فنزويلا تبدأ رسمياً إجراءات انسحابها من منظمة الدول الأميركية

فنزويلا تبدأ رسمياً إجراءات انسحابها من منظمة الدول الأميركية
TT

فنزويلا تبدأ رسمياً إجراءات انسحابها من منظمة الدول الأميركية

فنزويلا تبدأ رسمياً إجراءات انسحابها من منظمة الدول الأميركية

بدأت فنزويلا رسميا في إجراءات انسحابها من منظمة الدول الأميركية؛ وذلك تنفيذا لوعدها الذي قطعته أمس على نفسها؛ حيث توعدت كاراكاس بأنه في حال انعقاد مؤتمر طارئ في إطار منظمة الدول الأميركية التي تشمل عشرات الدول اللاتينية وتعتبر من أقدم وأعرق المنظمات الإقليمية في الأميركتين، فسوف تنسحب بصفتها دولة عضوا.
وزيرة الخارجية الفنزويلية ديلسي رودريغيس أعلنت من القصر الرئاسي الفنزويلي أنها ستخرج من المنظمة فورا وذلك لأن كاراكاس تعتبر انعقاد قمة طارئة بحضور 19 وزير خارجية من الأميركتين يمثل انتهاكا لسيادة فنزويلا وتدخلا في الشؤون الداخلية للدولة وهو ما ترفضه فنزويلا جملة وتفصيلا.
والمفاجئ في الأمر مشاركة الدول المسماة دول «بيتروكاريبي» في الاجتماع الطارئ، وهي الدول التي دعمتها فنزويلا في السابق من أجل دعمها بالنفط الفنزويلي مقابل تطويع سياساتها التي تشمل هندوراس والباهاماس والدومينيكا وغوايانا وجامايكا، وخاصة أن هذه الدول كانت تتلقى النفط الفنزويلي بأسعار مخفضة مقابل دعم السياسات الفنزويلية.
ويرى محللون سياسيون أن فنزويلا ذهبت إلى اتخاذ أسلوب حاد في الاعتراض على انعقاد المؤتمر الطارئ للمنظمة كما أشارت وسائل إعلام فنزويلية إلى أن كاراكاس كانت تعرف أن المنظمة الإقليمية ستفعل ميثاق حقوق الإنسان، وبالتالي استبقت كاراكاس أي إجراء من قبل المنظمة بالانسحاب وذلك لتحقق مكسب معنوي. إلا أن فنزويلا الآن ستكون مطالبة بسداد استحقاقات مالية تقدر بملايين الدولارات جراء انسحابها وذلك في إطار التزامات المنظمة.
وقال معارضون للرئيس نيكولاس مادورو إن من الممكن طرد فنزويلا من المنظمة متهمين الحكومة بتقويض الديمقراطية بتأجيل الانتخابات وعدم احترام الكونغرس الذي تقوده المعارضة.
وقالت فنزويلا إن الإجراء يأتي ردا على حملة تدعمها واشنطن ضد الحزب الاشتراكي وتهدف للتعدي على سيادة فنزويلا.
وقالت وزيرة الخارجية ديلسي رودريغيز في بيان تلفزيوني إنه «بناء على أمر الرئيس نيكولاس مادورو ستقدم كاراكاس اليوم خطاب انسحاب من منظمة الدول الأميركية في إطار إجراءات سوف تستغرق 24 شهرا».
من جانبه، قال لويس ألماغرو رئيس المنظمة، إنه ينبغي تعليق عضوية فنزويلا إذا لم يتم إجراء انتخابات عامة هناك «في أسرع وقت ممكن». وتصف حكومة مادورو منظمة الدول الأميركية بأنها لعبة في يد السياسة الأميركية كما نددت بألماغرو، وزير الخارجية السابق في أوروغواي الذي كان صديقا في الماضي للاشتراكيين في فنزويلا، بوصفه خائنا يعمل لحساب واشنطن.
وتتهم المعارضة مادورو بتأخير الانتخابات خشية الهزيمة وبتجاهل الكونغرس الذي تهيمن عليه المعارضة، وبالتسبب في أزمة اقتصادية طاحنة في البلاد.
في هذه الأثناء تزايد عدد قتلى المظاهرات المندلعة في فنزويلا ليتخطى الثلاثين قتيلا حتى الآن، وهو الأمر الذي أصبح شبه يومي حيث يحاول المتظاهرون بشكل مستمر اختراق العاصمة كاراكاس للوصول إلى مقر الحكومة، ومن ثم يصطدم مع رجال الأمن الذين يقومون بتفريق المتظاهرين لتحدث الفوضى، وبعدها تبدأ عمليات القتل جراء الإصابات العشوائية داخل تلك المظاهرات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