كوريا الشمالية... اقتصاد غامض يميل يميناً رغماً عن النظام

«الخصخصة الشعبية» تغزو الأسواق... ومحاولات لوقف الاعتماد الاستهلاكي الكلي على الصين

رغم عقود من العقوبات والعزلة الدولية يبدي اقتصاد كوريا الشمالية مؤشرات حياة مثيرة للدهشة
رغم عقود من العقوبات والعزلة الدولية يبدي اقتصاد كوريا الشمالية مؤشرات حياة مثيرة للدهشة
TT

كوريا الشمالية... اقتصاد غامض يميل يميناً رغماً عن النظام

رغم عقود من العقوبات والعزلة الدولية يبدي اقتصاد كوريا الشمالية مؤشرات حياة مثيرة للدهشة
رغم عقود من العقوبات والعزلة الدولية يبدي اقتصاد كوريا الشمالية مؤشرات حياة مثيرة للدهشة

رغم عقود من العقوبات والعزلة الدولية، فإن اقتصاد كوريا الشمالية يبدي مؤشرات حياة مثيرة للدهشة، ومن بينها افتتاح عشرات الأسواق في المدن عبر أرجاء البلاد منذ تولي الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، قيادة البلاد منذ 5 سنوات. وثمة طبقة من التجار وأصحاب الأعمال الحرة في ازدهار، في ظل حماية مسؤولي الحزب الحاكم. كما شهدت العاصمة، بيونغ يانغ، ازدهاراً واضحاً بمجال التشييد والبناء، بجانب أنه أصبح هناك اليوم عدد كافٍ من السيارات في شوارع العاصمة التي كانت خالية من قبل، لخلق فرص أمام بعض سكان المدن لكسب قوتهم من غسلها.
من ناحية أخرى، تعتبر البيانات الاقتصادية الموثوق بها المرتبطة بكوريا الشمالية شحيحة للغاية، لكن عدداً من المنشقين حديثاً عن النظام وزائرين بانتظام لكوريا الشمالية وخبراء اقتصاديين من المهتمين بالبلاد يرون أن هناك قوى سوق ناشئة بدأت في إعادة رسم صورة الحياة داخل كوريا الشمالية، وتنمية تزيد تعقيد الجهود الرامية لكبح جماح الأطماع النووية لكيم.
وفي الوقت الذي يراهن فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب على فرض عقوبات أكثر صرامة ضد كوريا الشمالية، خاصة من جانب الصين، بهدف منعها من تطوير صواريخ محملة برؤوس نووية قادرة على ضرب أهداف داخل الولايات المتحدة، فإن الصحة الاقتصادية للبلاد الآخذة في التحسن تزيد من سهولة صمود البلاد في مواجهة مثل هذه الضغوط والحصول على تمويل لبرنامجها النووي.
وبينما لا تزال تعاني كوريا الشمالية من فقر مدقع، فإن تقديرات النمو السنوي في ظل حكم كيم تتراوح ما بين واحد و5 في المائة، ما يكافئ بعض الاقتصاديات سريعة النمو التي لا تعيقها عقوبات.
ومع ذلك، تبقى مسألة الإقرار المحدود لقوى السوق - داخل مجتمع من المفترض أنه يخلو من التقسيم الطبقي - بمثابة مقامرة من جانب كيم، الذي جعل من النمو الاقتصادي أولوية أمامه عام 2013، ليصبح بذلك على قدم المساواة من حيث الأهمية مع تطوير ترسانة نووية.
وقد وعد كيم، 33 عاماً، شعبه الذي طالت معاناته بأنهم لن يضطروا مجدداً أبداً إلى «ربط الأحزمة على بطونهم»... بيد أنه في الوقت الذي يسمح فيه للمؤسسات الخاصة بالتوسع، فإنه يقوض بذلك الحجة الرئيسية التي تتمسك بها حكومته، والقائمة على تفوق النظام الاشتراكي على النظام الرأسمالي الذي تنتهجه كوريا الجنوبية.
