اليونان تأمل في تحقيق إيرادات عالية من موسم سياحي مزدهر

زوار يجلسون على مقاعد مجانية تحت أشعة الشمس ليراقبوا زوارق الصيد

جزيرة ميكونوس في اليونان
جزيرة ميكونوس في اليونان
TT

اليونان تأمل في تحقيق إيرادات عالية من موسم سياحي مزدهر

جزيرة ميكونوس في اليونان
جزيرة ميكونوس في اليونان

بدأ الموسم السياحي في المرفأ القديم لجزيرة سكوبيلوس القريبة من الساحل الشرقي لليونان، بمعدلات بطيئة وقليلة من الزوار. وفي هذا الوقت من العام يمكن للزوار أن يختاروا الحانة المفضلة لديهم بتمهل، ويجلسوا على المقاعد المجانية التي تروق لهم المتناثرة تحت أشعة الشمس، ليراقبوا زوارق الصيد التي تنساب بخفة على صفحة الماء، بينما
يقوم أكثر من نادل والابتسامة ترتسم على شفاههم بتلبية طلباتهم من التزاتزيكي وهو طبق من الصوص مكون من الزبادي والخيار والثوم والخل والليمون ومجموعة من الأعشاب يقدم مع اللحم المشوي.
ولكن من المنتظر أن يكون نفس هذا المنظر مختلفا تماما في غضون بضعة أسابيع فقط، عندما تصل موجات متزايدة من السائحين إلى هذا المكان، وقتها ستمتلئ المطاعم بالزوار عن آخرها وسيضطر العاملون فيها إلى الهرولة في
عجلة ما بين طاولة نفد صبر الزبائن الجالسين أمامها، إلى طاولة أخرى لتلبية الطلبات الكثيرة التي لا تكاد تنتهي.
ويردد الأشخاص الذين يعرضون غرف الإقامة والمشروبات والأطعمة وجلسات التدليك، وأدوات الزينة اليدوية وصور الوشم الوقتية التي يمتد مفعولها إلى ثلاثة أسابيع، ومجموعات متنوعة من السلع والخدمات الأخرى شعارا يقول: «كلما زاد العدد كان ذلك أفضل».
وهم يأملون في أن تكون الدولارات التي تجلبها حشود السائحين معها علاجا للأزمة المالية ولسنوات من موازنات التقشف الحكومية، وهم يدركون أن هذه العملية العلاجية تتطلب أكثر من مجرد عام رائع من السياحة لكي تتم
العودة إلى مسار الانتعاش السابق. وتتوقع اليونان أن يبلغ عدد السياح خلال العام الحالي 2017 نحو 30 مليون
زائر، بعد أن سجل عددهم العام الماضي رقما قياسيا بلغ 5.‏27 مليون زائر.
ويقول ريجاس جريبيوتيس «سنرى، نرجو عدم المبالغة في التفاؤل»، وهو لا يريد أن يرفع سقف التوقعات حتى لا يكون ذلك جالبا للنحس، غير أن الابتسامة المرتسمة على وجه هذا الطاهي الشاب تشي بالتفاؤل.
ويضيف قائلا: «إن سكوبيلوس ليست مثل جزيرة ميكونوس أو سانتوريني، اللتين تشهدان إقبالا من السياح على الدوام».
غير أن كثيرا من السياح يفضلون البيئة الأكثر هدوءا داخل أرخبيل سبورايس، ويعترف ريجاس وأشقاؤه الثلاثة بأنهم يأملون في قدوم صيف مزدهر بعد أن استثمروا في تجديد الحانة التي يمتلكونها والمطلة على المياه.
وفي قرية تولو التي تعيش على صيد الأسماك على الجانب الآخر من اليونان، والكائنة في شبه جزيرة بيلوبونيز بالجنوب، لا يخفي ديمتريس سكاليديس شعوره بالابتهاج إزاء التوقعات بامتلاء الفنادق الثلاثة التي يديرها بالزائرين.
ويقول: «إننا نشهد أكبر انتعاش لحركة السياحة منذ عقود، إن جميع الغرف تقريبا لدينا أصبحت محجوزة وبدأنا بالفعل في تلقي حجوزات عام 2018». ويشاركه في مشاعر التفاؤل كريستوس بيلاتاكيس وهو مدير لأحد الفنادق بجزيرة رودس الواقعة في المنطقة الجنوبية الشرقية من بحر إيجة، حيث يقول: «حتى في قريتنا ليندوس تم حجز ما نسبته 60 في المائة من الغرف حتى نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل».
ويشعر السياح الألمان الذين يتميزون بمعدلات إنفاقهم العالية بالانجذاب لليونان هذا العام للمرة الثانية، ويمكن أن يبلغ عددهم ثلاثة أمثالهم عام 2015 والذي بلغ مليونا وفقا لتقديرات وزارة السياحة، كما أن اليونان تحظى بمكانة عالية بين السياح الفرنسيين والبريطانيين والنمساويين وهم أيضا من ذوي الإنفاق العالي.
وثمة أسباب متعددة لهذا الازدهار، ليس أقلها حالة عدم الاستقرار في كل من تركيا ومصر وهما مقصدان كانا يلقيان رواجا كبيرا خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية.
كما أن الأوضاع في اليونان التي تعاني من أعباء الديون شهدت استقرارا بعد أن كانت تنوء تحت كاهل المظاهرات والإضرابات، التي أثرت سلبا على حركة راغبي تمضية العطلات بسبب إغلاق الحدود وتوقف العبارات عن العمل وإغلاق أبواب المتاحف.
وأوضح ديمتريس سكاليديس قائلا: «لم تشهد البلاد إضرابات كبرى منذ 2015. كما ليس لدينا هجمات تسفر عن سقوط قتلى، ولذلك يشعر الناس بالأمان هنا». وبالإضافة إلى ذلك فإن الاتفاق المبرم بين تركيا والاتحاد الأوروبي حول
اللاجئين والمهاجرين ما زال ساريا منذ مارس (آذار) 2016. وبالتالي فإن تدفقهم عبر جزر بحر إيجة تقلص ليصل إلى معدل الصفر تقريبا.
ولا تزال أزمة الهجرة تؤثر على الجزر مع وجود مخيمات سيئة المنظر للاجئين، خاصة في جزيرتي لسبوس وخيوس، غير أن ذلك لم يكن له أي تأثير على حركة السفر إلى المقاصد اليونانية الكثيرة الأخرى.
وتأمل اليونان التي كان يهددها الإفلاس بأن تزداد الإيرادات القادمة من قطاع السياحة مقارنة بعام 2016، خاصة مع التوقعات بنمو عدد السياح الألمان.
وعلى الرغم من الرقم القياسي لعدد الزوار فقد انخفضت قيمة العائدات السياحية المقدرة بنحو 13 مليار يورو (3.‏14 مليار دولار) بنسبة 5.‏6 في المائة في العام الماضي مقارنة بما تحقق عام 2015، ويرجع السبب في ذلك أساسا إلى
زيادة أعداد السائحين القادمين من دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي والمعروفين بتواضع معدلات إنفاقهم.
وفي هذا الصدد يمكن أن تمثل الأرقام الرسمية المتوقعة لإيرادات عام 2017 أسبابا لمشاعر التفاؤل المنتشرة، حيث يشير توقع حكومي إلى أن الإيرادات يمكن أن ترتفع إلى ما يصل إلى ما نسبته 50 في المائة هذا العام.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».