«ستار وورز» جديد مغلف بالأسرار

التاريخ الكامل لأكبر المسلسلات الفضائية

«ستار وورز» الأول
«ستار وورز» الأول
TT

«ستار وورز» جديد مغلف بالأسرار

«ستار وورز» الأول
«ستار وورز» الأول

بدأ هذا الأسبوع تصوير المشاهد الأولى من «ستار وورز» جديد وسط سريـة كاملة وكتمان شديد يشمل كل شيء، وعلى الأخص السيناريو وشخصياته وكيف سيختلف وأين سيلتقي مع الأجزاء السابقة لهذا المسلسل العتيد.
الثابت قليل، ومنه أنه إذا ما تقرر قتل إحدى الشخصيات الرئيسة السابقة في الفيلم المقبل أو الاستغناء عنها، فإن على الاستوديو (ديزني في هذه الحالة) طلب الإذن من مبتدع المشروع وكاتب سيناريوهاته الأول ومخرجه ومنتج الحلقات والأفلام السابقة بأسرها جورج لوكاس كونه لا يزال المدير الفني والمستشار الدائم للعمل.
وبنفس المساواة، إذا ما تقررت إضافة شخصية رئيسة جديدة، فإن القرار النهائي في ذلك سيتوقف عند عتبة جورج لوكاس أيضا، وذلك حسب العقد المبرم بينه وبين «ديزني» عندما باع المشروع برمـته إليها بسعر خيالي لم يسبقه إليه أحد من السينمائيين لا فوق هذا الكوكب ولا فوق أي كوكب آخر في الكون، وهو أربعة مليارات و500 ألف دولار.
بموجب هذا العقد باع المخرج شركته إلى «ديزني» التي تبدأ هذا الأسبوع تصوير ما ستسميه «ستار وورز: الفصل السابع» (Star Wars‪:‬ Episode 7). السيناريو كان كـتب في نهاية عام 2012 وأعيدت كتابته طوال السنة الماضية وفي نهاية الشهر الأول من هذا العام انتهى ج ج أبرامز ولورنس كاسدان من كتابة النسخة التي سيجري تصويرها من الآن وحتى مطلع العام المقبل قبل أن تدخل مرحلة ما بعد التصوير لتكون جاهزة للعرض في نهاية عام 2015.
ج ج أبرامز هو المخرج الذي حين قابلته في لندن في منتصف العام الماضي وسألته عن هذا المشروع قال: «مصمم على أن لا أتحدث عنه لأحد. لا يزال في مرحلة مبكرة ولا أستطيع أن أقول فيه أي شيء يـذكر».
تحت إلحاح مشفوع بكلمات رقيقة وابتسامة عريضة قال: «طبعا سيختلف عن سلسلة (ستار ترك) (التي قام بإخراج آخر حلقتين منها) وهو دائما ما اختلف. كم سيختلف عن (ستار وورز) السابق؟ لا أستطيع أن أقول إنه سينتمي إليه أكثر مما سيختلف عنه. لكن التجديد ضروري في الوقت ذاته وأعتقد أنه سيكون الأضخم بين كل الأجزاء المنتمية إلى هذا المسلسل الكبير».

