متحف كهف روميل «ثعلب الصحراء» يستقبل الزوار مرة أخرى

يضم مكتبه ومعطفه ونظارته وخرائط معارك الحرب العالمية الثانية

يعود الكهف إلى العصر الروماني وعثر عليه روميل وحوّله إلى مقر له ولقواته - معطف روميل - يضم متحف كهف روميل مجموعة من الأدوات الحربية وخريطة للمواقع العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية
يعود الكهف إلى العصر الروماني وعثر عليه روميل وحوّله إلى مقر له ولقواته - معطف روميل - يضم متحف كهف روميل مجموعة من الأدوات الحربية وخريطة للمواقع العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية
TT

متحف كهف روميل «ثعلب الصحراء» يستقبل الزوار مرة أخرى

يعود الكهف إلى العصر الروماني وعثر عليه روميل وحوّله إلى مقر له ولقواته - معطف روميل - يضم متحف كهف روميل مجموعة من الأدوات الحربية وخريطة للمواقع العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية
يعود الكهف إلى العصر الروماني وعثر عليه روميل وحوّله إلى مقر له ولقواته - معطف روميل - يضم متحف كهف روميل مجموعة من الأدوات الحربية وخريطة للمواقع العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية

بعد أن ظل مغلقاً لـ6 سنوات، يستعيد متحف كهف روميل بمدينة مرسى مطروح رونقه من جديد متأهباً هذا الصيف لاستقبال الزوار، بعد أن قامت وزارة الآثار المصرية بترميمه.
يعتبر هذا الكهف من أهم المواقع التي تروي فصول وأحداث الحرب العالمية الثانية، حيث كان الفيلد مارشال إيرفين روميل يخطط فيه لمعاركه، وكانت زيارة هذا المتحف مدرجة على خريطة السياحة المصرية والمرتبطة دوماً بذكرى حرب «العلمين»، حيث يأتي آلاف السياح من أوروبا لزيارة أقاربهم الذين قضوا في تلك الحرب.
وقالت إلهام صلاح رئيسة قطاع المتاحف بوزارة الآثار، إن فريق العمل من مرممي وزارة الآثار برئاسة سامح المصري يعكفون حالياً على ترميم القطع الأثرية المعروضة تمهيداً للافتتاح. كما أوضحت رئيسة قطاع المتاحف بوزارة الآثار أن قرار افتتاح المتحف من جديد أوائل الصيف بعد إغلاقه لمدة تزيد على 6 سنوات، جاء لتشجيع مصطافي مرسى مطروح والساحل الشمالي على زيارة المتحف، الأمر الذي يعمل على ربط مختلف طوائف الشعب المصري بالمتاحف، ورفع الوعي الأثري لديهم. كما أكدت أن ساعات افتتاح المتحف ستمتد إلى الليل حتى يمكن للزائرين زيارته ليلاً بعد الاستمتاع بالبحر والشاطئ في ساعات الصباح.
وأضافت إلهام: «كان وزير الثقافة الأسبق ورئيس المجلس الأعلى للآثار الفنان فاروق حسني قد خصص ميزانية قدرها 5 ملايين جنيه مصري لترميم المتحف، وبالتعاون مع أسرة روميل وابنه فقد تم جلب بعض مقتنياته من منزله لوضعها بالمتحف. وفي عام 1997، جاءت فكرة تحويل الكهف إلى متحف كمزار سياحي وأثري». وأشارت إلهام إلى أن الوزارة بدأت في أعمال ترميم وتطوير المتحف مرة أخرى التي تشتمل على تنفيذ سيناريو عرض متحفي جديد، وتغيير منظومة الإضاءة والتأمين، ووضع كاميرات للمراقبة.
