة للنظر في الشكوى التي تقدمت بها منظمة تحمل اسم «مبادرة المواطن الأوروبي»، ضد المفوضية الأوروبية، وذلك للاعتراض على مفاوضات اتفاق التجارة الحرة مع واشنطن، وأيضاً ضد التوقيع على اتفاق للتجارة الحرة مع كندا.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2014، وبعد أن رفضت المفوضية تسجيل منظمة مبادرة المواطن الأوروبي، نجحت الأخيرة في جمع توقيعات من أكثر من 3 ملايين شخص في 23 دولة أوروبية، وهو ضعف العدد المطلوب، وتسعى المنظمة إلى الحصول على اعتراف رسمي من المحكمة يلغي إجراءات قانونية جديدة للمفوضية في هذا الصدد، وبالتالي وقف تنفيذ اتفاقيات التجارة الحرة، بينما ترد المفوضية بأن المنظمة لا بد أن تستجيب للوائح القانونية الجديدة لتسجيل المنظمات الأوروبية.
وفي بيان تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منه، قبل بدء انعقاد الجلسة، قال البرلماني الأوروبي سفين خيخولد مقرر شؤون الشفافية والمساءلة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، إن «قرار المحكمة يمكن أن يمثل إعادة الحياة من جديد للمنظمة، ولا بد أن يكون للمواطن الأوروبي دور ويحصل على الفرصة للمشاركة المباشرة في صنع القرار، وإذا حكمت المحكمة الأوروبية لصالح مبادرة المواطن الأوروبي التي جمعت أكثر من 3 ملايين توقيع فهذا يعني أن المواطن الأوروبي يمكن أن يكون له رأي في السياسة التجارية الخارجية للاتحاد الأوروبي، وإذا حصلت المنظمة على قرار يوقف تنفيذ اتفاق التجارة مع واشنطن وكندا فهذا يعني أن المواطن الأوروبي يمكن أن يؤثر حقا في قرارات الاتحاد الأوروبي».
وقال البرلماني الأوروبي المنتمي إلى أحزاب الخضر في البيان، إن دفاع المفوضية الأوروبية برئاسة جان كلود يونكر ضد المبادرة أمام المحكمة يمكن أن يتسبب في خيبة أمل كبيرة للمواطن الأوروبي، وخاصة أن الشكوى تتعلق بالاعتراض على استبعاد المواطنين من القرارات الأوروبية المهمة التي تؤثر عليهم وعلى صحتهم والخدمات العامة والبيئة.
ويأتي ذلك بعد أن قالت المفوضية الأوروبية في بروكسل إنه جرى الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي الموحد والمكسيك على تسريع المفاوضات بين الجانبين لتحديث اتفاقهما التجاري، مما جعل البعض من المراقبين يرى في الأمر محاولة أوروبية للبحث عن تفعيل شراكات قائمة، أو البحث عن شركاء جدد في مناطق مختلفة من العالم، ومنها القارة الأميركية؛ وذلك لتعويض التعثر في إبرام اتفاقية للتجارة الحرة مع الولايات المتحد الأميركية والعراقيل التي قد تقف في طريق تنفيذ ما يعرف باتفاقية «سيتا» بين الاتحاد الأوروبي وكندا التي وقعت خريف العام الماضي.
وحول الاتفاق مع المكسيك قالت المفوضية الأوروبية للتجارة سيسيليا مالمستروم بعد لقاء مع الحكومة المكسيكية إن المفاوضات لتحديث الاتفاق التجاري الموقع في عام 2000 بدأت في مايو (أيار) 2016 لكنها ستتسارع حتى نهاية العام الجاري. وصرح وزير الاقتصاد المكسيكي ايلديفونسو غواخاردو في مؤتمر صحافي مشترك: «اليوم من المهم توجيه رسالة واضحة. الرسالة الواضحة هي أننا لن نبقى مشلولين أمام تحدي إعادة التفاوض الذي ينتظرنا في واشنطن حول اتفاق أميركا الشمالية. ستواصل المكسيك، التحرك نحو الأمام، حتى تحقق استراتيجية التنويع التي تعتبر ضرورية لإعادة تموضع الاقتصاد المكسيكي»، وستعقد الدورة المقبلة في المكسيك من 26 إلى 30 يونيو (حزيران)، بينما سيجتمع المفاوضون من الطرفين مرة كل شهر خلال النصف الثاني من العام.
وتقول المفوضة الأوروبية للتجارة سيسيليا مالمستروم: «من الواضح أن هناك من يشكك اليوم في فوائد التجارة الحرة، والأنظمة متعددة الأطراف، ورسالتنا واضحة هي أننا نريد بناء جسور وليس جدرانا». وكان الخطاب العدائي للرئيس الأميركي دونالد ترمب ورغبته التي يكررها في إعادة التفاوض وحتى إلغاء اتفاق التبادل الحر لأميركا الشمالية، أدى إلى تبدل في العلاقة بين المكسيك وجارتها الشمالية شريكتها الاقتصادية الكبرى. وأكدت المفوضة الأوروبية قناعة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في فوائد التبادل الحر بينما «يشكك البعض في ذلك». وقالت: «نريد أن نقوم بالتجارة. نعطي هذه الإشارة التي تفيد أننا مستعدون لبناء جسور لا جدرانا».
