في بيتنا مصمم: المغربية فضيلة الكادي تتجنب القفطان احتراماً له

جمعها بين التقليدي والعصري مكمن قوتها  -  فضيلة الكادي  -  من أعمالها
جمعها بين التقليدي والعصري مكمن قوتها - فضيلة الكادي - من أعمالها
TT

في بيتنا مصمم: المغربية فضيلة الكادي تتجنب القفطان احتراماً له

جمعها بين التقليدي والعصري مكمن قوتها  -  فضيلة الكادي  -  من أعمالها
جمعها بين التقليدي والعصري مكمن قوتها - فضيلة الكادي - من أعمالها

عندما نتحدث عن المصممة المغربية فضيلة الكادي فنحن نستحضر شخصية استطاعت أن تجعل من محيطها البسيط وصعوبة الحياة جسراً للوصول إلى العالمية. سلاحها تركز على جمع المتناقضات، والابتعاد عما هو مألوف، كما على مخيلتها الخصبة.
ففي الوقت الذي اختار فيه جل المصممين المغاربة التخصص والإبداع في الملابس التقليدية المغربية وعلى رأسها القفطان، اختارت هي طريقاً أصعب؛ فقد فضلت التخصص في الأزياء العصرية وأدهشت الكل ونجحت فيه.
انطلقت فضيلة الكادي إلى العالمية من مدينة سلا، المجاورة للعاصمة الرباط. تقول إن «أسواق المدينة العتيقة وأقمشتها المعلقة في دكاكين الأسواق الشعبية شكلت مصدراً مهماً لاكتشاف الأقمشة والخيوط والألوان، وهي الفتاة التي كانت تعشق التحديق في الألبسة التقليدية، والتمعن في التطريزات، وكأنها تسجلها في مخيلتها». كانت تستغل أي فرصة لمرافقة والدتها وخالاتها للسوق لتُشبع فضولها من الألوان. بعد أن تأكدت من رغبتها، انخرطت في معهد لتعلم فنون الخياطة في الرباط، ثم أكملت طريقها في عالم الأزياء وحيدة ومن دون دعم مادي. فبعد تعرض والدها وشقيقها لحادث سير ألقيت مسؤولية الاهتمام بأسرتها على كاهلها. تقول إن التشبث بحلمها بعد الحادث لم يكن سهلاً لكنها لم تتنازل أو تركنه جانباً إلى أن تمكنت من إطلاق خط للأزياء الجاهزة. حرصت في البداية على أن يكون انتقائياً من أجل جس نبض السوق، وكانت النتيجة مشجعة جداً؛ الأمر الذي جعلها تستمر.
تجمع الكادي في أسلوبها بين الموضة الغربية، واستخدامها للتطريزات المغربية، مع حرص شديد على مخاصمة كل ما هو تقليدي، لا سيما فيما يتعلق بتنسيق كل قطعة مع الأخرى. أحياناً تخلق إطلالة تجمع بين الأنثوي والذكوري المستوحى من الزي الرجالي الصحراوي، وأحياناً تحاول جمع التطريز الفاسي (نسبة لمدينة فاس) مع أحذية رياضية، بهدف تحويل إطلالة تقليدية وعادية إلى إطلالة ديناميكية، تحاول من خلالها أن تحافظ على هويتها بأسلوب عصري.
عندما نعود ونسألها عن السبب الذي يدفع شابة مغربية بسيطة تعيش في مدينة عتيقة لأن تتخصص في تصميم الأزياء العصرية عوضاً عن القفطان المغربي، تجيب من دون تردد أنها تعتبر القفطان جزءاً من التاريخ المغربي، وبالتالي تدخل صناعته في إطار الحرف التقليدية التي يجب احترام تاريخها، وعدم المساس بأساسياتها؛ ولأنها تريد أن تصمم بحرية وإطلاق العنان لخيالها، قررت التصميم العصري، فضلاً عن أنها تتمنى الاستقرار بميلانو أو باريس مستقبلاً لاكتشاف المزيد، والتعرف على الموضة من زوايا مختلفة تُثريها وتُغني أرشيفها.
ثم تعود وتقول إن هذا لا يعني أنها لا تراعي التقاليد أو ذوق المرأة المغربية، بل العكس، فهي تأخذ كل رغباتها بعين الاعتبار، وإن كانت متقلبة، ومن الصعب توقع ما سيحلو لها. فهي تارة تميل للمصممين العالميين، وتارة لا تُفرط في القفطان التقليدي، خصوصاً في المناسبات العائلية.
من يعرف فضيلة الكادي يعرف أنها حتى على المستوى الشخصي ليست عادية. فهي قوية وتعشق التحديات، وهو ما تعكسه أيضاً تصاميمها التي تستوحيها من كل شيء من حولها، من المتاحف والمعارض والأسفار والأسواق الشعبية، بل حتى من الروائح والزخارف المعمارية وزينة الزرابي. فالإلهام حسب رأيها يأتي بطريقة تلقائية، أحياناً من حلم.
تقول إن نقطة التحول في حياتها المهنية كانت عندما التقت مع الجمهور الإيطالي في نابولي لأول مرة، ومن ثم كان نجاحها بداية جديدة في مسارها المهني. نقطة التحول الأهم، جاءت نتيجة لقائها التاريخي بالمصمم الراحل إيف سان لوران في إحدى الأمسيات بمدينة طنجة. لقاء تحول إلى صداقة طويلة؛ حيث شجعها على الاستمرار وحفزها على تسويق أعمالها في باريس.
وتعترف الكادي بأن لقاءها بإيف سان لوران كان له أثر كبير على حياتها المهنية والشخصية على حد سواء. تتذكر أن أول ما لفته فيها حساسيتها ورغبتها الجامحة في «تحرير المرأة من التصاميم المقيدة والتقليدية»، وهو ما راق له وشجعها عليه.
بعد هذا اللقاء لم يعد بالنسبة لها مجرد مصمم عالمي، بل أصبح أيضا صديقاً مقرباً تلجأ له كلما احتاجت للنصيحة أو تسأله عن رأي. كان دائماً صريحاً معها وسخياً بالمعلومات. تقول: «كان دائماً يدعمني ويقول لي أن لا أترك محنتي تقف في طريقي». وتتابع: «لهذا أعتبر نفسي محظوظة لأنني قابلته وتعرفت عليه عن قرب. فقد كان من المبدعين الذين من الصعب أن يجود الزمن بمثلهم، وأكثر ما تعلمته منه لطفه وحبه للعمل. فرغم أنه كان منطويا على نفسه، فإنه كان يتحول إلى شخص ودود ولطيف بمجرد انغماسه في الرسم على الورق، وهذا درس آخر تعلمته منه».
جديدها لعام 2017 هو حسب ما تقول نتاج أسفارها في العامين الماضيين، إضافة إلى مجموعة مستوحاة من أجواء الصحراء المغربية، واهتمامها بمعهد التطريز الذي أنشأته من أجل الأطفال المحتاجين. وهو معهد مجاني لتعليم الأطفال المحتاجين فنون التطريز والحرف المتعلقة بصناعة الأزياء على أمل مساعدتهم على بناء حياتهم في المستقبل.



5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.