* بات واضحاً أن معظم المواقع المحترمة التي تتداول الثقافة السينمائية باتت تبحث في جديدها عن القديم. الأفلام الحديثة ما زالت متوفرة فيها جميعاً، سواء أكانت أميركية أم أوروبية أم آسيوية، لكن المزيد من «إعادة الاكتشاف» و«النظرة الثانية» و«الاستعادات»، باتت في المتناول في زوايا ثابتة تحت هذه الأسماء أو في سواها. * موقع Senses of Cinema الأسترالي المنشأ يحتفل حالياً بأكثر من عشرين فيلم من إنتاجات سنة 1967، بما فيها «وادي الدمى» لمارك روبسون: «تكبير صورة» لمايكل أنجلو أنطونيوني: «الهامسون» لبرايان فوربس: «انعكاسات في العين الذهبية» لجون هيوستون و«ويك - إند» لجان - لوك غودار. * موقع Bright Lights يعود 120 سنة إلى الوراء ويعاود تقديم أول فيلم طويل في تاريخ السينما «عراك كوربت - فيتزيموندز» (إنتاج 1897). وموقع «فيلم كومنت» لديه نافذتان على الأمس كل أسبوع وهذا الأسبوع يعود إلى فيلم ستانلي دونن «اثنان على الطريق» والفيلم التشيكي «تونكا عند المشانق» لكارل أنطون (من أفلام سنة 1930). والأمر يتكرر في شتى المواقع النقدية والثقافية السينمائية مثل «كاييه دو سينما» و«بوزيتيف» و«سايت أند صاوند» البريطانية. * لكن لماذا هذا الاهتمام بالأمس؟ هل هو مجرد حنين؟ هل يختزن الماضي في بالنا أفضل الأيام، خصوصاً في هذا العصر المليء بالمنغصات؟ * في محاضرتي عن النقد السينمائي في مدينة الكويت في شهر مارس (آذار) الماضي ركّـزت على أفلام الأمس عارضاً مشاهد من الفيلم الصامت «ستيمبوت جونيور» لبستر كيتون ومن فيلم «الحرارة الكبيرة» لفريتز لانغ و«فرتيغو» لألفرد هتشكوك ومتحدثاً عن الكثير سواها. فجأة رفع أحد الحاضرين يده وسأل: «لكنك تتحدث فقط عن أفلام الماضي، ماذا عن الأفلام الحالية؟». * الواقع في هذا المجال أن البحث النقدي، سواء في تلك المواقع أو في الكتابات والمحاضرات، لا يمكن له أن يتجنب الانصراف على نحو كامل صوب أفلام الأمس. ليس من باب النوستالجيا والحنين، لكن من باب رد الفعل على الأفلام الركيكة التي تهطل علينا من كل حدب وصوب. * حتى أفلام المهرجانات الحديثة (وها هو «كان» على الأبواب) اليوم هي أسوأ من أفلام المهرجانات من الأربعينات وإلى اليوم، وخصوصاً في الستينات والسبعينات، ما يعكس سببا وجيها لهذا التوود إلى الأمس والهرب من اليوم.
هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجاناتhttps://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7/5088658-%D9%87%D9%88%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%88%D8%AF-%D8%AA%D8%B1%D8%BA%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D9%82%D9%84-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA
عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.
لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).
هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.
هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.
عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.
مفاجأة هوليوودية
ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.
فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.
تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).
الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.
لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.
نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.
لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة
امتعاض
ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi: Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.
نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.
مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.
المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».
يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.
الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.