إجراءات مشددة تحيط بأول كتاب مطبوع في العهد العثماني

تركيا نجحت في وقف بيع مخطوط عمره 800 سنة في مزاد بلندن

كتاب معجم «وان كولو» - احدى صفحات الكتاب
كتاب معجم «وان كولو» - احدى صفحات الكتاب
TT

إجراءات مشددة تحيط بأول كتاب مطبوع في العهد العثماني

كتاب معجم «وان كولو» - احدى صفحات الكتاب
كتاب معجم «وان كولو» - احدى صفحات الكتاب

تعتبر تركيا معجم «وان كولو» ترجمة عثمانية لمعجم الصحاح اللغوي الذي وضعه إسماعيل بن حماد الجوهري في القرن الرابع الهجري؛ ولذلك توليه أهمية قصوى وتحتفظ به في مكتبة مدينة باليكسير غرب البلاد خلف أبواب موصدة وحراسة شديدة وعناية فائقة.
وترجع إجراءات الحماية المشددة للكتاب، لأنه يشكل أول كتاب مطبوع في الدولة العثمانية، وهو موجود في مكتبة المتصرف عمر علي بيه للمخطوطات، وكان أول كتاب مطبوع يرى النور في مطبعة «إبراهيم متفرقة»؛ إذ طبع في مجلدين عام 1729، وترجمه إلى التركية العثمانية، وان كولو محمد أفندي في القرن السادس عشر.
ولا يسمح لأحد قط دخول القاعة، حيث يحفظ الكتاب، باستثناء مدير المكتبة شاهين جرجين، ولا بد له من ارتداء قفازات وقناع للوجه عند الدخول إلى الغرفة المؤمّنة بأقفال ذات شفرة وأرقام سرية خاصة.
والغرفة، حيث يحفظ الكتاب إلى جانب كتب أخرى تاريخية أحدث منه، مؤمّنة بنظام حماية خاص يتألف من مراحل عدة، مثل بصمات الأصابع، وباب مزدوج من الفولاذ، وعدسات استشعار وكاميرات مراقبة، إضافة إلى نظام إطفاء حرائق خاص.
يقول مدير المكتبة شاهين جرجين: «يوجد في المكتبة كتب مخطوطة وأخرى مطبوعة، أما أهمها فمعجم (وان كولو). فقد ترجم محمد وان كولو أفندي كتاب الصحاح للجوهري وكتبه، ثم طبعه إبراهيم متفرقة سنة 1729؛ فهو أول كتاب تركي طبع على الإطلاق».
وعن كيفية حفظ الكتاب المطبوع منذ 288 سنة، قال جرجين: «نعمل كل شيء هنا لحماية ما لدينا من محفوظات. لدينا نظام تحكم بدرجة الرطوبة، وأجهزة قياس للرطوبة والطقس، ولدينا نظام إطفاء خاص بالكتب إلى جانب نظام إطفاء عام للبناء يعمل على شفط الأوكسجين وضخ ديوكسيد الكربون فيتم القضاء على الحريق فورا». وتابع: إن «الغرفة حيث يُحفظ الكتاب، محمية بباب فولاذي مزدوج مع أنظمة استشعار للحركة ومراقبة على مدار الساعة، ولا يسمح لأحد أن يلمس الكتب بيد عارية، أو التنفس في الغرفة دون قناع».
وعلى صعيد متابعة السلطات التركية للمخطوطات النادرة والإرث العثماني، نجحت تركيا في منع بيع كتاب مخطوط نادر يعود تاريخه إلى أواخر العهد السلجوقي ألّفه فخر الدين الرازي بعنوان «شرح القانون في الطب»، كان معروضاً للبيع في مزاد علني في العاصمة البريطانية لندن.
واكتشف طالب دكتوراه تركي يدرس في هولندا، الأمر صدفة عندما ساوره الشك بشأن قطعة أدرجتها دار سوثبي للمزادات في فهرسها للقطع التي ستباع فيه، فأجرى بحثا مطولا عبر الإنترنت ثم أخبر السلطات التركية التي تدخلت لمنع عملية البيع.
وكانت دار سوثبي للمزادات قد وضعت في فهرسها لمزاد: «فنون من العالم الإسلامي» الذي أقيم في 26 أبريل (نيسان) الماضي، مخطوط «شرح القانون في الطب». وكانت قيمته التقديرية تتراوح بين 30 و40 ألف يورو، لكن تبين أن ملكية الكتاب تعود إلى مكتبة يوسف باشا للمخطوطات في مدينة كونيا وسط تركيا، وأنه سرق منها منذ نحو 17 سنة.
ويرجع تاريخ الكتاب المخطوط إلى نحو 800 سنة، وهو مكتوب بالخط العربي في عام 1224 خلال حكم السلاجقة، وكاتبه هو الفيلسوف الإيراني السني فخر الدين الرازي. ويقع في 197 صفحة.
وكان المخطوط محفوظاً في كونيا التي كانت عاصمة السلاجقة في الأناضول، بين القرنين 11 و14 الميلاديين. وقد فُقد من المكتبة في عام 2000 ثم وضع على قائمة المقتنيات المسروقة في وزارة الثقافة والسياحة التركية.
وشك طالب الدكتوراه التركي حسين شين في أمر المخطوط، وقال لوسائل الإعلام التركية إنه بدأ يقارن بين المعلومات التي أوردتها دار سوثبي للمزادات مع المعلومات عن الكتاب المفقود على موقع وزارة الثقافة والسياحة التركية، فتبين له أن الكتاب الذي ستبيعه دار سوثبي في لندن هو الكتاب المسروق، وهو ملك للدولة التركية، فاتصل بوزارة الثقافة والسياحة وأبلغها بما توصل إليه.
وأجرى المسؤولون في وزارة الثقافة والسياحة التركية اتصالات مع القائمين على المزاد في لندن، وبعد البحث استعانت بميكروفيلم، تبين أن المخطوط هو المسروق ذاته. فاتصلت الوزارة بالشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول)، كما راسلت الممثل التركي لدى شركة المزادات. فتم وقف بيع المخطوط، وتجري الآن الإجراءات لإعادته إلى مكانه في مكتبة يوسف باشا في كونيا.
ومن جانبها أرسلت دار سوذبيز في لندن لصحيفة "الشرق الأوسط" البيان التالي تعليقا على الخبر:
"لم تتواصل وزارة الثقافة التركية مع سوذبيز، وبمجرد أن نُبهنا إلى المخاوف المحيطة بالمخطوطة، قمنا طواعية بسحب المخطوط لمزيد من البحث الدقيق، وغالباً ما تعمل الطبيعة العامة لعملية المزاد كآلية يمكن فيها أن تلفت انتباه أولئك الذين لديهم معرفة بسرقة معينة، ربما لم تبلَغ السلطات المختصة عنه. وتباشر سوذبيز بصورة روتينية إجراءات العناية الواجبة للتحقق ومنع بيع الفنون المسروقة، ويتم التحقق من فهارسنا من خلال سجل المفقودات الفنية. كما أننا أيضاً على اتصال وثيق مع سلطات تطبيق القانون المحلية والمنظمات الدولية."
وتواجه تركيا صعوبات كثيرة في استعادة قطع أثرية ثقافية وتحف من الدول الأوروبية. وشددت أخيرا من الإجراءات ودرّبت ضباط الجمارك للتعرف إلى القطع المسروقة، وقراءة الفهارس المتخصصة بشأن الموضوع.
وكان آخر نجاح لتركيا في هذا المجال، حُكم محكمة سويسرية بإعادة تمثال قديم لهرقل كان قد هُرّب من البلاد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».