القراءة الجماعية... اتجاه جديد للتواصل الاجتماعي في ألمانيا

ظهرت للمرة الأولى في بريطانيا

تساهم مجموعات القراءة في علاج بعض المشاكل النفسية
تساهم مجموعات القراءة في علاج بعض المشاكل النفسية
TT

القراءة الجماعية... اتجاه جديد للتواصل الاجتماعي في ألمانيا

تساهم مجموعات القراءة في علاج بعض المشاكل النفسية
تساهم مجموعات القراءة في علاج بعض المشاكل النفسية

تجلس ست سيدات وثلاثة رجال حول طاولة وهم يتناولون الشاي والبسكويت، بينما يضع كل منهم كومة من الأوراق أمامه.
ولمدة ساعة ونصف الساعة يقرأ كل منهم بصوت عال للآخرين، ويحدث ذلك كل خميس في الساعة الخامسة بعد الظهر، وبعد أن ينتهي كل فرد منهم من قراءة المقطع الخاص به تبدأ حلقة نقاشية بين المشاركين.
وهذا التجمع الثقافي الصغير هو فكرة يطلق عليها اسم «المشاركة في القراءة» بدأت في بريطانيا، وبعد ذلك امتدت جذورها إلى ألمانيا.
وهذه «المشروعات الأدبية» كما تعرف في ألمانيا يتم تنظيمها من جانب اثنين من الوكلاء الأدبيين وهما توماس بويهم وكارستن سومرفيلت. ويوجد في برلين بالفعل سبع من هذه المجموعات، كما سيتم إضافة مجموعتين أخريين تتحدثان بالإنجليزية، بينما يتم تأسيس مزيد من المجموعات لذات الغرض في فرنكفورت وكولونيا وهامبورغ وعدد من المدن الألمانية الكبرى. وتقول بيجي مارت التي تبلغ من العمر 50 عاما وتشارك بشكل منتظم في حلقات أخرى لقراءة الكتب «إن هذه الفكرة تمثل تجربة جديدة في القراءة».
وبدلا من القراءة بشكل منفرد في هدوء وبسرعة، فإن ما يحدث هو العكس في لقاءات يوم الخميس داخل «بيت فرنكفورت للأدب»، فالمجموعات المشاركة تقرأ بصوت عال كل بدوره، وبنبرة بطيئة عمدا، ثم يبدأ النقاش حول ما تتم قراءته.
وتوضح مارت وهي معلمة بالمرحلة الابتدائية أنه في نهاية حلقة القراءة تكون المجموعة قد قرأت «عشرة أجزاء مختلفة من نص واحد، وكل جزء يرتبط بالجزء التالي مثل صف من قطع الدومينو المصنوعة من الصور والأفكار».
واختار سومرفيلت اليوم نصا من تأليف سيلفيا بلاث تم فيه اتهام طفل بشكل ظالم بارتكاب خطأ.
وتدور أحداث القصة في بداية الحرب العالمية الثانية، غير أن النقاش يتحول سريعا إلى الزمن الحالي، مع الإشارة إلى الأخبار المزيفة، وإلى حادث مقتل طفل مؤخرا أصاب المجتمع الألماني بالصدمة.
ويوجه سومرفيلت التحية لكل مساهم في الحلقة بصيحة «موافقة» حماسية. ويرى سومرفيلت أن المشاركة في القراءة تدور أساسا حول «التحدث عن نفسك، وعن حياتك ذاتها، وسلوكك أنت، والعثور على روابط بين مشاعرك الخاصة والمشاعر التي تم تصويرها في القصة».
ويقول سومرفيلت الذي يبلغ من العمر 49 عاما وشغل منصب مدير العلاقات العامة في عدد من دور النشر، إن الأشخاص الذين يقرأون كثيرا عادة ما يواجهون صعوبة كبيرة في هذا الأمر. غير أنه عن طريق المشاركة في القراءة يصبح من الممكن «التبحر بعمق» في ميدان الأدب.
وإلى جانب مجموعة الخميس في فرنكفورت، هناك مجموعة أخرى لكبار السن، وأخرى مخصصة للأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية عقلية، وبشكل عام فإن المشاركة في القراءة تهدف لأن تمثل شيئا أكبر من مجرد نادٍ للكتاب، وهي تهدف أيضا لأن تقدم شكلا من العلاج.
كما أن عنصر الصحة العقلية يمثل أهمية بالنسبة للعلماء، ويشير المنظمون إلى دراسة أعدتها هيئة الصحة الوطنية البريطانية توضح أن القراءة المجتمعية تدعم الصحة العامة ومهارات التواصل.
كما يمكن أن تكون مفيدة بشكل خاص بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الإرهاق البالغ والخرف ومشكلات الصحة العقلية، ويدرس معهد ماكس بلانك ببرلين المجموعة المخصصة لكبار السن لتبين تأثيرها على حياتهم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».