ليبيا... تقارب الجنرالات

أول حوار بين ضباط الجيش منذ 2011

ليبيا... تقارب الجنرالات
TT

ليبيا... تقارب الجنرالات

ليبيا... تقارب الجنرالات

انفتحَ باب جديد للحوار بين ضباط في الجيش الليبي، قبل أيام، يعد هو الأول من نوعه منذ الانتفاضة المسلحة التي أدت إلى إسقاط نظام معمر القذافي ومقتله في عام 2011. وبعيدا عن الأضواء، يعوِّل فريق من السياسيين والنشطاء والوجهاء الليبيين، في الوقت الراهن، على إحداث تقارب بين جنرالات القوات المسلحة، لإنقاذ الدولة من الفوضى، بشرط أن يتم التوافق أولا على كل شيء، قبل الإعلان عن تشكيل مؤسسة متكاملة مثلما كانت عليه قبل ست سنوات. ويتخوف الليبيون من تدخل دول أجنبية في شؤونهم، بما في ذلك التلويح الأوروبي بإرسال قوات إلى شواطئها.
كان الجيش الليبي موحدا في عهد معمر القذافي، ثم تعرض لانقسامات حادة بسبب تباين مواقف كبار قادته من تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ما بين مؤيد ومعارض. ومنذ ذلك الوقت تورط الكثير من القادة العسكريين، من توجهات مختلفة، في حروب داخلية أدت إلى تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتسببت في إثارة مخاوف دول الجوار من خطر انتشار الجماعات المتطرفة وهشاشة الحراسة على الحدود البرية ومنافذ الدولة البحرية والجوية. ويشعر قادة الجيش اليوم بأن الخطر يزداد، وإمكانية التدخل العسكري الخارجي أصبحت تلوح في الأفق، وهو أمر مثير لقلق جنرالات القوات المسلحة.
وبالإضافة إلى الأمم المتحدة والدول الكبرى، تبذل مصر وتونس والجزائر جهودا حثيثة لمساعدة الليبيين على الخروج من المأزق الذي يهدد الدولة الغنية بالنفط، والحيلولة دون أن تصبح «دولة فاشلة». وعلى باب فندق فاخر يقع على مرمى حجر من مطار القاهرة الدولي، توقف جنرال ليبي في بدلة سوداء وربطة عنق حمراء، وقال وهو يبتسم في أمل «لم نصل بعد إلى تصور. ما زلنا في مرحلة اختبار الدرب». وفي المساء كان هناك لقاء آخر في حديقة فندق على شاطئ النيل، بين ثلاثة ضباط ليبيين، كل منهم برتبة عميد.
الأول من القيادات العسكرية في مدينة مصراتة ذات التسليح القوي. وهي مدينة تقع على بعد 200 كيلومتر إلى الشرق من العاصمة طرابلس. وكان هذا العميد من المؤيدين لتدخل الناتو للتخلص من نظام القذافي. واليوم، يبدو ممسكا بكوب القهوة، وهو يشعر بالإرهاق من سنوات الاحتراب التي راح ضحيتها ألوف الشباب، وتشريد نحو مليوني ليبي، وخسائر بمليارات الدولارات.
أما الثاني، فمن قيادات مدينة الزنتان، في جنوب غربي طرابلس، وكان أيضا من مؤيدي تدخل الناتو، بل أشرف على فتح المجال لإسقاط أسلحة قادمة من إحدى الدول الأجنبية، للمنتفضين المسلحين الذين كانوا يطلقون على أنفسهم لقب «ثوار». وأشار في كلمات مقتضبة إلى ما معناه أن الوقت قد حان لـ«توحيد المؤسسة العسكرية وفتح حوار بين العسكريين بعيدا عن التجاذبات السياسية والجهوية. ما نريده هو إعادة بناء الجيش وترك السياسة لما يقرره الليبيون بعد وضع دستور للدولة. الخطر الآن هو أن ليبيا يمكن أن تنتهي كدولة».
ومع أن هذين القائدين كان يجمعهما النضال المشترك للقضاء على حكم القذافي، إلا أن الخلافات نشبت بينهما بداية من عام 2014؛ بسبب الصراع على تقاسم النفوذ بين المسلحين في العاصمة، حيث تسبب هذا النزاع في احتراق مطار طرابلس الدولي. واليوم يسعى كل منهما لطي صفحة الماضي وفتح ملف جديد من أجل المستقبل. ولكن لكل منهما «مخاوف من تزايد النشاط الإيطالي في مناطق عدة في ليبيا بحجة مواجهة الهجرة غير الشرعية».
العميد الثالث من بنغازي. ووصل متأخرا إلى الفندق آتياً من مطار برج العرب قرب مدينة الإسكندرية المصرية. وهو عسكري محسوب على المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي. وكان حفتر نفسه من المناصرين لتدخل الناتو. إلا أنه حين أعلن إعادة تنظيم جانب من صفوف الجيش، قبل ثلاث سنوات، واجه معارضة من جانب عدد كبير من القيادات العسكرية في الغرب الليبي، أي من مصراتة وجبل نفوسة والزنتان وغيرها، معتبرين ما قام به «انقلابا».

