ألمانيا تنشر الكتب في الشوارع تشجيعاً للقراءة

سهل الوصول إليها ودائماً مفتوحة ولا تتعين عليك إعادة ما تستعيره

أرفف كتب في الشوارع والميادين في برلين
أرفف كتب في الشوارع والميادين في برلين
TT

ألمانيا تنشر الكتب في الشوارع تشجيعاً للقراءة

أرفف كتب في الشوارع والميادين في برلين
أرفف كتب في الشوارع والميادين في برلين

تحاول كثير من المجالس المحلية في ألمانيا تشجيع المواطنين على القراءة من خلال وضع أرفف كتب في الشوارع والميادين. وهذه الكتب من السهل الوصول إليها، دائماً مفتوحة، ولا يتعين عليك أن تعيد ما تستعيره.
تقول كورنيلا هولستين، أول من قدمت هذه الفكرة في مدينة كارلسروه: «كل شخص يمكنه أن يأتي وقتما يريد» مضيفة: «دائما ما يحدث شيء في أرفف الكتب». وأضافت مارتينا شيكلي من مجلس مدينة فرايبتورج أن الكتب المجانية تعطي إحساسا بالمشاركة، حسب تقرير وكالة الأنباء الألمانية.
وتقول: «أرفف الكتب يتم استخدامها وتشجع المواطنين على التواصل». وتظهر الكثير من المدن والبلدات اهتماماً بالفكرة، وتظهر أرفف الكتب في جميع أنحاء الدولة، من برلين إلى هانوفر، ودارمشتات إلى هاله. ومنذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، يوجد بمدينة هايدلبرج دولاب معدني كبير في حي هاندشوهسهايم يضم عشرات من الكتب لكل أنواع المؤلفين من بينهم الروائيون الذين ظهروا بعد الحرب، مثل هاينز جيه جونساليك وأوتا دانيلا، ومؤلف كتب الأطفال يانوش، ومؤلف روايات المغامرات كارل ماي. ويتصفح بيرجيت أولت بسرعة رواية «انسبيكابل» للمؤلف كيفين أو براين. ويقول أولت، 47 عاما، الذي تجول حول أرفف الكتب بالصدفة: «لقد كنت أريد أن أقرأ هذا الكتاب منذ عقود»، مضيفاً: «الآن لا يتعين عليَّ الذهاب للمكتبة».
وتدير المشروع ورشة هاندشوهسهايم، ويتم تمويل تكاليف الأرفف التي تقدر بـ7000 يورو (7460 دولاراً) من جانب المدينة والورشة ومؤسسة هايدلبرج المدنية بجانب التبرعات. ويقوم كثير من المواطنين بإحضار الكتب التي لم يعودوا يريدونها، وتستند فكرة الأرفف على مبدأ الأخذ والعطاء.
ويقول فيلهيلم جروبا في شارع نيوجاسي، حيث وضعت المؤسسة المدنية أول رف للكتب عام 2010: «لقد كنت متشككا في الأمر عندما بدأ هنا». وأضاف جروبا (74 عاما): «كنتُ قلقا أن يتم تخريب الأرفف من قبل المخربين أو أنها قد تتراكم عليها القاذورات بسبب الطقس السيئ»، ولكن مخاوفه لم تتحقق. من حين لآخر يترك شخص ما جريدة ممزقة على الأرفف. وتحصل هولستين على كميات كبيرة من الكتب من خلال عمليات تنظيف المساكن، وتقول: «كبار السن يذهبون لدور الرعاية ويعطوننا كتبهم». ولا ترى هولستين أن أرفف الكتب تنافس المكتبات، وتقول: «على العكس. الطريقة غير البيروقراطية لأداء الأمور هي تقديم الكتب لكثير من الناس. الشباب أيضاً يشاركون، لأنهم بهذه الطريقة يدخرون الأموال». وغالباً ما يشعر الأطفال بالحماس بسبب أرفف الكتب. ففي مدينة توبينجن، تتفحص لينا وليزا الأرفف لدى عودتهما من المدرسة.
وتقول الفتاتان (12 عاماً) إنهما يقومان في الصباح التالي بإحضار كتاب آخر مكان الكتاب الذي قامتا باستعارته. ويشعر أصحاب محال بيع الكتب بالراحة إلى حد ما إزاء الكتب المجانية. وقال أحد العاملين في أحد محال الكتب في مانهايم، حيث يوجد مشروع مماثل يُطلَق عليه «ليترتش تو غو»: «الأرفف تحتوي على مجموعة نادرة من الكتب الأقدم». وأضاف: «الذين يبحثون عن كتاب معين سوف يستمرون في القدوم إلينا».
وهناك تقارير تفيد بأنه تتم سرقة الكتب من الأرفف وبيعها على شبكة الإنترنت أو أسواق الأغراض المستخدمة. ولكن سابين شمينكي في مجلس مدينة توبينجن قالت إن هذه ليست تجربتها، وإنها لا ترى الأرفف منافساً للمكتبات ومحلات بيع الكتب... و«توجد بالمكتبات مجموعة مختارة بعناية من الكتب بحسب الطلب. كما يستطيع الشخص الحصول على النصيحة الملائمة. أرفف الكتب المجانية لا توفر ذلك».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».