وارتفع حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والمكسيك بين 1999 و2016 3 أضعاف من 18.5 مليار دولار إلى 61 مليار دولار حسب أرقام الحكومة المكسيكية.
وفيما يتعلق باتفاق التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وكندا، كان الجدل قد اشتعل خلال الخريف الماضي بين المفوضية وحكومة والونيا، جنوب بلجيكا، التي رفضت المعاهدة، ليتم بعد ذلك توقيعها، ولكن بشكل أولي، وبشرط موافقة البرلمان الأوروبي والحكومات الفيدرالية والإقليمية في الدول الأعضاء. كما يتعين على محكمة العدل الأوروبية أن تؤكد أن النص غير متناقض مع المبادئ والتشريعات الأوروبية، ما سيزيد من تعقيد المسيرة المؤسساتية والدستورية التي تنتظر هذه المعاهدة قبل رؤيتها واقعاً ملموساً. ورغم المظاهرات الاحتجاجية في بروكسل ومدن أوروبية أخرى خلال الفترة الماضية، ففي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي جرى في بروكسل التوقيع على اتفاقيتين بين الاتحاد الأوروبي وكندا، الأولى تتعلق بالشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والأخرى حول التبادل التجاري الحر.
وقالت مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، إن الاتفاق الاقتصادي التجاري الشامل «سيتا» اتفاق للتجارة شامل وطموح، ويفتح بعدا جديدا للشراكة الاقتصادية بين الجانبين، وسيعمل اتفاق سيتا على تحقيق النمو الاقتصادي المستدام والشامل، وخلق فرص العمل. وفي بيان مشترك أكد الجانبان على الالتزام بالتنفيذ المؤقت السريع للاتفاق، وفي ظل قناعة بأن الاتفاقات التجارية يجب أن تحافظ تماماً على قدرة الحكومات على التنظيم من أجل المصلحة العامة، وخاصة فيما يتعلق بالخدمات العامة والعمل والبيئة، وقال مجلس الاتحاد الأوروبي، إن اتفاقية سيتا ستساهم في إزالة أكثر من 99 في المائة من الرسوم الجمركية التي تفرض حاليا على التجارة بين كندا والاتحاد، وبالتالي من المتوقع أن يرتفع حجم التجارة الثنائية ليصل إلى 12 مليار يورو سنويا، كما ستساهم الاتفاقية في خلق الوظائف وتحقيق النمو بين ضفتي الأطلسي.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي قالت مفوضة التجارة الخارجية في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم، إنه بناء على الاتفاق مع الدول الأعضاء في الاتحاد في نوفمبر الماضي، جرى إصدار تقييم لمسار التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية حول اتفاق للتجارة الحرة بين الجانبين، ويهدف هذا التقييم إلى توضيح وتلخيص الأمور التي تتناولها المحادثات، وبناء على سياسة متبعة في زيادة الشفافية بشأن العملية التفاوضية، التي انطلقت في يوليو (تموز) من عام 2013. وقالت المفوضية إن التقييم يشير إلى تحقيق النتائج المتوقعة في بعض المجالات، بينما هناك مجالات أخرى تحتاج إلى مزيد من العمل.
وتشهد العواصم الأوروبية من وقت لآخر مظاهرات احتجاجية ضد الاتفاق مع واشنطن تطالب بمزيد من الشفافية بشأن المفاوضات وبنود الاتفاق التي أثارت بعضها تحفظات من جانب فعاليات أوروبية.
ويرى المعارضون للاتفاقية المقترحة في أوروبا أنها غير عادلة، مشددين على أنها ستجبر الأوروبيين على قبول ما يرون أنها معايير استهلاكية أميركية أقل من نظيراتها الأوروبية، كما تتسبب رغبة واشنطن في فرض حماية قانونية صارمة على استثماراتها في أوروبا في خلاف كبير، إذ يرى المعارضون الأوروبيون أنها قد تخالف قوانين الدول الأوروبية ذات الصلة. وانعقدت في نيويورك الجولة الـ15 من المحادثات في نوفمبر الماضي، دون الإعلان عن نتائج تشير إلى قرب التوقيع. ويذكر أن اتفاق التجارة الحرة سيؤدى إلى قيام سوق تضم نحو 800 مليون نسمة. لكن المفاوضات تتعثر بسبب المخاوف من أن يؤدي الاتفاق إلى تخفيف معايير حماية المستهلك، ومنح الشركات حق الاعتراض على القوانين الوطنية للدول الأعضاء، إذا تعارضت مع مصالحها.
وتقول المفوضية الأوروبية ببروكسل، إن العلاقات الاقتصادية بين الطرفين هي الأقوى في العالم، وتشكل ما يقرب من نصف الناتج الإجمالي العالمي، وقرابة ثلث التجارة العالمية، وما يقرب من 2.7 مليار دولار من التدفقات التجارية يومياً، وهناك استثمار لـ3.7 تريليون دولار عبر الأطلسي، وهناك فرص عمل وروابط قوية بين الشركات ورجال الأعمال.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.