رحيل مارون سمعان أكبر مانح لـ«الجامعة الأميركية» في تاريخها

تكفل بإنشاء مبنى قسم الهندسة الكيماوية في جامعة البلمند بشمال لبنان

الراحل مارون سمعان
الراحل مارون سمعان
TT

رحيل مارون سمعان أكبر مانح لـ«الجامعة الأميركية» في تاريخها

الراحل مارون سمعان
الراحل مارون سمعان

نعت «الجامعة الأميركية» في بيروت عضو مجلس أمنائها مارون سمعان، الذي غيبه الموت في بوسطن، وهو الذي كان قد تبرع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بأكبر منحة أعطيت للجامعة الأميركية في تاريخها، لتطوير كلية الهندسة. وكذلك كان قد تكفل عام 2013 بإنشاء مبنى قسم الهندسة الكيماوية في جامعة البلمند (شمال لبنان).
مارون سمعان هو خريج الجامعة الأميركية في بيروت، ورجل أعمال مؤثر جداً بسبب نشاطاته الخيرة. هو عضو مجلس أمناء الجامعة الأميركية في الشارقة، ورئيس «مؤسسة سمعان» التي أسسها عام 2011 لدعم الأنشطة الخيرية في مجالات التعليم، والرعاية الصحية والاجتماعية، وهي المؤسسة التي قدمت المنحة السخية لكلية الهندسة في الجامعة الأميركية، وغيّرت حياة أعداد كبيرة من البشر، إذ قدّم سمعان ومؤسسته دعماً حيوياً في مجالات التعليم والاستشفاء والرعاية الاجتماعية، مع التركيز على الشرق الأوسط. آمن بقدرة التعليم على التغيير، وهو نفسه حصل على منحة دراسية مكّنته من الدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت، فتخرج منها في 1977 ببكالوريوس في الهندسة الميكانيكية، مزوداً بما نال من معارف، وانتقل إلى الخليج لمتابعة مسيرته المهنية.
وكان رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور فضلو خوري، قد توجه إلى أسرة الجامعة ببيان نعى فيه الراحل، قائلاً: «كان مارون عظيماً ومتواضعاً. عمله وأثره سيتردد صداهما عبر العصور. وسننفّذ ما رغب به من خلال منهجنا المطوّر في الكلية التي تخرج منها، والتي ستحمل اسمه إلى الأبد. وسوف نتابع عمله الجيد بطرق هامة أخرى أيضاً، وعلى خطاه، وسنحاول أن نستحق دائماً ثقته الوطيدة بنا».
وفي عام 2017، أطلقت الجامعة الأميركية في بيروت اسم مارون سمعان على إحدى أكبر وأنجح كلياتها، إكراماً لرؤيته وصداقته للجامعة، فأصبح اسم هذه الكلية «كلية مارون سمعان للهندسة والعمارة». وبعد التخرج، شغل سمعان كثيراً من المناصب القيادية في مجالات النفط والغاز والبنى التحتية والأشغال المدنية، ثم انضم في عام 1991 إلى شركة «بتروفاك»، وساعد في نموها من شركة صغيرة إلى لاعب دولي في صناعة هندسة النفط والغاز.
وبعد تبوّئه كثيراً من المناصب القيادية في شركة «بتروفاك» الدولية، بما في ذلك رئيس مجلس إدارتها، تقاعد مارون سمعان من الشركة في عام 2013، وصبّ جهده على ريادة الأعمال في مجال الطاقة المتجددة والاتصالات والعقارات.
سخاء سمعان للجامعة الأميركية في بيروت كان استثنائياً، فقد دعم دائماً المنح الدراسية للطلاب، وزمالات الدكتوراه، والبحوث المبتكرة. وبالإضافة إلى ذلك، كانت مؤسسة سمعان واحدة من الشركاء الاستراتيجيين للجامعة الأميركية في الذكرى السنوية المائة والخمسين لتأسيسها، وقدمت هدية كبيرة لمركزها الطبي، فأطلقت الجامعة اسم والدي سمعان الراحلين، طانيوس وثريّا سمعان، على مركز جراحة العيادات الخارجية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».