{فرص للتقارب} بين ميركل وبوتين

خبير روسي قال إن إيجاد قاسم مشترك سيحتاج إلى كثير من الوقت بسبب أوكرانيا

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل محاورة أساسية للرئيس فلاديمير بوتين  في الملف الأوكراني (إ..ب.أ)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل محاورة أساسية للرئيس فلاديمير بوتين في الملف الأوكراني (إ..ب.أ)
TT

{فرص للتقارب} بين ميركل وبوتين

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل محاورة أساسية للرئيس فلاديمير بوتين  في الملف الأوكراني (إ..ب.أ)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل محاورة أساسية للرئيس فلاديمير بوتين في الملف الأوكراني (إ..ب.أ)

تقوم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارة لروسيا هي الأولى لها منذ عامين. وفيما دعمت ميركل بثبات العقوبات الأوروبية على موسكو، بسبب ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية، ودورها في النزاع في الشرق الأوكراني، تعتبر المستشارة محاورة أساسية للرئيس فلاديمير بوتين في الملف الأوكراني. ويرى خبير روسي في الشؤون الألمانية أن أول زيارة تقوم بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لروسيا عقب زيارتها الأخيرة قد تساهم في التقارب بين برلين وموسكو. وذكر الخبير فلاديسلاف بيلوف، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، في موسكو، أنه لا يتعين المبالغة في التوقعات بشأن هذه الزيارة نظرا لكثير من الموضوعات الخلافية بين البلدين. وقال الخبير في الأكاديمية الروسية للعلوم: «إيجاد قاسم مشترك سيحتاج إلى كثير من الوقت، وإلى تفاهم متبادل».
زيارتها الخاطفة السابقة إلى موسكو، في 10 مايو (أيار) 2015، كانت في أوج التوتر بين روسيا والدول الغربية بسبب النزاع الأوكراني. آنذاك، قاطعت ميركل، على غرار أغلبية الدول الغربية، العرض العسكري الروسي السنوي في 9 مايو، احتفالاً بسبعين عاماً على هزيمة ألمانيا النازية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبلها، أمس (الثلاثاء)، في سوتشي، على ساحل البحر الأسود، لاستئناف الحوار بين برلين وموسكو. وكان قد التقى بوتين وميركل عدة مرات بحضور الرئيسين الأوكراني بترو بوروشنكو والفرنسي فرنسوا هولاند، في صيغة لقاءات سميت «النورماندي»، للتوصل إلى حل الأزمة الأوكرانية العالقة في طريق مسدود منذ إبرام اتفاقات مينسك، في فبراير (شباط) 2015.
كما تحادث بوتين وميركل هاتفياً بانتظام. وفي الاتصال الأخير، في 18 أبريل (نيسان)، أتيح صدور «إعلان مشترك للمسؤولين الأربعة، ما لم يحدث منذ فترة طويلة»، على ما صرح به المتحدث باسم ميركل، شتيفن تسايبرت. وقال: «يلقي موضوعان بثقلهما على العلاقة (الثنائية)، أولهما ضم القرم المخالف للقانون الدولي، وثانيهما زعزعة استقرار أوكرانيا الشرقية بيد انفصاليين موالين لروسيا». ولطالما نفت روسيا بحزم اتهامات كييف والغربيين لها بدعم المتمردين الانفصاليين شرق أوكرانيا، عسكرياً ومالياً. وأكد المتحدث أنها «خلفية صعبة لا يمكن تجاهلها، لكننا نسعى إلى إشراك روسيا في اتفاقات بناءة».
وذكر بيلوف أنه من المنتظر أن يهيمن على اللقاء موضوعات تتعلق بالسياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، والأوضاع في شرق أوكرانيا، وقال: «ميركل تمثل في سوتشي الاتحاد الأوروبي، ودول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، موضحاً أن ما يعني ميركل خلال الزيارة هو إيجاد نقاط مشتركة مع بوتين».
وذكر بيلوف أن زيارة ميركل فرصة للرئيس بوتين لتوضيح السياسة الخارجية لروسيا، وقال: «يمكنه على سبيل المثال محاولة توضيح ما تفعله روسيا في سوريا»، مضيفاً أنه سيكون من المفاجئ إذا قدم بوتين مقترحات محددة لتحسين تطبيق خطة السلام في شرق أوكرانيا. وبالنسبة إلى الكرملين، ستشكل زيارة ميركل فرصة «لبحث الوضع الراهن، وإمكانات العلاقات الثنائية».
وكان بوتين دعا، في مطلع مارس (آذار)، أثناء زيارة رئيس الوزراء الألماني سيغمار غبريال لموسكو، إلى «تطبيع» العلاقات بين ألمانيا وروسيا. واعتبرت إذاعة دويتشه فيله الألمانية أن لقاء بوتين وميركل يعني أن «فترة الجمود الدبلوماسي ربما أوشكت على نهايتها»، ويوجه «إشارة دبلوماسية قوية» بشأن إرادة البلدين استئناف الحوار.
إلى جانب الملف الأوكراني، تهدف زيارة المستشارة الألمانية خصوصاً إلى الإعداد لقمة مجموعة العشرين المقبلة، المقررة في 7 و8 يوليو (تموز)، في هامبورغ (ألمانيا)، على ما أفاد به مصدر حكومي ألماني وكالة الصحافة الفرنسية. كما من المفترض أن يلتقي بوتين أثناء قمة مجموعة العشرين للمرة الأولى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي توترت العلاقات معه إثر القصف الأميركي لقاعدة جوية للجيش السوري في سوريا، التي تشكل روسيا حليفتها الرئيسية.
غداة لقاء ميركل، من المقرر أن يستقبل بوتين، الأربعاء، في سوتشي، الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي شهدت علاقاته مع ألمانيا توتراً حاداً أخيراً. وفي إنعاش لنشاطها الدبلوماسي، استقبلت روسيا في أبريل وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، ووزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني، في زيارة أولى لكل منهما إلى روسيا منذ تولي منصبيهما.
ومن جانب آخر، أظهر استطلاع جديد للرأي، أجراه مركز «ليفادا» الروسي، أن نحو ثلثي المواطنين الروس يرغبون في إعادة انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين، رئيساً للبلاد لفترة أخرى. وذكرت وكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية، أمس (الثلاثاء)، أن الاستطلاع أوضح تأييد 64 في المائة من الروس بقاء بوتين لفترة رئاسية جديدة، في حين يرى 22 في المائة ضرورة استبداله بشخص آخر. وكان استطلاع آخر للرأي، أجراه صندوق «الرأي العام» الروسي، في نهاية مارس الماضي، أظهر أن 10 في المائة من المستطلع آراؤهم سيدلون بأصواتهم خلال الانتخابات الرئاسية لزعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي فلاديمير جيرينوفسكي، و4 في المائة لزعيم الحزب الشيوعي الروسي جينادي زيوجانوف، و2 في المائة لرجل الأعمال ميخائيل بروخوروف، و9 في المائة منهم لن يشاركوا بالانتخابات، بحسب «سبوتنيك».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