أزمة جنوب السودان المالية توقف أجور الدبلوماسيين

أزمة جنوب السودان المالية توقف أجور الدبلوماسيين
TT

أزمة جنوب السودان المالية توقف أجور الدبلوماسيين

أزمة جنوب السودان المالية توقف أجور الدبلوماسيين

تواجه وزارة الخارجية في جنوب السودان أزمة مالية انعكست على قدرتها على دفع مرتبات دبلوماسييها، الذين تم استدعاؤهم إلى جوبا، لكن الوزارة قللت من الصعوبات المالية التي تواجهها، في وقت حملت فيه مفوضية مراقبة السلام أطراف النزاع في الدولة الفتية مسؤولية التردي الأمني والمجاعة.
وكانت حكومة جنوب السودان قد أقرت بفشلها في دفع رواتب الدبلوماسيين في وزارة الخارجية، التي تواجه منذ سبتمبر (أيلول) الماضي صعوبات مالية في دفع أجور موظفيها والملحقين الدبلوماسيين. وقالت مصادر في جوبا لـ«الشرق الأوسط» إن وزارة الخارجية دفعت مستحقات شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) من سنة 2016 لدبلوماسييها في أبريل (نيسان) الجاري فقط، وطلبت منهم العودة إلى البلاد. لكن وزير الخارجية دينق ألور كوال قلل في تصريحات من الصعوبات المالية التي تواجهها وزارته، وقال إن وزارة المالية تتخذ ترتيبات لدفع رواتب العاملين حتى يتمكنوا من العودة، وأضاف موضحاً أنه «لا توجد مشكلة، والذين تم استدعاؤهم إلى رئاسة الوزارة انتهت فترة عملهم في سفاراتنا في الخارج.. وقد تم حل المشكلة الآن»، مشيراً إلى أن التأخير في تسهيل عودة الدبلوماسيين كان بسبب الوضع الاقتصادي الذي يشهده جنوب السودان. من جهة أخرى، قلل الخبير الاقتصادي مريال أوو من قيمة القروض التي حصل عليها جنوب السودان من البنك الدولي لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تشهدها البلاد، وانخفاض قيمة العملة بشكل كبير، وقال إن القروض التي قدمها البنك الدولي تصل إلى أكثر من 100 مليون دولار، ولكنها لا تساوي شيئا مقابل عائدات النفط التي كانت تدخل خزينة الدولة، والتي تبلغ نحو 600 مليون دولار، معتبراً اتجاه الدولة للقروض المشروطة سيصبح عبئاً على اقتصادها في المستقبل القريب، مشددا على أن بلاده تشهد وضعاً اقتصادياً حرجاً. وأرجع أوو أسباب التدهور الاقتصادي إلى انخفاض عائدات النفط منذ أن أوقفت الحكومة نقل النفط عبر السودان في الحرب المحدودة، التي اندلعت بين الدولتين عام 2012، ثم الحرب الأهلية التي ما زالت مستمرة في البلاد منذ خمس سنوات، إلى جانب تدني أسعار هذا المورد الاقتصادي الهام الذي تعتمد عليه الدولة، مما انعكس على إيراداتها في الموازنة منذ عام 2014، مشدداً على أن حل الأزمة يكمن في وقف فوري للحرب وتحقيق السلام والمصالحة الوطنية.
وكان وزير المالية في جنوب السودان ستيفن ضيو قد أعلن قبل أيام حصول بلاده على قروض تصل قيمها إلى نحو 106 ملايين دولار لسد نقص الغذاء والمجاعة التي تشهدها البلاد، وتمويل قطاعات التنمية.
إلى ذلك، حمل رئيس مفوضية مراقبة اتفاقية السلام في جنوب السودان فيستوس موغاي في كلمة ألقاها أمام الجلسة العامة للجنة، التي حضرها مسؤولون حكوميون وممثلون للمجتمع الدولي في جوبا، أطراف النزاع في الحكومة وفصائل المعارضة المسلحة مسؤولية حدوث المجاعة التي تشهدها البلاد حالياً، وشدد على أن تصاعد أعمال العنف في الآونة الأخيرة تسبب في تدهور أمني، وتشريد أعداد كبيرة من المواطنين من مناطقهم، داعياً الطرفين إلى وقف فوري لإطلاق النار والالتزام به، وأوضح أن هناك زيادة كبيرة في أعداد النازحين واللاجئين بسبب تصاعد أعمال العنف في مناطق شرق الاستوائية وغرب بحر الغزال بصورة كبيرة، وقال بهذا الخصوص «على أطراف النزاع توفير مسارات لتوصيل الإغاثة من دون شروط.. فالشخص الجائع هو شخص غاضب، وبالتالي لا يمكنه تحقيق السلام».
من جهته، قال السكرتير الصحافي لرئيس جنوب السودان اتينج ويك أتينج لـ«الشرق الأوسط» إن الحكومة يمكنها إعلان وقف إطلاق النار تزامناً مع بدء الحوار الوطني، الذي سينطلق في وقت قريب، مبرزا أن وقف العنف سيتم وفق ترتيبات لكي يتم تخصيص تجميع قوات المعارضة، وإن كان الجيش الشعبي سيواصل عملياته في محاربة قطاع الطرق والخارجين عن القانون.
إلى ذلك، غادرت أمس القافلة السادسة من المساعدات الإنسانية التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي، التابع للأمم المتحدة، مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان السودانية إلى مدينة بانتيو بشمال دولة جنوب السودان، التي يعاني سكانها من المجاعة، وقد فتحت الخرطوم ممراً ثالثاً لتقل المساعدات الغذائية عبر مدينتي الأبيض والمجلد السودانيتين إلى مدينة أويل في شمال بحر الغزال، وممر عبر شمال كردفان في غضون الأشهر الثلاثة الماضية، إلى جانب ممر آخر عبر ولاية النيل الأبيض التي لها حدود مع جنوب السودان.
وتقل قافلة المساعدات السادسة 1068 طنا من الذرة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