الرئيس اللبناني يختتم جلسات الحوار الوطني.. وحرائق قرب القصر الجمهوري

«إعلان بعبدا» أبرز إنجازات سليمان.. وجنبلاط يثني على رفضه التمديد

جانب من الحريق الذي اندلع في منطقة بعبدا جنوب شرق العاصمة بيروت أمس (أ.ف.ب)
جانب من الحريق الذي اندلع في منطقة بعبدا جنوب شرق العاصمة بيروت أمس (أ.ف.ب)
TT

الرئيس اللبناني يختتم جلسات الحوار الوطني.. وحرائق قرب القصر الجمهوري

جانب من الحريق الذي اندلع في منطقة بعبدا جنوب شرق العاصمة بيروت أمس (أ.ف.ب)
جانب من الحريق الذي اندلع في منطقة بعبدا جنوب شرق العاصمة بيروت أمس (أ.ف.ب)

اختتم الرئيس اللبناني ميشال سليمان، أمس، آخر جلسات الحوار الوطني خلال ولايته الرئاسية، التي تنتهي عمليا في الـ20 من الشهر الحالي، مسجلا في رصيده الدعوة إلى 21 جلسة حوارية، انعقد 18 منها، من دون أن يتمكن أركانها من تحقيق أي تقدم فيما يتعلق بالبند الوحيد المطروح على جدول أعمالها وهو بحث «الاستراتيجية الدفاعية»، وسلاح حزب الله تباعا.
ولم يكن لهيب النيران التي اندلعت في منطقة بعبدا أمس وقضت على مساحات حرجية واسعة، أقل حرارة من سيل الثناء الذي حصده سليمان من المشاركين في الحوار، وأبرزهم النائب وليد جنبلاط الذي شبهه بالرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب، لناحية رفضه تمديد ولايته، ونجاحه بـ«أعصابه الباردة وحكمته ووطنيته ولبنانيته، في اجتياز أدق المراحل وتجنيب البلاد تشنجات كبيرة وتأكيد أنه لا مفر من الحوار».
وكانت النيران اندلعت في منطقة بعبدا ووصلت إلى محيط القصر الجمهوري في وقت واجهت فيه فرق الدفاع المدني والجيش وفوج إطفاء بيروت صعوبة في إخمادها، جراء ارتفاع درجات الحرارة وسرعة الرياح، حسب الوكالة الوطنية للإعلام.
وساهمت مقاطعة حزب الله، المعني الأول ببند جدول أعمال الحوار، في الحفاظ على برودة أجواء الجلسة، التي انتهت من دون تحديد أي موعد لاحق، مؤكدة في الوقت ذاته على وجوب استكمال الحوار، وإنجاز الاستحقاقات الدستورية، وفي مقدمها انتخاب رئيس لبناني جديد. وأبقى حزب الله، أمس، وعدد من حلفائه على مقاطعة الحوار، وهي السياسة التي اتبعها الحزب بعد خطاب سليمان في عيد الجيش، مطلع شهر أغسطس (آب) الماضي، حين دعا إلى عدم التشبث بـ«معادلات خشبية» في البيان الوزاري، في إشارة إلى ثلاثية حزب الله (الجيش والشعب والمقاومة). واستدعى موقف سليمان الذي درج على انتقاد حزب الله منذ ذلك الحين على خلفية قتاله في سوريا، ردا من الحزب الذي دعا «ساكن القصر» إلى «التمييز بين الخشب والذهب»، في وقت جدد فيه وزير الصناعة أمس حسين الحاج حسن التأكيد خلال حفل تخرج في مدينة الهرمل على «وجوب أن لا يكون لدى رئيس الجمهورية المقبل موقف سلبي من المقاومة ومعادلة الجيش والشعب والمقاومة، لكي يكون محافظا على القسم بصون وحدة وحرية وسيادة وكرامة لبنان».
وفي حين غاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون عن جلسة أمس، وقد اتصل بسليمان معتذرا عن عدم المشاركة «لسبب شخصي»، استمرت مقاطعة حزب الله ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي ربط في وقت سابق مشاركته في الحوار بانسحاب حزب الله من سوريا. كما غاب عن جلسة أمس كل من نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، والنائب محمد الصفدي، والنائب سليمان فرنجية، والنائب أسعد حردان والنائب طلال أرسلان، ليضر بذلك 12 ركنا من أركان الحوار في مقابل غياب ثمانية آخرين.
