هل انهزم ترمب في جولة «أول 100 يوم» أمام الإعلام؟

«مراسلون بلا حدود»: تراجع حرية الصحافة في «الديمقراطيات العتيدة»

صورة أرشيفية لأحد اجتماعات ترمب بحضور الصحافة في البيت الأبيض أواخر يناير الماضي (أ.ب)
صورة أرشيفية لأحد اجتماعات ترمب بحضور الصحافة في البيت الأبيض أواخر يناير الماضي (أ.ب)
TT

هل انهزم ترمب في جولة «أول 100 يوم» أمام الإعلام؟

صورة أرشيفية لأحد اجتماعات ترمب بحضور الصحافة في البيت الأبيض أواخر يناير الماضي (أ.ب)
صورة أرشيفية لأحد اجتماعات ترمب بحضور الصحافة في البيت الأبيض أواخر يناير الماضي (أ.ب)

حذرت منظمة «مراسلين بلا حدود»، في تقريرها السنوي لعام 2017، الصادر الأسبوع الماضي، من أن «حرية الصحافة في العالم لم تكن أبدا مهددة مثلما هي مهددة اليوم». وأعرب التقرير عن القلق بسبب «تحول كبير» سلبي «في الديمقراطيات العتيدة»، بداية بالولايات المتحدة.
تزامن صدور التقرير مع مرور 100 يوم على الرئيس دونالد ترمب في البيت الأبيض، وزيادة توتر علاقته مع الإعلام الأميركي.
عزا التقرير تراجع الصحافة في الدول الديمقراطية إلى أن «هاجس المراقبة، وعدم احترام سرية المصادر، يساهمان في تراجع حريات الصحافة في دول كثيرة كانت، حتى عهد قريب، نموذجاً للحكم الرشيد».
ووضع التقرير الولايات المتحدة في المرتبة 43 (مرتبتين أقل من تقرير العام الماضي)، فإن «وصول دونالد ترمب إلى الحكم في الولايات المتحدة، وحملة انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، شكلا أرضية خصبة لدعاة تقريع وسائل الإعلام، وللمحرضين على الخطاب العنيف المعادي للصحافيين»، وإلى بداية «عصر جديد تطغى عليه مظاهر التضليل، والأخبار الزائفة، ونموذج الرجل القوي والاستبدادي» وفق ما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال الأمين العام لمنظمة «مراسلين بلا حدود»، كريستوف دولوار: «يقض هذا التحول الذي تشهده الديمقراطيات مضجع كل من يعتقد بأن قيام حرية الصحافة على أساس متين، هو السبيل الوحيد لضمان الحريات الأخرى». هذا التقرير تزامن مع مرور 100 يوم على بداية عهد ترمب، وخلال هذه الفترة كانت علاقته بوسائل الإعلام الأميركية والصحف المعروفة محل نقاش واسع.
بدأت العلاقة المتوترة بين ترمب والإعلام الأميركي منذ بداية الحملة الانتخابية، قبل عام تقريبا من فوزه بالرئاسة. وأخذ التوتر أشكالا جديدة بعدما دخل ترمب البيت الأبيض. أغلب الهجوم شنه ترمب من منصته الرسمية في «تويتر». يمكن الإشارة إلى أبرز التغريدات كالتالي:
في اليوم الأول من بداية مهامه في البيت الأبيض 22 يناير (كانون الثاني) انتقد ترمب الإعلام، بسبب ما قال إنه تخفيض لعدد الذين حضروا حفل تنصيبه أمام الكونغرس.
غرد ترمب في 24 يناير بأن الصحافيين الأميركيين «من أسوأ الناس غير الشرفاء على سطح الأرض». في نفس اليوم منع المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، مراسلي «نيويورك تايمز» و«سي إن إن» و«لوس أنجليس تايمز» و«بوليتيكو» و«بازفيد» من حضور مؤتمر صحافي خاص.
في بداية مارس (آذار) غرد ترمب ضد الصحافيين الأميركيين، وقال إنهم يبالغون فيما يسمونه «سر» علاقته مع روسيا. وكرر أن شركاته لا تستثمر في روسيا، وأن روسيا لم تتدخل في انتخابات الرئاسة لتضمن فوزه.
في الرابع من مارس، هاجم ترمب الإعلام الأميركي لعدم اهتمامه باتهام الرئيس السابق باراك أوباما بالتجسس على حملته الانتخابية.
16 - 2: في مؤتمر صحافي عاصف في البيت الأبيض، قال إن الإعلام الأميركي غير شريف، ولا يخدم الشعب الأميركي.
17 - 2: غرد بأن صحيفة «نيويورك تايمز» وتلفزيونات «إن بي سي» و«سي بي إس» و«آي بي سي» و«سي إن إن» هي «أعداء للشعب الأميركي».
* أول 100 يوم
يبدو أن الإعلام كسب «جولة أول 100 يوم». كان ترمب قد راهن، ليس فقط على عدم أهمية هذا اليوم الرمزي، ولكن، أيضا، على أنه لن يهتم به. لكن، مع اقتراب اليوم، زاد اهتمام ترمب به، بسبب زيادة اهتمام الإعلام به. وخسر ترمب رهانا ثانيا، ربما من دون أن يدري. هذه المرة، ضد التاريخ الأميركي. وذلك لأن قياس إنجازات الرئيس الأميركي خلال أول 100 يوم له في البيت الأبيض جزء من التاريخ الأميركي، منذ عام 1933.
في ذلك العام، ألقى الرئيس فرنكلين روزفلت خطابا عن أول 100 يوم له في البيت الأبيض. في الحقيقة، كان أكثر الخطاب عن أول 100 يوم للكونغرس الجديد (انتخب في نفس يوم انتخاب روزفلت). لكن، صار التركيز على الرئيس، لا على الكونغرس.
في أول أسبوع له في البيت الأبيض، وعندما بدأ ترمب يقرأ ويشاهد «أول 100 يوم» على صفحات الصحف وشاشات التلفزيونات، غرد ترمب: «ما هي أول 100 يوم؟ ومن وراءها؟ ومن مخترعها؟ لا بد أنها صحافة الأخبار الكاذبة». وكتب عبر «تويتر»: «لا تصدقوا كل هذه الضجة حول أول 100 يوم. هذا اختراع صحيفة (نيويورك تايمز)». وتابع بتغريدة أخرى: «100 يوم فترة وهمية في خيال صحافيين واهمين».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.