الملاحظ أن ثمة مؤشرات بالفعل بدأت في الظهور توحي بأن قوى السوق تلحق الضعف بقبضة الحكومة المفروضة على المجتمع؛ ذلك أن معلومات تتدفق إلى داخل البلاد مع السلع الأجنبية، ما يحد من الهالة المقدسة التي تحيط بكيم وأسرته. ومع تحرك الناس نحو إعالة أنفسهم بأنفسهم والحصول على ما يحتاجون خارج حدود الاقتصاد الحكومي، تراجع خضوعهم أمام السلطات.
من جانبها، قالت كيم جين هي، التي فرت من كوريا الشمالية عام 2014، ومثل آخرين التقيناهم من أجل هذا التحقيق، استخدمت اسماً جديداً لحماية أقاربها الذين خلفتهم وراءها: «كان توجهنا إزاء الحكومة على النحو التالي: إذا لم يكن بمقدوركم إطعامنا، فاتركونا لحالنا كي نتمكن من كسب قوتنا عبر السوق».
وأضافت أنه في أعقاب محاولة الحكومة شن حملة قاسية ضد الأسواق عام 2009: «فقدت الولاء الضئيل الذي كان لا يزال بداخلي تجاه النظام».
* نشاطات غير رسمية
جاء الاختبار الأول لولاء كيم جين هي في تسعينيات القرن الماضي، عندما تعرضت كوريا الشمالية لمجاعة بسبب وقوع فيضانات وجفاف وتوقف المساعدات السوفياتية. وتوقفت الحكومة عن توزيع الحصص الغذائية، ما أسفر عن مصرع مليوني شخص.
أما كيم جين هي، فنجحت في البقاء على قيد الحياة من خلال محاكاة ما فعله كثيرون غيرها، ذلك أنها توقفت عن الذهاب إلى عملها في أحد المصانع الحكومية بمدينة موسان التي يتركز النشاط الاقتصادي بها بمجال التعدين، وقضت أيامها داخل إحدى الأسواق تبيع أي شيء كانت تقع عليه يديها. وظهرت أسواق مشابهة بمختلف أرجاء البلاد.
وبعد تراجع حدة أزمة نقص الغذاء، استمرت السوق التي ظهرت في موسان في الازدهار. وبحلول وقت رحيلها عن البلاد، قالت كيم جين هي إنه كان في السوق أكثر من 1000 متجر صغير متراص في مساحة ضيقة بجوار المتجر الخاص بها.
من جانبه، أبدى كيم جونغ إيل، والد الزعيم الحالي لكوريا الشمالية، توجهاً محيراً إزاء الأسواق قبل وفاته عام 2011؛ ذلك أنه في بعض الأحيان تساهل معها واستغلها في زيادة الإمدادات الغذائية، وتخفيف حدة تأثير العقوبات الشديدة التي تفرضها الأمم المتحدة، بجانب الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة منذ حقبة الحرب الكورية، وفي أحيان أخرى، سعى لقمع هذه الأسواق.
ومع ذلك، فإنه منذ عام 2010، تضاعف عدد الأسواق المرخص بها من جانب الحكومة إلى 440، وتكشف صور الأقمار الصناعية أن مساحات هذه الأسواق في تزايد داخل معظم المدن. في بلد يبلغ عدد سكانه 25 مليون نسمة، يعمل حالياً قرابة 1.1 مليون تجار تجزئة، أو مديرين في هذه الأسواق، تبعاً لدراسة أجراها المعهد الكوري للوحدة الوطنية في سيول.
الملاحظ أن نشاطات الأسواق غير الرسمية ازدهرت هي الأخرى، مثل الأفراد الذين يبيعون أحذية وملابس وخبزاً صنعوه في منازلهم، بالإضافة إلى الأسواق الزراعية التقليدية التي تظهر بجميع المراكز الريفية كل 10 أيام، وكذلك يظهر المهربون الذين يتاجرون في سلع السوق السوداء مثل أفلام «هوليوود»، والمسلسلات الكورية الجنوبية، والهواتف الذكية التي يمكن استخدامها قرب الحدود مع الصين.