* الممثلون
مع الأيام، أصبح أبرامز أكثر كتمانا مما كان عليه. لم يكن حريصا فقط على منع أي تسريب للسيناريو خارج نطاقه (جورج لوكاس اطـلع عليه بعد الانتهاء منه فقط) ونطاق شريكه لورانس كاسدان، بل أيضا على تمويه الأخبار التي عادة ما تسبق البدء في أي مشروع ولو كانت من باب الدعاية.
بالنسبة إليه هذا كان ضروريا لإبقاء الفيلم سرا عن الإعلام وعن الجمهور الكبير المنتظر خروج الفيلم المقبل إلى درجة أن أكثر الصحف والمواقع تواصلا مع استوديوهات هوليوود ومراكز الصناعة فيها لم تستطع التأكد من هوية الممثلين الذين سيجري توزيع الأدوار عليهم إلا عندما قرر المخرج أن ذلك بات ممكنا، أي قبل ثلاثة أسابيع من بدء التصوير.
حينها فقط تبدى أن جون بوييغا (22 سنة) وآدم درايفر (30 سنة) ودومنال غليسون (30 سنة‪(‬ ودايزي ريدلي (22 سنة) وأوسكار أيزاك (30 سنة) سيقومون ببعض الأدوار الرئيسة. إلى هؤلاء سيعاود هاريسون فورد لعب دور المغامر هان صولو وكان اشتراكه تردد ولكنه لم يحسم مع تغليب أنه سيظهر في دور شرف. الفيلم الجديد سيعيد البطلين السابقين كاري فيشر ومارك هاميل في دورين أصغر حجما هذه المرة، وسيجلب أحد أكبر معمـري التمثيل في العالم، وهو ماكس فون سيدو (85 سنة) ليؤدي دورا مساندا، كما سيستعير من مسلسل «سيد الخواتم» شريره المخيف أندي سركيس (عراقي الأصل) لتقديم دور لن يجري الإفصاح عنه الآن. هذا مع العلم أن دومنول غليسون آت من خلفية دوره في سلسلة «هاري بوتر» حيث كان لعب أحد أشراره.
هذا الكتمان يشمل الممثلين الذين لن يقوموا بإجراء أي مقابلة سواء أكانت حول الفيلم أو خارجه. وفي كل الأحوال، فإن حجم ما ينتظرهم من جهد وعمل لن يترك لهم أي وقت للراحة. ما هو متوقـع أن يجد كل واحد من هؤلاء يمثل مشاهد تقنية الصنعة كتلك التي تسود هذه الأيام، حيث يقف الممثل على مسرح الاستوديو ويجري تصويره وهو في وسط عوامل ومناظر مختلفة تمر به وحوله ومن تحته وفوقه من دون أن تكون موجودة بالفعل، بل هي مجرد مشاهد وهمية يتحرك خلالها حسب خطوط وإشارات مرسومة تمهيدا لزرعه وسطها لاحقا في مرحلة ما بعد التصوير. وحتى في مرحلة التصوير ذاتها، فإن كل شيء ستجري مراقبته تقنيا للتأكد من صحـة العمل، مما يفرض على العاملين فيه تمضية أوقات غير درامية على الإطلاق، بل صناعية بكل معنى الكلمة.