النظرة إلى حفتر
لكن جهود حفتر باتت الآن تثير الانتباه، وتجبر الخصوم على إعادة النظر. ومد عسكريون من المحسوبين على نظام القذافي يد العون لحفتر، أخيرا، في مواجهة التنظيمات المسلحة والمتطرفة. ويقول العميد المشار إليه «ليبيا أصبحت في خطر. نخشى من مزيد من الفوضى ومن الانقسامات. نحن، كما قال المشير حفتر مرارا، لا شأن لنا بالسياسة، ما نريده وما نتحاور حوله كعسكريين، في الوقت الراهن، هو أن مؤسسة الجيش لا بد أن تعود، وهذا ما فشل فيه السياسيون خلال السنوات الماضية، وآن الأوان لكي يقوم رجال القوات المسلحة بالمهمة».
الأمم المتحدة، من جهتها عملت لإنجاح الحل السياسي الذي نتج من الاتفاق المعروف باسم «الصخيرات»، لكن المجلس الرئاسي الذي انبثق عن هذا الاتفاق، منذ أواخر عام 2015، عجز عن حل مشكلة إدارة الحكم في ليبيا. وحالياً توجد ثلاث حكومات وثلاثة برلمانات. في الغرب هناك حكومتا «الوفاق الوطني» برئاسة فايز السراج، و«الإنقاذ» برئاسة خليفة الغويل. وفي الشرق «الحكومة المؤقتة» برئاسة عبد الله الثني. أيضاً، في طرابلس نرى المؤتمر الوطني (البرلمان السابق) برئاسة نوري أبو سهمين، ومجلس الدولة (جزء من البرلمان السابق) برئاسة الدكتور عبد الرحمن السويحلي. ويوجد في طبرق شرقا البرلمان الحالي برئاسة المستشار عقيلة صالح. ولقد وقفت هذه الأجسام السياسية والتشريعية وراء مجاميع مسلحة يحارب بعضها بعضا، وهي، في معظمها، عبارة عن خليط من ضباط وجنود كانوا في الجيش الليبي القديم، ومدنيين يحملون السلاح.
الجنرال الآتي من مصراتة، المدينة التي كان عليها العبء الأكبر في محاربة تنظيم داعش وطرده من مدينة سرت أواخر العام الماضي، يقول: «بعد نهاية الحرب في سرت، حاولت بعض الجماعات السياسية في طرابلس وفي مصراتة، استغلال قوتنا للهجوم على الموانئ النفطية التي يسيطر عليها حفتر في الشرق والمشاركة في الهجوم على القبائل المعروف أنها محسوبة على نظام القذافي في الجنوب، وبخاصة في كل من مدينة سبها ومدينة بني وليد. وحين رفضنا ذلك، تعرضنا للمؤامرات. وانقلب المتشددون، قبل نحو شهر، على المجلس البلدي لمصراتة».
ويضيف موضحا، أن عدد مَن قُتلوا في الحرب على «داعش» في سرت يبلغ أكثر من 800، وليس 300 كما كان يتردد. ونحو 700 من هؤلاء الضحايا من أبناء مدينة مصراتة، ونحو 120 من المدن الليبية الأخرى. بينما بلغ عدد المصابين نحو 3 آلاف. ما أريد أن أقوله وأن يفهمه إخوتنا من العسكريين الليبيين الذين بدأنا فتح قنوات تواصل بيننا لأول مرة منذ رحيل القذافي، هو أننا لن نحارب من أجل جماعة أو تيار أو جهة. سنحارب من أجل ليبيا فقط».
للعلم، وصل من مصراتة وطرابلس، إلى القاهرة، دفعتان من الجنرالات، خلال شهر. كانت جلسات تمهيدية لرتب عسكرية مهمة مصابة بالإرهاق من طول فترة الاقتتال والاحتراب في الصحراء الليبية الشاسعة. وبعد ذلك بأسبوعين وصل نحو عشرين رتبة عسكرية من مناطق جبل نفوسة والزنتان وورشفانة وغيرها. ويقول أحد القادة العسكريين من القبائل القوية في غرب ليبيا «هناك حراك جديد في عموم البلاد. تستطيع القول إننا نتخلص رويدا رويدا من حالة الاستقطاب التي كانت موجودة بين العسكريين المنتمين أساسا للجيش. الحراك الجديد حراك وطني يتواصل مع الجميع، ويرفع شعار «توحيد المؤسسة العسكرية».
من ناحية أخرى، منذ بداية الأزمة الليبية كان يتواصل مع الأطراف الداخلية، دبلوماسيون ومسؤولون دوليون وإقليميون محاولين رأب الصدع السياسي. ووفقا لمصادر اجتماعات الضباط الليبيين في القاهرة، شاركت تونس بقوة في تسهيل اللقاء الذي عقد بين المستشار صالح والدكتور السويحلي، في العاصمة الإيطالية روما، الأسبوع الماضي. كما قام وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، الجزائري، عبد القادر مساهل، بجولة في ليبيا من أجل تقريب وجهات النظر بين الزعماء المتخاصمين.
في المقابل، أخذت مصر تعمل على الملف الليبي، بطريقة مختلفة، منذ أشهر، حين أوكلت هذا الملف للفريق محمود حجازي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية. وأشرفت لجنة حجازي على عقد لقاءات استماع «مفتوحة وصريحة» لمئات عدة من خصوم القوى السياسية والقبلية والإعلامية الليبية، لكن الخطوة اللافتة تعد، وفقا للمصادر العسكرية الليبية، فتح الباب المصري للقاءات في القاهرة لأول مرة بين قادة عسكريين كانوا يحاربون بعضهم بعضا حتى وقت قريب.
مصدر أمني مصري قريب من لقاءات الجنرالات الليبيين، قال «يبدو أنهم يسعون لاستغلال حالة الإرهاق التي أصابت الجميع في ليبيا. أعتقد أنهم يريدون رفع شعار يهدف إلى جمع الليبيين حول توحيد الجيش والبحث عن سبل للتوافق بين كبار القادة العسكريين».