ويشارك 40 في المائة على الأقل من سكان كوريا الشمالية حالياً في نمط ما من العمل الخاص؛ ما يشكل مستوى مشابهاً لما هو قائم داخل دول مثل المجر وبولندا في أعقاب سقوط الكتلة السوفياتية، حسبما أوضح مدير استخبارات كوريا الجنوبية، لي بيونغ هو، أمام حشد من المشرعين في فبراير (شباط) الماضي.
ويتمثل أحد الأسباب وراء هذا النشاط السوقي، في الإحباط إزاء افتقار الاقتصاد الحكومي إلى الكفاءة. في وقت مضى، اقتصر عمل أبناء كوريا الشمالية على المصانع والمزارع الحكومية، وكانوا يتلقون رواتبهم وكوبونات بحصص غذائية والضروريات الأخرى المتوافرة في متاجر حكومية... إلا أن هذه المنظومة تداعت في تسعينيات القرن الماضي، وأصبح كثير من العاملين لدى الدولة يتقاضى بالكاد دولارا واحدا في الشهر. ويقدر خبراء اقتصاديون تكلفة الحياة في كوريا الشمالية بنحو 60 دولاراً في الشهر.
وعن هذا، قال كيم نام تشول (46 عاماً)، منشق من مدينة تقع قرب الحدود الصينية: «إذا كنت مواطناً كورياً شمالياً عادياً اليوم، وإذا لم تكسب مالاً كافياً من الأسواق، فإنه من المحتمل أن تموت جوعاً... الأمر بهذه البساطة».
* المنافسة بكل مكان
قبل فراره من البلاد عام 2014، تكسب كيم قوته عبر العمل في التهريب داخل كوريا الشمالية، وكان يشتري سلعاً مثل الأطعمة المجففة والتحف ويحملها عبر الحدود لبيعها في الصين. وهناك، كان يستغل ما يكسبه من مال في شراء حبوب وحقائب بلاستيكية وجوارب ويعود لبيعها في أسواق بكوريا الشمالية.
واعترف بأنه كان يدفع رشاوى لحرس الحدود وضباط الأمن كي يتمكن من التسلل عبر الحدود ذهاباً وإياباً، وذلك غالباً من خلال عرض علب سجائر بها ورقة فئة 100 دولار، أو ما يعادل 10.000 ين.
وقال: «تولدت لدي قناعة بأنه من خلال الرشوة يمكنني أن أفلت من أي شيء داخل كوريا الشمالية، ما عدا جريمة انتقاد عائلة كيم الحاكمة».
من ناحية أخرى، تنتمي 80 في المائة من السلع الاستهلاكية المبيعة داخل كوريا الشمالية إلى الصين، تبعاً لتقديرات كيم يونغ هي، مدير قسم الشؤون الاقتصادية كورية الشمالية لدى البنك الكوري الإنمائي في الجنوب.
ومع ذلك، حث كيم جونغ أون البلاد على إنتاج مزيد من السلع محلياً في محاولة لتخفيف الاعتماد على الصين، بالاعتماد على مصطلح «تمكين الذات». وبثت دعوته الجرأة في نفوس المصنعين للاستجابة لطلب السوق.
وأشار عدد من المنشقين إلى أن الأحذية والمشروبات والسجائر والحلوى وزيت الطعام ومستحضرات التجميل المصنعة داخل كوريا الشمالية نجحت بالفعل في الاستحواذ على نصيب نظيراتها الصينية في السوق.
ويرى زائرون بانتظام إلى العاصمة بيونغ يانغ أن ثمة اقتصادا استهلاكيا حقيقيا آخذ في الظهور. وعن ذلك، كتب روديغير فرانك، العالم الاقتصادي لدى جامعة فيينا والمتخصص في دراسة اقتصاد كوريا الشمالية، منذ وقت قريب في أعقاب زيارته مركز تسوق هناك: «المنافسة في كل مكان، بما في ذلك وكالات السفر وشركات سيارات الأجرة والمطاعم».
من ناحية أخرى، انطلقت شركة خدمات هاتف محمول عام 2008، ويوجد بها حالياً أكثر من 3 ملايين مشترك. وفي ظل المصاعب التي تعانيها الحكومة لإنتاج ما يلزم من كهرباء، أصبحت الألواح الشمسية رمزاً للمكانة لأبناء الطبقة الوسطى. كما تبيع بعض متاجر البقالة وفي أسواق غير رسمية بشوارع جانبية في العاصمة مشروباً، كثيراً ما نددت به الدعاية الرسمية للنظام باعتباره «مشروب الرأسمالية»... اسمه «كوكا كولا».
