«مهرجان مراكش للضحك» يحتفي بالفكاهة الأفريقية

يقدم عروضاً تستجيب لأذواق عشاق الكوميديا

جمال الدبوز وإيكو
جمال الدبوز وإيكو
TT

«مهرجان مراكش للضحك» يحتفي بالفكاهة الأفريقية

جمال الدبوز وإيكو
جمال الدبوز وإيكو

للسنة السابعة على التوالي، يعود عدد من نجوم الفكاهة والضحك، مغاربة وأجانب، إلى مراكش، للمشاركة في فعاليات «المهرجان الدولي للضحك»، الذي ينظم، في دورته السابعة، ما بين 28 يونيو (حزيران) و2 يوليو (تموز) المقبلين.
ورغم الطابع الفرنكفوني للتظاهرة، تتميز دورة هذه السنة، على غرار الدورات السابقة، ببرمجة عروض فكاهية تستجيب لأذواق ورغبات عشاق الفكاهة والضحك، عبر إلقاء العروض باللغة الفرنسية وكذا الدراجة المغربية، الشيء الذي يوسع من هامش الإقبال على التظاهرة، خصوصاً من طرف المغاربة الذين يرون أن «الضحك بالدارجة» يكون أكثر متعة.
ويشارك في التظاهرة، التي ستتواصل على مدى خمسة أيام، والتي يقف وراء فكرة إطلاقها وتنظيمها جمال الدبوز، النجم الكوميدي الفرنسي، المغربي الأصل، عدد من الأسماء الفكاهية المعروفة، التي ستقدم عروضها بفضاءات «قصر البديع» و«المسرح الملكي» و«خيمة بريستيجيا» و«المعهد الفرنسي» و«سينما كوليزي».
ويتضمن برنامج العروض «غالا إيكو وأصدقاؤه» و«أحمد سيلا» و«جمال كوميدي كلوب» و«غالا أفريكا» و«رشيد بارودي» و«سامية» و«ألبان إيفانون» و«الهروب الكبير» و«كريم لي ديفال»، وثنائي «غير المؤهلين»، و«منصة الاكتشاف» و«أرواح ليلية» و«جا وجاب»، فضلاً عن فقرتي «سينما الكوميديا» و«ماستر كلاس الضحك».
وكانت الدورات السابقة من التظاهرة، التي انطلقت في 2011، قد شهدت نجاحاً ملحوظاً. وحسب أرقام ومعطيات قدمها المنظمون، أول من أمس (الثلاثاء)، خلال ندوة صحافية، بالدار البيضاء، خصصت للإعلان عن برنامج التظاهرة، فقد تابع التظاهرة ما يناهز 70 مليون مشاهد عبر العالم، بفضل البث عبر قنوات متعددة.
وكتب جمال الدبوز، مؤسس المهرجان، في تقديم الدورة السابعة، أن «مهرجان الضحك بمراكش»، يمثل، بالنسبة إليه، منذ سبع سنوات، «حلماً متجدداً»، حيث «يشكل، كل سنة، لحظة سعادة، يتم تقاسمها مع عشاق، هم في تزايد متواصل».
وأشار الدبوز إلى أن «مراكش للضحك» هو أكثر من مهرجان، هو «نقطة وصل بين الثقافات». وزاد، قائلاً: «من كان يتصور أن (مهرجان مراكش للضحك) سيتحول، بعد سبع دورات، إلى أهم مهرجان للضحك على الصعيد الفرنكفوني في العالم، يقصده جمهور من مختلف قارات العالم لمشاهدة الفنانين المشاركين»، بشكل أكد أن «الضحك لا يعترف بالحدود»، مشيراً إلى أن المهرجان قد عرف، منذ إطلاقه، مشاركة فنانين يمثلون عشرات الجنسيات، بينهم مغاربة وفرنسيون وكنديون وطوغوليون وإيفواريون وبلجيكيون وسويسريون، وغيرهم.
فيما توقفت ليدوفين بونجو، مُبرمِجة المهرجان، عند «الجانب الإنساني»، الذي قالت عنه إنه «هو ما يجعل هذا المهرجان مختلفاً ومتميزاً عن غيره»، قبل أن تصفه بأنه «مهرجان فريد وعصري».
من جهته، كتب كريم الدبوز، مدير عام المهرجان، عن دورة هذه السنة: «في هذه الدورة الجديدة، سنولي اهتماماً خاصاً جداً لسهرة أفريقيا التي ستُنظم، لأول مرة، على المنصة الكبرى، بـ(قصر البديع)، التي ستضيف إلى المهرجان بعداً دولياً أكبر غير مسبوق. إنه لمن بواعث الرضا أن نتمكن من جمع كل هذا العدد من الفنانين المغاربة والجزائريين والتونسيين والإيفواريين والسنغاليين والكونغوليين والفرنسيين والبلجيكيين والسويسريين والكنديين، وأن نحلق بـ«مهرجان مراكش للضحك» عالياً وبعيداً إلى ما وراء الحدود، وأن نستقطب جمهوراً بهذه الروعة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)