فِن ديزل لـ «الشرق الأوسط»: عملي الأخير مغامرة على أكثر من صعيد

بطل أفلام الإثارة والسرعة الأميركي يؤكد أنه لن يمر عابراً في السينما

ديزل كما ظهر في «xXx»  -  لعب دور المحامي في فيلم سيدني لومت «اعتبرني مذنباً»
ديزل كما ظهر في «xXx» - لعب دور المحامي في فيلم سيدني لومت «اعتبرني مذنباً»
TT

فِن ديزل لـ «الشرق الأوسط»: عملي الأخير مغامرة على أكثر من صعيد

ديزل كما ظهر في «xXx»  -  لعب دور المحامي في فيلم سيدني لومت «اعتبرني مذنباً»
ديزل كما ظهر في «xXx» - لعب دور المحامي في فيلم سيدني لومت «اعتبرني مذنباً»

بينما يواصل «قدر الغاضبين» نجاحاته الحالية جامعاً نحو 800 مليون دولار حتى الآن، ينطلق فيلم جديد آخر من اشتراك الممثل فِن ديزل وهو «حراس المجرّة2». لكن «قدر الغاضبين»، وهو الجزء الثامن من سلسلة Fast and Furious التي انطلقت لأول مرّة سنة 2001، هي الملعب الأساسي للممثل ديزل. وبينما يوفر ديزل تمثيلاً صوتياً فقط في «حراس المجرة»، هو كل شيء في «قدر الغاضبين» داخل الفيلم (كممثل) وخارجه (كمنتج).
إلى ذلك، هناك حقيقة أن فِن ديزل لديه أكثر من مسلسل ناجح.
في البداية، وقبل عام واحد من إنتاج أول جزء من «سريع وغاضب»، مثل دور الفضائي الذي حط على ظهر كوكب متوحش في فيلم «معتم تماماً» (Pitch Black) وهذا تم الرجوع إليه سنة 2004 عبر «مفكرة روديك» (اسم شخصيته في الفيلم) ثم عبر «ريديك» سنة 2013.
هناك أيضاً مسلسل xXx والجزء الأول منه تم إنتاجه سنة 2002 والجزء الثاني منه ظهر في مطلع هذه السنة تحت عنوان xXx‪:‬ Return of Xander Cage.
وإذا لم يكن هذا كافياً لاعتبار فِن ديزل أحد أكثر ممثلي اليوم حباً بسينما المسلسلات فإن على جدول أعماله تحقيق جزء ثانٍ من «آخر صياد ساحرات» الذي كنا شاهدنا الجزء الأول منه قبل عامين.
يؤمّـن فِن ديزل كل ما يتطلبه الفيلم الواحد من ثقة. هو ليس في هذا «البزنس» لكي يمر عابراً بل ليؤسس لنفسه صرحاً كبيراً كما فعل سواه من قبل. لهذه الغاية يمارس نشاطه ممثلاً ومنتجاً ويهتم بالتفاصيل ليتأكد من أن كل شيء في مكانه الصحيح. رغم ذلك، تتفاوت نجاحات أفلامه ومسلسلاته، لكن القليل منها يهرب من الضوء الساطع عليها.
فنياً، هي ليست أفلام للتداول الثقافي ولا للعرض في المهرجانات ولا حتى للتداول كاحتمالات أوسكار، لكن هذا الجانب ليس وارداً الآن على الأقل في هذه المرحلة وإلى سنوات قريبة من بعد.
والواقع أنه حاول قبل عشر سنوات البحث لنفسه عن مكان وسط أعمال مطرّزة بأساليب مخرجيها وليس منتجيها وأبطالها فمثل «اعتبرني مذنباً»، لكن النجاح لم يحالفه في هذه الغاية. الفيلم لم ينجز له لا الاهتمام الجاد بين هواة السينما ولا الرواج الشعبي الكافي.
لكن بين كل مسلسلاته ومشاريعه المجزأة على أكثر من حلقة يبقى «السريع والغاضب» أقربها إليه وأكثرها نجاحاً. والجزء الثامن، على الرغم من ارتفاع معدل الفانتازيا الشاطحة فيه، يحمل عناصر مهمّـة من بينها أن الإنتاج تم - جزئياً - في كوبا وأنه يشهد المزيد من السيارات الطائرة وأن الإشاعات دارت حول خلافات بينه وبين دواين جونسون. أمور ترد في حديثه التالي.