* الاعتماد على القطاع الخاص
وذات مرة وقف كيم جونغ أون في شرفة قصره يتأمل موكباً عسكرياً في أبريل (نيسان) الماضي، وقف إلى جواره هوانغ بيونغ سو، قائد المؤسسة العسكرية، وباك بونغ جو، المسؤول عن الشؤون الاقتصادية؛ وجاء الموكب رمزياً لسياسة كيم الداعية لمحاولة تحقيق هدفين في وقت واحد: تنمية الاقتصاد وبناء أسلحة نووية. ويؤكد كيم أن الترسانة النووية وحدها هي القادرة على جعل كوريا الشمالية بمأمن من أي محاولة غزو أميركي، الأمر الذي سيسمح لكوريا الشمالية بتركيز اهتمامها على النمو.
والملاحظ أن كيم منح المصانع الحكومية قدراً أكبر من الاستقلالية فيما يتعلق بما تنتجه، بما في ذلك سلطة إيجاد موردين وعملاء، طالما أنها تحقق الأهداف الخاصة بالعائدات. كما أن العائلات المشاركة في مزارع جماعية أصبح بإمكانها الآن بيع أي فائض إنتاج لحسابها طالما أنها حققت الحصة المحددة من قبل الدولة.
وتشبه هذه الإجراءات تلك التي اتخذتها الصين خلال السنوات الأولى من تحولها إلى الرأسمالية في ثمانينيات القرن الماضي. إلا أن كوريا الشمالية امتنعت من جانبها عن وصف سياساتها بأنها إصلاحات ترتكز على السوق، مفضلة استخدام عبارة: «إدارة اقتصادية ذات طراز كوري شمالي خاص».
ومع ذلك، تنشر الدوريات الخاضعة للرقابة الحكومية مقالات بالفعل لخبراء اقتصاديين يتحدثون خلالها عن الأسواق التي تركز على المستهلك والمشروعات المشتركة والمناطق الاقتصادية الخاصة.
إلا أنه من غير الواضح إلى أي مدى تعتبر الزيادات الأخيرة في إنتاج الحبوب نتاجاً لسياسات كيم. ويقول منشقون إن المصانع لا تزال تعاني انقطاعات الكهرباء وتهالك المعدات، في الوقت الذي تناضل الكثير من المزارع للالتزام بالحصص المحددة من قبل الحكومة جراء نقص الأسمدة والمعدات الحديثة.
على نطاق أوسع، لا يزال الاقتصاد يعاني من وطأة الاستثمارات الأجنبية المحدودة، وغياب الحماية القانونية للمؤسسات الخاصة، أو وجود إجراءات تكفل فرض تنفيذ التعاقدات.
ولا تزال خطط إنشاء مناطق اقتصادية خاصة مجرد حبر على ورق؛ نظراً لنفور المستثمرين من البنية التحتية المتهالكة في كوريا الشمالية وسجلها بمجال مصادرة الأصول المملوكة لأجانب، ناهيك عن العقوبات المفروضة عليها.
ورغم ما سبق، فإن ثمة مؤشرات توحي بتنامي اعتماد الدولة على القطاع الخاص.
في هذا الصدد، يقدر تشا مون سيوك، الباحث بمعهد توحيد التعليم بكوريا الجنوبية، أن الحكومة في كوريا الشمالية تجمع ما يصل إلى 222.000 دولار يومياً ضرائب من الأسواق التي تتولى إدارتها. في مارس (آذار) الماضي، أصدرت السلطات للأفراد الذين يبيعون سلعاً من داخل منازلهم بالانتقال إلى الأسواق الرسمية، في محاولة لتحصيل المزيد من الضرائب.
من ناحيتها، قالت الصحافية كيم جيونغ آي، المقيمة في سيول التي عملت بمجال الدعاية في كوريا الشمالية قبل أن تنشق عن النظام: «يحتاج المسؤولون الأسواق بقدر ما يحتاج الناس إليها».