«احترسوا ينبغي أن تسيروا بهدوء حتى لا يثار الغبار داخل الكهف وممنوع لمس مقتنيات المتحف»... كانت تلك كلمات المرشدة السياحية التي رافقتني وزملائي في أول زيارة لي لمتحف كهف روميل مع المدرسة الابتدائية التي كانت بمثابة مغامرة مثيرة، تكمل قصص الحرب التي عرفت بعضها من خلال أفلام منها فيلم «عمر المختار» أو «أسد الصحراء» للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد. الكهف عبارة عن مغارة محفورة في جبل يطل على شاطئ روميل الساحر، حيث يقضي المصطافون يومهم بعد أن كانت تلك المنطقة ساحة حرب.
يضم متحف كهف روميل مجموعة من الأدوات الحربية وخريطة للمواقع العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية، وهو كهف أثري أيضا؛ كونه يعود للعصر الروماني، وقد عثر عليه روميل وحوله لمقر له ولقواته المسماة الفيلق الأفريقي، حيث جاء من شرق ليبيا مخترقاً الحدود المصرية الليبية محققاً انتصارات مدوية مذهلة على قوات الجيش الثامن البريطاني، فتمركز في مرسى مطروح، واستمر في زحفه حتى وصل إلى العلمين، حيث دارت معركة العلمين الشهيرة بين القوات الألمانية والإيطالية تحت قيادته ضد القوات البريطانية بقيادة الفيلد مارشال برنارد مونتجمري في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1942م.
يستقبلك المتحف بممر صخري طويل ثم يظهر مقر قيادة روميل، حيث مكتبه وهاتفه والتلغراف الذي يتواصل به مع مقر القيادة الألمانية، تعلوه مدخنة دقيقة تتولى مهمة إدخال الأكسجين للكهف، حيث يختفي ثعلب الصحراء عن الأعداء. «حياة قاسية تلك التي يعيشها قادة الحروب»، هو أول انطباع سيتكون لديك فور دخولك الكهف. أثناء تجوالك ستجد على مقربة دولاب عرض يحتفظ بمعطفه الذي يدل على رتبته العسكرية، وعليه آثار الرمال الصحراوية الصفراء، وخرائط للمنطقة عليها علامات حمراء، ومع شرح المرشد ستجد نفسك متحفزاً ومتحمساً للقراءة حول واحدة من أهم الحروب في تاريخ البشرية.
المرشدة السياحية الزهراء عادل عوض، والمتخصصة في سياحة الجذور، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «متحف كهف روميل واحد من أهم المعالم السياحية التي تتضمنها جولة الحرب العالمية الثانية التي كنا نبدأها من طبرق في ليبيا، ثم السلوم حيث مقابر جنود الحرب، ثم مرسى مطروح حيث متحف روميل ومسار القوات حتى العلمين، ثم الإسكندرية حيث مقابر الكومنولث بالشاطبي، ثم مقابر الكومنولث في البساتين بالقاهرة».
وتضيف: «تلك الجولة كانت تصمم خصيصاً للقادة العسكريين من مختلف أنحاء العالم، وأيضا لأبناء الجنود والضباط الذين شاركوا في الحرب العالمية، حيث يعتبر روميل أكبر عقلية حربية عسكرية، ويتعرفون عبر الجولة على طريقة تصميمه خطة (الزجزاج)». توضح الزهراء: «كان أثناء مروره عبر الصحراء يفقد بعض الجنود، فكان يتركهم في وضعيتهم لكي يخدع الأعداء بأن تلك النقاط هي مناطق تمركزه في الصحراء». وتروي: «في إحدى الجولات مع ضباط القوات الجوية الملكية الكندية الذين كانوا يعملون تحت قيادة بريطانيا في الحرب العالمية الثانية، كان الضباط منبهرين لتمكنهم أخيراً من التعرف على كيف كان روميل يتصيد الطائرات من موقعه بالكهف!». وتشير الزهراء إلى أن أبرز زوار الكهف كان ابن روميل، والقائد مونتجمري الذي زاره عام 1967.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)