** روح الفيلم
* تواصل سلسلة «سريع وغاضب» ضم ممثلين جددا إلى حلقاتها. هذه المرّة، في هذا الجزء الثامن، هناك تشارليز ثيرون وهيلين ميرين. وسابقاً تم ضم كيرت راسل وهناك سواهم بالطبع. ما هو الدافع إلى ذلك؟
- هناك الكثير من دوافع. بالنسبة لكيرت راسل، أنا أحب هذا الممثل ومعجب به. وعندما سألني (المخرج) جيمس غَـن عمن يستطيع أن يلعب الدور الذي أدّاه راسل في فيلم «حراس المجرة2» نصحته به. وفي الجزء السابع استعنت به للسبب ذاته، وأصبح من المجموعة التي أعتز بها في هذا المسلسل. بالنسبة لتشارليز ثيرون وهيلين ميرين، كان من بين الأسباب طبعاً حاجة الفيلم إليهما فهما ممثلتان جيدتان إلى حد بعيد وكلاهما ربح الأوسكار. كانت رغبتنا ضم ممثلين آخرين من رابحي الأوسكار لكن القصة لم تعد تحتمل.
* هل الفكرة هنا هي ضم المزيد من الوجوه لتحقيق النجاح؟
- النجاح مؤمن أو معظمه مؤمن في كل الحالات. طبعاً نستفيد من الأسماء الكبيرة بلا ريب ومن ذكرناهم لديهم كيان من الأعمال لا يمكن التغاضي عنه وهم حاضرون في بال هواة السينما منذ عقود. لكن هذه الفكرة ليست الوحيدة. شخصياً أشعر بالسعادة لأن مواهب كثيرة موجودة في هذا الفيلم ولا أقصد بالطبع الأسماء التي نتحدث عنها الآن، بل الجميع كذلك.
* هل كانت هناك مشاكل في الكتابة أو في الإخراج مع كل هذا العدد من الممثلين الذين في هذا الجزء؟ نتحدث عن جاسون ستاثام ودواين جونسون وميشيل رودريغيز وسواهم…
- أنت تحكم. هل لاحظت أن هناك مشاكل في توزيع هذه الأدوار أو في الشخصيات كما كتبت؟ حاولنا واستطعنا، في رأيي، منح كل شخصية تفاعلها مع الحكاية التي نسردها وهذا لم يتم بسبب هذا الفيلم فقط، بل تم تأسيس معظم الشخصيات في الأجزاء السابقة.
* ماذا عن الخلاف الذي قرأت أنه وقع بينك وبين دواين جونسون؟ هل هو خلاف حقيقي أم واحد من أساليب الترويج؟
- تقصد تصريحه بأننا لم نلتق كثيراً في الفيلم وأنني انفردت بالدور بعيداً عن الشلة؟… أهذا ما قرأته؟
* تماماً.
- لكن هذا هو روح الفيلم. هذه هي حبكته. أنت شاهدت الفيلم وشاهدت كيف أن القصّـة تدور حول شخصية دوم التي أمثلها وقد قررت التعاون مع امرأة شريرة منفصلاً عن المجموعة التي أنشأتها سابقاً. معظم مشاهدي كانت مع تشارليز ثيرون وليس مع الآخرين. هذه هي طبيعة القصّـة. كل الممثلين الآخرين في هذا الفيلم كان لهم ظهور محدود معي لأن الحبكة دارت في جانب آخر. هذا ما جعل معظم الممثلين الآخرين يظهرون معاً أكثر من ظهورهم معي. لذلك لا أعتقد أن هناك أي خلاف بيني وبينه. ربما لم نلتق كفاية ولم نتجالس ونلهو معاً هذه المرّة، لكن هذه هي شروط العمل.
* هل استفادت السلسلة من وجود اثنين من ممثلي شخصيات القوّة، أنت ودواين؟
- أشكرك على هذا السؤال وأقول كثيراً. استفادت كثيراً. عندما اقترحت دواين للانضمام إلى مجموعة ممثلي هذه السلسلة كنت أعرف كيف ستستفيد هذه السلسلة من ذلك. كنت ولا أزال من المعجبين بدواين وسيبقى مثل أخ لي. بالنسبة للقوّة البدنية التي تتحدّث عنها، كنا في الأجزاء السابقة نعمل معاً وأعتقد أن الإفادة كانت أكبر من أن توصف علماً بأن شخصية كل منا كانت مختلفة في تلك الأفلام. لكن وكما ذكرت أخذت القصّـة هنا منعطفاً جديداً ما جعل الأمر يبدو كما لو أننا مختلفان.