كانت كيم قد فرت من كوريا الشمالية عام 2003، لكنها ظلت على اتصال مع شقيقها الأصغر الذي تصفه بأنه «يملك مالاً».
* تبرعات الولاء
«دونجو» هي الكلمة التي يستخدمها الكوريون الشماليون في وصف طبقة جديدة من التجار ورجال الأعمال ظهرت بالبلاد.
وقالت كيم جيونغ آي إن شقيقها قدم وقوداً وطعاماً وأفراداً لقوارب صيد، مقابل تقاسم العوائد مع شركة صيد تديرها المؤسسة العسكرية. وقالت إنه «يعيش في منزل ضخم بأسوار عالية حتى لا يرى الناس ما يملكه داخلها».
من جانبهم، يصف الخبراء الاقتصاديون في كوريا الجنوبية هذه الطبقة الجديدة بـ«الرأسماليين الحمر»، الذين يوجهون استثماراتهم لمشروعات بناء وتشييد وإقامة شراكات مع مصانع الدولة، والتي تعاني نقصاً بالغاً بالموارد، وتوفير دعم لاستيراد سلع من الصين لتوفيرها إلى بائعي التجزئة في الأسواق. ويعمل أبناء هذه الطبقة في ظل «غطاء» من مسؤولين بالحزب الحاكم يوفرون لهم ولشركاتهم الحماية، بل إن بعضهم أقارب لأعضاء بالحزب.
أما البعض الآخر، فهناك مواطنون ينتمون عرقياً إلى الصين، الذين يسمح لهم بإجراء زيارات منتظمة للصين، وبمقدورهم تيسير التعاملات المالية عبر الحدود، بجانب أشخاص لهم أقارب فروا إلى كوريا الجنوبية ويبعثون لهم حوالات نقدية.
وفي أي وقت تعلن الدولة عن مشروع ضخم، مثل الضاحية ذات البانيات الشاهقة التي كشف كيم جونغ أون النقاب عنها في أبريل أمام حشد من صحافيين أجانب، يصبح من المتوقع أن يتقدم أبناء هذه الفئة بما يطلق عليه «تبرعات ولاء»... وأحياناً تأتي تبرعاتهم في صورة عملات أجنبية، بينما في أحيان أخرى يتبرعون بمواد البناء، أو وقود، أو طعام لعمال البناء.
ومقابل تبرعاتهم، غالباً ما يحصلون على ميداليات وشهادات تقدير، التي يستخدمونها كإشارة على تمتعهم بحماية النظام أثناء مشاركتهم في نشاطات تجارية تعد «غير قانونية» من الناحية الرسمية.
* تحول في الموقف الرسمي
قبل تولي كيم جونغ أون السلطة، بذلت الحكومة محاولة لكبح جماح هذه الطبقة والسيطرة على قوى السوق. ودعت المواطنين إلى التسوق داخل المتاجر المملوكة للدولة فحسب، وحظرت استخدام النقد الأجنبي، وأقرت أوراقاً نقدية جديدة مع الحد من كمية الأوراق القديمة في أيدي الأفراد.
وتسببت هذه الإجراءات في محو كثير من الثروة الخاصة لأبناء تلك الطبقة والمواطنين العاديين. وتوقفت نشاطات السوق بصورة شبه كاملة، في الوقت الذي شهدت الأسعار ارتفاعاً هائلاً واندلعت مظاهرات بمدن متفرقة.
وفي نهاية الأمر، تراجعت الحكومة، ومن المعتقد أنها أصدرت اعتذاراً أثناء اجتماع مسؤولين بعدد من القرويين خلال اجتماعات التثقيف الأسبوعية. كما أعدمت البلاد المسؤول النقدي الأول، باك نام غي.
ويجري النظر على نطاق واسع إلى هذه الأزمة باعتبارها اللحظة الفاصلة التي أدركت عندها الحكومة أنه لم يعد بمقدورها قمع قوى السوق. وبعد عام، أعيد باك بونغ جو، رئيس الوزراء الذي أطيح به من منصبه لدفعه سياسات تركز على السوق، إلى السلطة، ويتولى حالياً إدارة الشؤون الاقتصادية للبلاد.
* خدمة «نيويورك تايمز»