* ضلوع بن عمـار
أيام «ستار وورز» الأول، سنة 1977، أي قبل سنوات كونية إلى الوراء حسبما يحب هواة السلسلة حسبان الزمن، لم يكن هذا القدر من التقنيات متوفـرا. رغم ذلك، أصاب قدر كبير من الذهول المشاهدين الذين وجدوا في تلك المركبات الفضائية السريعة وهي تطير وتتعارك في تلك الدهاليز الضيـقة في العالم البعيد. في الخامس والعشرين من مايو (أيار) من ذلك العام، انطلق ذلك الجزء الأول تحت ضربات مطرقة الشكوك. كان الكاتب والمنتج جورج لوكاس دار به وحار بين الاستوديوهات الكبيرة باحثا عن 11 مليون دولار ينجز الفيلم بها. في النهاية التقطت المشروع شركة «فوكس» وأطلقته وسط علامات استفهام من بعض أركانها كما من الاستوديوهات الأخرى. لكن ليس فقط أن الفيلم تحول إلى ظاهرة بين هواة النوع وسريعا ما استوى كعمل كلاسيكي في هذا النوع الفضائي بل جلب 775 مليون و398 ألفا وسبعة دولارات من عروضه العالمية. هذا بسعر تذكرة ذلك الحين التي كانت لا تتجاوز خمسة دولارات في أفضل وأفخم صالات الولايات المتحدة أو أوروبا. بسعر اليوم فإن المبلغ المذكور سيقترب من مليار و500 مليون دولار بكل راحة.
المنتج التونسي طارق بن عمـار لعب دورا كبيرا في جذب المشروع إلى بلاده. أيامها كان بن عمـار بدأ يكون لنفسه تلك الإمبراطورية السينمائية الواقعة بين استوديوهاته في تونس وبين شركته عند مستديرة الكونكورد في باريس (بعدها انتقل إلى شارع هوغو القريب من الشانزليزيه). وكانت غاية لوكاس و«فوكس» التوجـه إلى المغرب. زيارة واحدة لمواقع التصوير التي اقترحها بن عمـار على لوكاس غيـرت رأي الأخير وجرى تصوير كل المشاهد الصحراوية في ذلك الحين هناك.
نجاح «ستار وورز» الأول كان مفاجئا بقدر ما كان سارا. ولوكس تحرك لتحقيق جزء ثان خرج عام 1980 تحت عنوان «الإمبراطورية ترد الضربة» أخرجه الراحل إرفن كيرشنر (الوحيد في ذلك الحين الذي قدر له أن يعمل أيضا على جزء من أجزاء المسلسل المنافس «ستار ترك»). آنذاك ارتفعت الميزانية إلى 18 مليون دولار وأنجز الفيلم 534 مليون دولار عالميا. رغم انخفاض الإقبال بنسبة الثلث تقريبا، دفع لوكاس بإنتاجه الثالث سنة 1983 هذه المرة بمعية مخرج آخر هو ريتشارد ماركاند. هذا الجزء تكلف 32 مليون دولار ورفع الإيراد إلى 573 مليون دولار.

* مغامرة جديدة
إلى ذلك الحين، كانت الخطة تقتضي التوقـف عند هذه السلسلة التي تستعير من كل ملحمة إغريقية وشكسبيرية ورومانية وقودا تغذي به أحداثها: الابن الضال الذي يبحث عن أبيه لينتقم منه. ميادين القتال الضارية حيث الغلبة للأقوى. السعي للسـلطة والحكم والنفوذ. ثم فوق ذلك بدأ ذلك الحس الفاشي الذي يتسلل عادة إلى كل فيلم يؤيـد فريقا ضد فريق بالمعايير نفسها، فإذا بالقوة هي وحدها التي يحق لها أن تسود. بعض النقاد وصف نهاية الفيلم الأول بأنها احتفاء بالنازية على شاكلة فيلم ليني رايفنستول «انتصار الإرادة»، ذلك الفيلم التسجيلي الذي حققته سنة 1935 حول وصول هتلر إلى الحكم وسط تأييد وقبول شعبي غالب.
كان مقررا أن تتوقـف مغامرات لوكاس مع «ستار وورز» عند ذلك الحد. بل تناقلت الأخبار بعد خروج الجزء الثالث أن لوكاس أخذ يبحث عن سيناريوهات «أرضية» ليقوم بتحويلها إلى أفلام ذات ميزانيات متواضعة.
لكن لوكاس تابع شغفه بالخيال العلمي عبر الاستوديو الخاص الذي أنشأه بغاية تطوير صناعة وتقنيات المؤثرات الخاصـة واستقبل الكثير من الأفلام الأخرى لديه. وفي الوقت الذي كان الاستوديو يجني فيه أرباحا طائلة خارج نطاق السلسلة المذكورة، كان عقل لوكاس يجول بحثا عن قصـة جديدة تكون بمثابة عودة أخرى إلى فضاء «ستار وورز». في عام 1998 وجد الفكرة. في العام التالي انتهت وعرضها تحت عنوان «ستار وورز: الفصل الأول: شرور الشبح».
في هذا الإنتاج، الذي ارتفعت تكلفته إلى 115 مليونا، انتقلت الأحداث إلى ما قبل الثلاثية الأولى (Prequel كما يقولون) ما جعل البعض يشعر بأنه بات على مسافات ضوئية من الشخصيات التي عايشها سابقا. صحيح أنها كانت ما زالت تتحرك أمامه، لكن هذا الفيلم وما تبعه من أجزاء، وضعها في سياق حكايات سابقة لتلك التي كانت أنتجت من قبل. رغم ذلك، لم يتأثر الفيلم بذلك؛ إذ بلغت عائداته مليار دولار و300 ألف دولار.
فيلمان آخران تبعا «شرور الشبح» هما «هجوم الكلونز» (2002) و«انتقام سث» (2005) لكن هذه الثلاثية الثانية، من جانب فني محض، لم تحقق للسلسلة بكاملها أي تقدم أو تطور. الحكايات أصبحت في العقد الأول من القرن الحالي مجرد أعذار لتقديم فيلم وحصد أموال، بينما كانت دعامة رئيسة في السابق لا يمكن فصل الهدف التجاري عنها. أكثر من ذلك، التمثيل لم يعد ملحـا، وقد سطت عليه شخصيات ضعيفة المنطلقات، وتعاظمت المؤثرات الخاصة بحيث محت ما بقي منها. الأجزاء الثلاثة الأخيرة أثارت الفضول أكثر مما أثارت الإعجاب، وفي النهاية، مع «ستار وورز: انتقام سث»، بدا المسار مشتتا بين أحداث نصف كاملة.