** لكل جيل أبطاله
* هذا أكبر إنتاج في سلسلة «سريع وغاضب» هل ترى مع ارتفاع التكلفة ارتفاع مماثل للمسؤوليات؟
- بكل تأكيد. هناك الكثير مما يُحسب له في هذا الفيلم. تريد أن تبقي عنصر الدهشة متوفراً وهو عنصر لا يمكن توفيره من دون تكلفة ولا يمكن توفيره من دون الذهاب إلى مناطق في الأحداث والمشاهد لم تقع من قبل. لكن هناك عنصراً آخر، وأنا سعيد بهذا السؤال لأنه يتيح لي الحديث في موضوع أحب الحديث فيه، وهو أننا عندما فكرنا في حكاية تقوم على أن الشخصية التي أمثلها تقرر الانفصال، ولو إلى فترة معينة، عن الفريق الذي دائماً ما عملت معه، كنا ندوس على أرض ألغام.
* كيف ذلك؟
- لقد تم تأسيس السلسلة على أننا عائلة واحدة. الواحد للكل والكل للواحد. فجأة هناك واحد منا يقرر الانفصال. هذا سبب قلقاً من حيث إننا بهذه الفكرة سنخرج عن الخط المرسوم من البداية وهي مغامرة بقيمة 250 مليون دولار، بل ربما بأكثر من ذلك لأن علينا أن ننظر إلى أبعادها في الحلقات التالية.
* لكن المغامرة نجحت.
- جداً.
* أرى أن هناك لقاء بين حقيقة رحيل شريكك الأول بول ووكر، في حادثة مؤسفة، وقرارك هنا جعل دوم يسير في درب وعر يتعارض والقانون ويتعارض مع أصدقائه جميعاً.
- أعتقد أن لديك شيئا هنا. ربما في اللاوعي. هذه ناحية جديدة علي أن أفكر بها.
* ما الفرق، في نظرك، بين ممثلين سابقين من جيل السبعينات والثمانينات من ذوي اللياقة البدنية الذين قاموا بتمثيل أفلام أكشن وممثلي اليوم في هذا المجال؟
- الفوارق في رأيي تتعلق بشخصية كل ممثل. لا أعتقد أنني أو دواين أو جاسون صورة من أي من الممثلين السابقين، أرنولد أو سلفستر أو تشاك نوريس. ولا هم سابقون لنا في هذه الناحية لأن كلا منهم وكل واحد منا مختلف تماماً. والأفلام بدورها كثيرة الاختلاف. لكن أكثر من ذلك هو أنه في تلك الفترة كانت هناك الكثير من الفرص أمام ممثلي أدوار القوّة. مرت مرحلة كانت كل سنة فيها توفر ممثلين من هذا النوع على الأقل. الآن، ولظروف مختلفة، ليس هناك الكثير من ممثلي أدوار القوّة.
* هل كان هناك أفلام سابقة لسلفستر ستالون أو لأرنولد شوارتزنيغر تتمنى لو مثلتها؟
- لا أدري. «روكي»؟ «رامبو»، «توتال ريكول»… ربما.
* أخبرتني في لقاء سابق عن أنك منحت نفسك فرصة للظهور في أدوار مختلفة عن أدوار القوّة وذكرت لي أن فرصتك الأهم كانت مع المخرج الراحل سيدني لومِـت. ونحن نعلم الآن أن ذلك الفيلم الذي جمعكما لم ينجح تجارياً. لكن هل تكفي محاولة واحدة في هذا الصدد؟
- أنا ابن مدرس دراما. والدي كان يدرس التمثيل في معهد بروكلين في نيويورك. ترعرعت في هذا الجو. وكنت أستمع إلى الممثلين الطموحين آنذاك وهم يتناقشون في أساليب الأداءات والشخصيات وكيف يمكن تمثيلها. كان الحديث منعشاً بالنسبة لي. وعندما مثلت الفيلم الذي تقصده وهو «اعتبرني مذنباً» كنت بالفعل أتطلع لتمثيل شخصية أخرى غير التي وجدتها متاحة لي في أفلام سلسلة X وسلسلة «ريديك» أو سلسلة «السريع والغاضب». للأسف لم يحظ الفيلم، تماماً كما ذكرت، بالإقبال. لكني استمتعت به وبحقيقة أنني تعاملت مع مخرج جوائز موهوب جداً. ربما ما تقوله صحيح. ربما كان علي أن لا أستعجل العودة إلى أفلام الأكشن، لكن هذه كانت حاضرة ومتعددة آنذاك ولم يكن لدي وقت للتجريب.