الصين تدرس خفض اليوان في 2025 لمواجهة رسوم ترمب الجمركية

ورقة نقدية صينية (رويترز)
ورقة نقدية صينية (رويترز)
TT

الصين تدرس خفض اليوان في 2025 لمواجهة رسوم ترمب الجمركية

ورقة نقدية صينية (رويترز)
ورقة نقدية صينية (رويترز)

يدرس القادة والمسؤولون الصينيون السماح بانخفاض قيمة اليوان في عام 2025، في وقت يستعدون فيه لفرض الولايات المتحدة رسوماً تجارية أعلى، في ظل رئاسة دونالد ترمب الثانية.

وتعكس هذه الخطوة إدراك الصين أنها بحاجة إلى تحفيز اقتصادي أكبر، لمواجهة تهديدات ترمب بفرض رسوم جمركية مرتفعة، وفقاً لمصادر مطلعة على المناقشات. وكان ترمب قد صرح سابقاً بأنه يخطط لفرض ضريبة استيراد عالمية بنسبة 10 في المائة، إضافة إلى رسوم بنسبة 60 في المائة على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة.

وسيسهم السماح لليوان بالضعف في جعل الصادرات الصينية أكثر تنافسية، مما يساعد على تقليص تأثير الرسوم الجمركية ويساهم في خلق بيئة نقدية أكثر مرونة في الصين.

وقد تحدثت «رويترز» مع 3 مصادر على دراية بالمناقشات المتعلقة بخفض قيمة اليوان؛ لكنهم طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لعدم تفويضهم بالحديث علناً حول هذه المسألة. وأكدت المصادر أن السماح لليوان بالضعف في العام المقبل سيكون خطوة بعيدة عن السياسة المعتادة التي تعتمدها الصين في الحفاظ على استقرار سعر الصرف.

وبينما من غير المتوقع أن يعلن البنك المركزي الصيني عن توقفه عن دعم العملة، فإنه من المتوقع أن يركز على منح الأسواق مزيداً من السلطة في تحديد قيمة اليوان.

وفي اجتماع للمكتب السياسي، الهيئة التي تتخذ القرارات بين مسؤولي الحزب الشيوعي، هذا الأسبوع، تعهدت الصين بتبني سياسة نقدية «ميسرة بشكل مناسب» في العام المقبل، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها الصين تخفيفاً في سياستها النقدية منذ نحو 14 عاماً. كما لم تتضمن تعليقات الاجتماع أي إشارة إلى ضرورة الحفاظ على «استقرار اليوان بشكل أساسي»، وهو ما تم ذكره آخر مرة في يوليو (تموز)؛ لكنه غاب عن البيان الصادر في سبتمبر (أيلول).

وكانت سياسة اليوان محوراً رئيسياً في ملاحظات المحللين الماليين ومناقشات مراكز الفكر هذا العام. وفي ورقة بحثية نشرتها مؤسسة «China Finance 40 Forum» الأسبوع الماضي، اقترح المحللون أن تتحول الصين مؤقتاً من ربط اليوان بالدولار الأميركي إلى ربطه بسلة من العملات غير الدولارية؛ خصوصاً اليورو، لضمان مرونة سعر الصرف في ظل التوترات التجارية المستمرة.

وقال مصدر ثالث مطلع على تفكير بنك الشعب الصيني لـ«رويترز»، إن البنك المركزي يدرس إمكانية خفض قيمة اليوان إلى 7.5 مقابل الدولار، لمواجهة أي صدمات تجارية محتملة، وهو ما يمثل انخفاضاً بنسبة 3.5 في المائة تقريباً عن المستويات الحالية البالغة 7.25.