* التصوير في أبوظبي
النجاح فتح أبواب نجاحات أخرى، فإذا بحروب نجوم أخرى تندلع على محطات التلفزيون (سلسلة «حروب الكلونز» مثلا) وفي أشكال من الرسوم المتحركة ومجلات الكوميكس والألعاب اليدوية والإلكترونية والافتراضية على حد سواء. كل ذلك مملوك بيد رئيس واحد اسمه جورج لوكاس بدأ حياته المهنية زميلا لفرنسيس فورد كوبولا وبرايان دي بالما وبتحقيق أفلام صغيرة سنة 1965 بقي أشهرها «أميركان غرافيتي» سنة 1973، أي قبل أربع سنوات من طلاقه المبرم من تلك البدايات إلى سينما بالغة الاختلاف والجوهر.
مع نهاية الثلاثية الثانية توقـف لوكاس مجددا لا ليأخذ نفسا، بل ليرتاح من السعي لتجاوز نفسه في كل مرة. لكن «ديزني» كان لها رأي آخر: إذا لم تكن تريد أن تشتغل على إنتاجات جديدة من «ستار وورز»، نحن مستعدون. لقاء أربعة مليارات دولار (فوق ما كان المخرج - المنتج كسبه من كل جزء على حدة) كيف له أن يقول لا؟ التعاقد تم في الشهر العاشر من عام 2012 والعمل انطلق مباشرة وعلى وقع حثيث.
وإذ تنطلق الكاميرات حاليا فإن أماكن التصوير كانت من بين تلك التي بقيت سرا.
أولا قيل إن التصوير الخارجي سيكون في المغرب... «مع احتمال أن ينتقل إلى تونس». فجأة جرى اختيار أبوظبي بديلا، لكنه ليس من المعروف إذا ما كان بديلا كاملا للمغرب أو لتونس أو جزئيا لأي منهما. الغالب هو الاكتفاء بموقع صحراوي واحد، مما يعني أن صحراء الإمارات العربية المتحدة هي المقصودة.
أما من حيث الأحداث، فإن الحكاية الواردة (وما سيليها) ستقع ما بين تلك التي وردت في «عودة الجيداي» (سنة 1983 حسب أعوامنا الأرضية) وقبل «شرور الشبح» (1999) لكن كيف سيكون ذلك ممكنا إذا ما كان «عودة الجيداي» صور نهاية الحكايات جميعا في حين أن «ستار وورز: الفصل الأول: شرور شبح» عاد بها إلى الوراء؟
هذا سر آخر من أسرار المسلسل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».