جدة القديمة تظهر في الدمام... بمعرض «الحارة»

المنظمون: التراث الحجازي غني ومُلهم... والسعوديون شغوفون باكتشافه

جانب من فعاليات المعرض الذي يقام هذا الأسبوع في الدمام («الشرق الأوسط»)
جانب من فعاليات المعرض الذي يقام هذا الأسبوع في الدمام («الشرق الأوسط»)
TT

جدة القديمة تظهر في الدمام... بمعرض «الحارة»

جانب من فعاليات المعرض الذي يقام هذا الأسبوع في الدمام («الشرق الأوسط»)
جانب من فعاليات المعرض الذي يقام هذا الأسبوع في الدمام («الشرق الأوسط»)

«تريد الذهاب إلى جدة؟ لا تقلق، نحن نحضرها لك ونتمشى معك في شوارعها القديمة»، تحت هذا الإعلان انطلق «معرض الحارة» الذي يقام حاليا في مدينة الدمام، ضمن ما يُسمى «ليالي الحجاز». المعرض يستلهم تفاصيله من التراث الحجازي الأصيل وأجواء جدة القديمة، التي تبعد عن شرق السعودية نحو 1300 كيلومتر، إلا أن هذا المعرض قطع المسافة الطويلة بسلاسة، تحت شعار «جبنا جدة».
وتعرَّف الزوار من خلال الأركان الحجازية الكثيرة على بعض المأكولات الحجازية التقليدية، مثل: «اللدو»، و«الهريسة»، و«اللبنية»، و«المنتو»، و«الفرموزا»، و«اليغمش»، و«البليلة»، و«الترمس». كما سنحت لهم مشاهدة فعالية «حارة جدة» في المعرض، التي ضمت الرقصات الشعبية المختلفة مثل العرضة الحجازية، وزفة العريس، والمجس، مبارزة العصا، والينبعاوي، والخبيتي، والحكواتي، والسقا، والمزمار.
وتوضح ندى العادل، المشرفة على تنظيم «معرض الحارة»، أنه يأتي امتدادا لمعارض شبيهة سابقة تم تنظيمها على مدى الثلاث سنوات الماضية، قائلة: «أقمنا ليالي الحجاز مرتين في المنطقة الشرقية ومرة في الرياض، والهدف الأساسي من ذلك هو الاهتمام بالتراث القديم والتعريف بالثقافة الحجازية لدى أبناء المناطق الأخرى».
وتتابع العادل حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «السعوديون من مختلف المناطق لديهم شغف دائم لاكتشاف الثقافات المختلفة، والاستلهام منها، إن كانت الثقافة الحجازية أو النجدية أو الجنوبية أو الشرقاوية وغيرها، أما التراث الحجازي بالذات فيمتاز بكونه غنيا ومتنوعا ومختلطا بثقافات متعددة، بحكم أن منطقة الحجاز هي مقصد المسلمين من كل أنحاء العالم».
وعن أصداء المعرض، تقول: «لمسنا إعجاب الزوار بالأجواء الحميمية والمأكولات القديمة، وعلى الرغم من كون معظم المشاركين هم من أصحاب المشروعات المنزلية، فإننا طعمنا المعرض بمشاركات من جدة والحجاز عموما، مع التركيز على (التعتيمة) الحجازية (المأكولات الخفيفة) والديكورات الجداوية وأجواء الحارة والجلسات القديمة ومركاز العمدة، وعرضات (رقصات) الفرقة الشعبية من الأهازيج الحجازية».
وتتنوع هذه العرضات بين اللون «الخبيتي» و«العدني» و«المجس» وغيرها، في حين لم تغب شخصية «الحكواتي» عن معرض الحارة، إذ تضيف العادل: «فقرة الحكواتي تبدأ في تمام الساعة الخامسة عصرا، بحيث يجلس على المركاز ويتحدث للزوار مسترجعا ذكريات زمان»، على أن تبدأ الاستعراضات الشعبية في الفترة ما بين 6 إلى 9 مساء.
ويتزامن هذا المعرض مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، إذ عرض المشاركون فيه مقتنيات الشهر الفضيل من القطع المزينة بالعبارات الرمضانية وهدايا الشهر التقليدية ومستلزمات أداء الشعائر الدينية، مما دفع العادل للقول: «لا شك في أننا حرصنا على اختيار هذا التوقيت، كون منتجات المعرض تنسجم مع شهر رمضان الذي يمثل فرصة جميلة في العودة إلى ذاكرة التراث الشعبي، واقتناء القطع الخاصة والمصنوعة يدويا».
وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» داخل المعرض الذي افتتح أول من أمس، ويختتم فعالياته مساء غد الخميس، عبر المشاركون عن تفاؤلهم بتحقيق عائد ربحي مجزٍ، بالنظر لتوافد عدد كبير من الزوار إلى المعرض الذي يفتح أبوابه في الرابعة عصرا ويمتد إلى العاشرة مساء، والذي جاء هذا العام بنسخة عائلية ليستقطب مختلف أفراد الأسرة، بعد أن كان حصرا على السيدات في السابق.
كما ضم المعرض فعاليات متنوعة للأطفال، بما يشمل زاوية مفتوحة للألعاب بمشاركة فتيات متطوعات، إلى جانب ركن الحناء والتلوين، والعروض التفاعلية مع الصغار. يضاف لذلك اشتمال المعرض على أركان متنوعة للعطور الشرقية والجلابيب والمفارش الملونة، والأطعمة المتنوعة التي يتناولها الزوار على وقع قرع طبول الفرقة الاستعراضية، في أجواء امتزج فيها الطابع العصري بالإرث الشعبي القديم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».