وخلال ولاية ترمب الأولى، ضعُف اليوان بنسبة تزيد على 12 في المائة مقابل الدولار، خلال سلسلة من إعلانات الرسوم الجمركية المتبادلة بين مارس (آذار) 2018، ومايو (أيار) 2020.

اختيار صعب

قد يساعد ضعف اليوان ثاني أكبر اقتصاد في العالم على تحقيق هدف نمو اقتصادي صعب بنسبة 5 في المائة، وتخفيف الضغوط الانكماشية عبر تعزيز أرباح الصادرات، وجعل السلع المستوردة أكثر تكلفة. وفي حال تراجع الصادرات بشكل حاد، قد يكون لدى السلطات سبب إضافي لاستخدام العملة الضعيفة كأداة لحماية القطاع الوحيد في الاقتصاد الذي لا يزال يعمل بشكل جيد.

وقال فريد نيومان، كبير خبراء الاقتصاد في آسيا، في بنك «إتش إس بي سي»: «من الإنصاف القول إن هذا خيار سياسي. تعديلات العملة مطروحة على الطاولة كأداة يمكن استخدامها لتخفيف آثار الرسوم الجمركية». وأضاف أنه رغم ذلك، فإن هذا الخيار سيكون قصير النظر.

وأشار نيومان إلى أنه «إذا خفضت الصين قيمة عملتها بشكل عدواني، فإن هذا يزيد من خطر فرض سلسلة من الرسوم الجمركية، ويُحتمل أن تقول الدول الأخرى: إذا كانت العملة الصينية تضعف بشكل كبير، فقد لا يكون أمامنا خيار سوى فرض قيود على الواردات من الصين بأنفسنا». وبالتالي، هناك مخاطر واضحة من استخدام سياسة نقدية عدوانية للغاية؛ حيث قد يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف من الشركاء التجاريين الآخرين، وهو ما لا يصب في مصلحة الصين.

ويتوقع المحللون أن ينخفض اليوان إلى 7.37 مقابل الدولار بحلول نهاية العام المقبل. ومنذ نهاية سبتمبر، فقدت العملة نحو 4 في المائة من قيمتها مقابل الدولار.

وفي الماضي، تمكن البنك المركزي الصيني من احتواء التقلبات والتحركات غير المنظمة في اليوان، من خلال تحديد معدل التوجيه اليومي للأسواق، فضلاً عن تدخل البنوك الحكومية لشراء وبيع العملة في الأسواق.

وقد واجه اليوان -أو «الرنمينبي» كما يُسمَّى أحياناً- صعوبات منذ عام 2022؛ حيث تأثر بالاقتصاد الضعيف، وتراجع تدفقات رأس المال الأجنبي إلى الأسواق الصينية. كما أن أسعار الفائدة الأميركية المرتفعة، إلى جانب انخفاض أسعار الفائدة الصينية قد ضاعفت من الضغوط على العملة.

وفي الأيام القادمة، ستناقش السلطات الصينية التوقعات الاقتصادية لعام 2025، بما في ذلك النمو الاقتصادي والعجز في الموازنة، فضلاً عن الأهداف المالية الأخرى، ولكن دون تقديم استشرافات كبيرة في هذا السياق.

وفي ملخصات مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي CEWC)) لأعوام 2020 و2022 و2023، تم تضمين التعهد بـ«الحفاظ على الاستقرار الأساسي لسعر صرف الرنمينبي عند مستوى معقول ومتوازن». إلا أنه لم يُدرج في ملخصات المؤتمر لعامي 2019 و2021.

ويوم الثلاثاء، انخفضت العملة الصينية بنحو 0.3 في المائة إلى 7.2803 مقابل الدولار. كما انخفض الوون الكوري، وكذلك الدولار الأسترالي والنيوزيلندي الحساسان للصين، في حين لامس الدولار الأسترالي أدنى مستوى له في عام عند 0.6341 دولار.