أنواع ثلاثة
واليوم يوجد ثلاثة أنواع من القيادات العسكرية الليبية: الأول، العاملون مع المشير حفتر. والثاني، المنخرطون في المجالس العسكرية للمدن، وهم يعملون مع مسلحين مدنيين، وتتركز هذه الظاهرة في المنطقة الغربية من البلاد. والثالث، الضباط الذين يطلق عليهم أنصار النظام السابق، ومنذ مقتل القذافي ظلوا يرفضون المشاركة في العمل في الجيش تحت علم «الثورة» ذي الخطوط الملونة. وما زال بعض منهم يرفع علم الدولة في عهد القذافي ذي اللون الأخضر.
حفتر ظل منذ 2014 يحاول إنشاء مؤسسة عسكرية، ولكن واجهته عراقيل تتمثل في تمسكه بمبادئ «ثورة 17 فبراير 2011»، وهو أمر يرفضه عدد من قادة الجيش السابقين الذين كانوا يحاربون مع القذافي. غير أن لقاءات العسكريين الأخيرة في القاهرة أعطت زخما جديدا يمكن البناء عليه. كما أن بعض القادة ممن كانوا يتهمون حفتر بأنه يدير «ميليشيا انقلابية وليس جيشا»، ويرفضون أي دور له، بدأوا يتحدثون حول الطاولة بطريقة مختلفة.
ويقول جنرال مصراتة، وهو يعدل من ربطة عنقه الحمراء «لقد بدأت تحدث عملية تواصل شبه مستمرة من أجل تطوير الحوار والنقاش. جئنا للقاهرة للأسباب نفسها... وعلى عكس التصورات السابقة، توصلنا إلى أنه «لا توجد مدينة ذات لون أبيض وأخرى ذات لون أسود، واتفقنا على أن كل المناطق فيها مشتركات وفيها تباين أيضا. وأن كل هذه الأمور قابلة للمناقشة والأخذ والرد».
كذلك، جرى التطرق إلى أنه في «بعض الأحيان تتغلب بعض التيارات في بعض المناطق، بحكم خلو الساحة. لكن، الأكيد، أن كل منطقة تستطيع أن تخلق مشكلة للطرف الآخر، كما أن الطرف الآخر لديه القدرة على خلق مشكلة عكسية». ولهذا؛ يبدو أن حوار الجنرالات يسير على نحو فيه قدر من الندية والجدية وحساب القوى الشعبية والقوة العسكرية... «حين يتمكن طرف في المنطقة الغربية من صنع مشكلة مع حفتر، فإن الطرف المقابل يمكنه خلق مشكلة مماثلة».
ويوضح أحد الزعماء العسكريين أنه... «من غير المقبول الاستمرار في شيطنة مدينة، أو الزعم بأن كل سكانها كذا وكذا (يقصد جانبا من ميليشيات مصراتة التي شاركت مع ميليشيات الإسلاميين في محاربة حفتر وبرلمان صالح)، أو أنهم مسؤولون عن المشكلات التي تمر بها البلاد. الليبيون لديهم العنف في كل شيء، وهم عصبيون جدا... الحب بعنف والكراهية بعنف. كل شيء لدينا بعنف».
ويضيف، أنه من المعروف أن الوضع في غرب ليبيا شديد التعقيد عموما؛ إذ إن القوة العسكرية للقذافي كانت تتركز هناك، وجرى فيها معظم القتال المهم في عام 2011: «وبالتالي تكونت مراكز قوى استغلتها بعض الأطراف. والمقصود بها بعض التيارات الإسلامية»، مشيرا إلى أن «الميليشيات المتطرفة استغلت ألوف الشبان، غالبيتهم من مصراتة، من أجل خوض حروب خاصة بها خلال الأعوام الأخيرة، وهذا الأمر اتضح الآن ونعمل على عدم تكراره... ما نحن فيه حقا هو القيام بتهدئة شاملة بين المدن والقبائل في المنطقة الغربية، باستثناء بعض الأعمال الإجرامية، مثل إغلاق طريق هنا وآخر هناك».
أيضاً، يتحدث العسكريون الليبيون الذين يترددون على القاهرة عن أن الحل، انطلاقا من مؤسسة الجيش، أمر ممكن... «كان الأمر قابلا للتحقق حين أوقف ضباط في الجيش - بغض النظر عن انتمائهم لحفتر أم لا - الاحتراب بين مدن عدة في الغرب، كما حدث في الزاوية وورشفانة والزنتان. هذا الأمر الجديد أصبح واضحا على الأرض منذ العام الماضي، إلا أنه لم يتم تطويره والبناء عليه بشكل إيجابي؛ لأن المناكفات السياسية بين البرلمان والمؤتمر الوطني (البرلمان السابق) تلقي بظلالها على الأوضاع».
في هذه الأثناء، في الخلفية، يقوم تيار وطني يضم عناصر قبلية وناشطين من مناطق غرب ليبيا، بدور مهم من وراء الستار، من أجل إنجاح محاولات توحيد الجيش في مؤسسة قوية. ويقول أحد عناصره، وكان برفقة ضباط وصلوا أخيرا للعاصمة المصرية: «طبعا الحوار الذي نؤيده ونسهل له الطريق، يستفز التيارات المتشددة في ليبيا. وكان من آخر التداعيات التي تُشير إلى فاعلية التيار الوطني، الهجوم من جانب المتشددين على المجلس البلدي في مصراتة». ويضيف: ومع هذا لن نتوقف عن العمل؛ لأن علاقتنا جيدة بجميع الأطراف، سواء في المجلس الرئاسي، أو مجلس الدولة، أو المؤتمر الوطني، أو البرلمان. لقد فتحنا أبوابا كثيرة خلال وقت قصير.
مما أثمرت عنه لقاءات القاهرة، إعادة الجانب المصري لفتح خط الطيران الجوي بين مطار مدينة مصراتة ومطار برج العرب، لكن مع استمرار شرط مراجعة وثائق السفر في مطار الأبرق الموجود في الشرق لليبي، ويخضع لسلطات برلمان صالح وجيش حفتر. وبنظرة من قرب، من السهل أن تلاحظ وجود استعدادٍ للحوار بين أطراف رئيسية لم يكن من المتصوّر، حتى وقت قريب أن تجلس معا في غرفة واحدة.