* ثم هناك بالطبع دورك كأحد ممثلي فيلم «إنقاذ المجند رايان». لم يكن دور بطولة لكنه كان دوراً آخر في فيلم جاد.
- هذان الفيلمان يشكلان عندي نقطة عالية في مهنتي.
** أمام تشارليز
* هذا الجزء الثامن من المسلسل صوّرت الكثير من مشاهده في كوبا. ما الغاية التي كنت تريد الوصول إليها عبر التصوير هناك؟
- قد لا تعلم أنني تخليت سنة 2000 مؤقتاً عن هويتي الأميركية بسبب الحظر الذي كان مفروضاً على الأميركيين وذلك لأني أردت أن أزور كوبا. منذ ذلك الحين فكرت في التصوير هناك. لم أكن أعرف ما هو الشيء الذي كنت أريد تصويره، لكنني كنت أعلم أنني سأبحث عنه. عندما غادرت كوبا للعودة إلى أميركا كررت القول لرجال الجمارك أنني سأعود للتصوير في كوبا في يوم ما.
* هل شاركك بول ووكر بعض هذه الأفكار؟ هل كان يود التصوير في كوبا أيضاً؟
- نعم لكن على نحو غير مباشر. كان يطلب مني دائماً، كمنتج، أن أعود إلى أصول «سريع وغاضب». هل تعرف ما أقصده؟ في البداية كانت هناك تلك الشلّـة التي تستمتع بسباق السيارات غير القانونية. ثم طبعاً تجاوزنا ذلك عندما كبرت المهام التي نقوم بها وإن كانت السيارات والمطاردات تشكل المحرّك الحقيقي للسلسلة ولكل جزء منها. كوبا يمكن أن تكون المكان لمثل هذه السباقات القديمة والبسيطة. فكرت في بول ونحن نصوّر هذا الجزء هناك وتمنيت لو أنه عاش ليكون معنا.
* كيف وجدت تشارليز ثيرون كممثلة؟
- تحدثنا سابقاً عن خلافات هي في الواقع غير موجودة؟ هذا أيضاً ما فعلناه في المشاهد التي جمعتنا. كنا بين تصوير مشهد وآخر نتصدى كل للآخر. ندخل في خناقات يومية. نقفز مثل ديكين متشابكين. لكن كل ذلك لمصلحة الفيلم. كل دفع الآخر إلى الحائط لكن ذلك كان ما نحتاجه لهذا العمل. إنها ممثلة رائعة ومحترفة وأقدر لها ذلك كثيراً.
* كان هناك مشروع فيلم مشترك بينكما قبل عدة سنوات، أليس كذلك؟
- نعم. لم نعمل معاً في الواقع، لكن كان هناك مشروع فيلم انسحبت منه قبل أسبوعين من التصوير وكانت هي فيه.
* بين كل أجزاء هذه السلسلة، هل هناك ما تفضله أكثر من سواه؟
- نعم لكن ليس لأسباب أن هذا أفضل من ذاك. مثلاً هناك دائماً ذكرى الجزء الأول عندما كانت السلسلة مجرد فيلم واحد وأول سنة 2001. ثم هناك تلك الأفلام التي جمعتني ببعض الممثلين والمخرجين. الفيلم الأول الذي جمعني بميشيل رودريغيز…
* أعتقد أنه كان الثالث في السلسلة… سنة 2009.
- صحيح. لكن هذا الفيلم الجديد مثل بقعة ضوء ساطعة. تجربة كبيرة وجديدة وهي الأفضل بالنسبة لي حالياً. هذه السلسلة هي بيتي الأول وأنا حريص على الدفاع عنها. هي السلسلة الأحب إلى نفسي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».