وكان الرئيس اللبناني، الذي تولى ترؤس جلسات الحوار الوطني منذ انتخابه عام 2008، علما بأن رئيس البرلمان نبيه بري أطلقها عام 2006، افتتح جلسة أمس باستعراض التطورات الأخيرة على الصعيدين الداخلي والإقليمي وأبرز ما حققه الحوار عام 2006 وهيئة الحوار الوطني في الفترة الممتدة بين سبتمبر (أيلول) 2008 ومارس (آذار) 2014، لا سيما إصدار «إعلان بعبدا» الذي «هدف بصورة أساسية إلى تحييد لبنان عن التداعيات السلبية للأزمات الإقليمية»، إضافة إلى «مباشرة البحث بتصور لاستراتيجية وطنية للدفاع عن لبنان».
ولم يتمكن الأفرقاء اللبنانيون خلال 18 جلسة ترأسها سليمان من تحقيق أي تقدم في وضع تصور للاستراتيجية الدفاعية، لتقتصر الإنجازات على إصدار «إعلان بعبدا» في الجلسة الـ13 في 11 يونيو (حزيران) 2012. ونصت أبرز بنوده، التي أقرت بحضور غالبية الفرقاء وبينهم حزب الله، على «تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية»، في إشارة إلى أزمة سوريا. لكن حزب الله سارع في وقت لاحق إلى التنكر لبنود هذا الإعلان، وعد بعد رسائل انتقاد عدة وجهها إليه سليمان أن الإعلان «لم يعد يحظى بالإجماع».
ولم يشهد عام 2013، الذي بلغت فيه أزمة سوريا ذروتها، وكذلك تدخل حزب الله في القتال فيها، انعقاد أي جلسة حوارية.
وباستثناء حزب الله بشكل رئيس، تلتقي القوى اللبنانية على تأكيد أهمية «إعلان بعبدا» الذي التقى مع سياسة «النأي بالنفس» اللبنانية تجاه أزمة سوريا. ويقول النائب في كتلة عون سليم سلهب لـ«الشرق الأوسط» إن «جلسات الحوار كافة في عهد سليمان تتصف بالإيجابية، على الرغم من أننا لم نتمكن من التوصل إلى نتائج عملية على قدر الآمال التي كانت معقودة»، لافتا في الوقت ذاته إلى أن «النتيجة الوحيدة تمثلت بـ(إعلان بعبدا)، وكنا كفريق سياسي مشاركين في الجلسة، ووافقنا على بنوده».
وفي حين يبدي سلهب أسفه «لعدم تمكن الجلسات اللاحقة من تحقيق أي تقدم يُذكر»، يشدد على «وجوب استكمال الحوار بعد انتخاب رئيس لبناني جديد، على أن يُحدد جدول أعمالها وفق الظروف والقضايا الملحة المطروحة وقتها».
في المقابل، يحذر الأستاذ الجامعي وأمين سر حركة «التجدد الديمقراطي» أنطوان حداد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، من «أي تغيير في آفاق الحوار في المرحلة المقبلة»، لافتا إلى أن «الخطورة تتجلى في طرح أجندة مختلفة عن الحالية، أي السعي لربط الاستراتيجية الدفاعية بمسائل أخرى كالانتخابات الرئاسية وقانون الانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة، وكلها ملفات لا علاقة لها بأساس طاولة الحوار».
ولا ينكر حداد أن «إصرار سليمان في النصف الثاني من ولايته على حماية لبنان من نيران الحرب السورية، ودعوته كل الأطراف لعدم الانخراط العسكري فيها اصطدم وتناقض مع طروحات حزب الله، الذي حاول أن يهمشه أو يعاقبه أو يقاطعه»، منوها بـ«صمود موقف سليمان وتأكيده أن طموحه ليس التمديد، وهدفه أن يرسي مثالا لمن سيأتي بعده».
وقال رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي بعد مشاركته في الحوار أمس: «أنا أشهد على الدور الوطني الذي لعبه الرئيس سليمان}.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.