لقاء صالح والسويحلي
من ناحية أخرى، مع أنه لم تخرج عن لقاء روما بين صالح والسويحلي نتائج ذات شأن، إلا أن لقاء الرجلين، يُنظر إليه باعتباره يعكس القدرة على التواصل بين زعماء الشرق وزعماء الغرب. ويقول جنرال ليبي، وهو يهم بمغادرة الفندق للعودة إلى بلاده مع مجموعة من معاونيه: اليوم هناك تحولات في الموقف السياسي لكثير من الشخصيات التي لم تكن ترضى بأي حوار مع الأطراف في الشرق. ويضيف: لم يستطع أحد الاستفادة من الإقصاء المتبادل. ويتابع: «اليوم، نحن نقول لخليفة حفتر، لا تطلب الشرعية من البرلمان. ولكن اطلبها من ضباط القوات المسلحة في المدن الليبية، من خلال حوار عسكري، وأن تعلن أن المؤسسة العسكرية لا علاقة لها بالسياسة، وأنها ستحترم رغبة الشعب الليبي عند إجراء الانتخابات، وأن يقول حفتر إنه ملتزم بأن يكون تحت السلطة السياسية حين يكون هناك دستور دائم للدولة، وأن يأتمر الجيش الوطني بأمر السلطة السياسية».
ويقول عقيد في الجيش الليبي من طرابلس أثناء مشاركته في لقاء آخر بالقاهرة «أبناء المؤسسة العسكرية في ليبيا لديهم احترام لبعضهم بعضا. ويمكن للحوار أن يثمر بين حفتر والضباط الكبار في المناطق العسكرية، مثل (كتلة مصراتة) وما حولها، و(كتلة ورشفانة) وما حولها، و(كتلة طرابلس) وما حولها، و(كتلة الزاوية)، و(كتلة جيل نفوسة والزنتان) وما حولها، و(كتلة المنطقة الجنوبية الغربية والجنوبية الوسطى)، مثل سبها وبراك الشاطئ». ويضيف أن «مراكز الثقل العسكرية الرئيسية هي، في الحقيقة، مجرد أربع أو خمس مراكز، وأعتقد أن إقامة حوار عسكري يحدد قيادة عسكرية جامعة توافقية، أفضل من النظام الهرمي. هذا هو المناسب لليبيا؛ لأن ليبيا دولة شاسعة. دول أخرى تعمل وفقا لنظام الجيوش... لكن القذافي كان يخدم بنظام المناطق العسكرية؛ لأن المناطق العسكرية هي الأنسب لدينا»، مشيرا إلى أنه «من الخطأ توحيد المؤسسة العسكرية بقرارات سياسية؛ لأنه حتى الآن لا يوجد طرف سياسي جامع يمكن الاتفاق عليه. الأمن أصبح مطلبا أول لليبيين قبل السياسة وقبل الاقتصاد».

بوادر حسن نية
وفيما يعد بوادر حسن نية من جانب قطاع من عسكريي المنطقة الوسطى والغربية والمعروفين بأنهم خصوم الجنرال حفتر، جرى رفض تحريك القوات في نطاق نفوذ الجيش الوطني، والابتعاد عن خطوط التماس مع رجال حفتر. أما أهم ثلاث نقاط بدت من لقاءات العسكريين الليبيين في القاهرة حتى الآن، فهي كالتالي:
الأولى، بذل جهود حثيثة وغير مسبوقة من جانب العسكريين لاستعادة مؤسسة الجيش وتوحيدها، على أن يبدأ ذلك بتشكيل لجنة من سبعة ضباط للتحضير لحوار واسع. وهذا أمر لا يتعارض مع تطلعات الأمم المتحدة واتفاق الصخيرات ودول الجوار. والثانية، دعم الحراك الوطني المدني المؤيد لحوار قيادات الجيش، وهو الحراك الذي يتمركز في غرب ليبيا، ويرفض استخدام المجاميع المسلحة في حروب ضد مدن أو قبائل. والثالثة، استقطاب الجناح المعتدل في التيار الإسلامي، واستبعاد المتشددين و«جناح الصقور» الذي يريد إطالة عمر الميليشيات على حساب إيجاد مؤسسة عسكرية قوية وموحدة بغض النظر عن اسم من يقودها.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»