«مقامات للرقص المعاصر» تكرّم عبد الحليم كركلا

عربون شكر وتقدير لإنجازات مدى الحياة

عبد الحليم كركلا (إلى اليمين) خلال تكريمه
عبد الحليم كركلا (إلى اليمين) خلال تكريمه
TT

«مقامات للرقص المعاصر» تكرّم عبد الحليم كركلا

عبد الحليم كركلا (إلى اليمين) خلال تكريمه
عبد الحليم كركلا (إلى اليمين) خلال تكريمه

قدّمت «مقامات للرقص المعاصر» ضمن مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر «بايبود»، للفنان عبد الحليم كركلا، درع «إنجازات مدى الحياة» لعام 2017، برعاية وحضور دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، في حفل أقيم أمس، في متحف سرسق.
وقد حضر كل من وزير الثقافة الدكتور غطاس خوري، والوزير السابق الدكتور طارق متري، وعميد السلك القنصلي جوزيف حبيس، ومؤسس فرقة «مقامات للرقص المعاصر» و«مهرجان بيروت الدولي للرقص المعاصر - بايبود» الفنان عمر راجح، وميا حبيس مديرة المهرجان، ضمن فعاليات فنية عدة.
قدم الحفل الإعلامي يزبك وهبي، تلاه كلمة لراجح قال فيها: «أطلقنا عربون شكر وتقدير لإنجازات مدى الحياة، ذلك لأننا نؤمن بهذا الوطن وناسه، وننظر إلى مستقبل أفضل في ترسيخ الماضي وتطويره. لهذا السبب أطلقت (مقامات) أضخم مشروع لها منذ 2002، وبادرنا وغامرنا في بناء (سيتيرن بيروت)، ليكون في بيروت ولبيروت مسرحا فريدا من نوعه، يعكس أفكار هذه المدينة وناسها، ليصرخ أحلامهم وتطلعاتهم. مكانا للبحث والفن، مكانا للقاء والعمل، لتكريس أسس حياة ومنطق متجدد ومتجذر مبني على الانفتاح والتواصل والابتكار».
وأضاف: «فلنجعله ممكنا، ولنطمح مثل عبد الحليم كركلا في القفز بعيدا والتطوير المستمر، ونستلهم ونتمثل برموز كبيرة طورت وبنت، وأسست مداميك راسخة ومتجذرة في عالمنا الثقافي والاجتماعي والسياسي».
وأشاد راجح «بالفنان عبد الحليم كركلا بإدخال الرقص إلى عالمنا العربي وترسيخه وتطويره، وتأسيس حالة فنية ثقافية لم نشهد مثيلا لها. ندين له بزرع الإنسان فينا بقيمه وثقافته وإبداعه».
بعدها قُدّم تقرير مصور استعرض مسيرة مسرح كركلا وجولاته العالمية، تلاه كلمة ألقاها الشاعر الكبير طلال حيدر في المناسبة، شدد فيها على «الإرث الحضاري والثقافي، والإبداع الفني الراقص الذي استطاع أن يوصله مسرح كركلا إلى العالم».
وقال الحريري في كلمته: «مساهمة عبد الحليم كركلا لا (تنحسب) فقط بالرقص، بل هي مساهمة بالثقافة والفن عموما، وبدوره لتطوير بلدنا. فهذه المساهمة، كانت ولا تزال تذكرنا بأنه من مناعة بلدنا وبقائه، طاقات اللبنانيين واللبنانيات على الإبداع، والمبادرة والابتكار والريادة والفرادة».
وأضاف: «يشرفني أن أقوم بتكريم الفنان كركلا؛ لأنه هكذا نكرم بلدنا وكل هذه الطاقات الفريدة التي تعطينا دليلا إضافيا على أن هذا البلد سيبقى بلدا للجمال والسلام والعمل والإنتاج».
من جهته، قال كركلا: «اليوم نشهد مغامرة فريدة تحرض على المسيرة الإبداعية، بطلها عمر راجح وزميلته في الإبداع والنشاط الثقافي ميا حبيس. أنا فخور بك يا عمر. كنت مميزا بين زملائك، ولكنني لم أكن أعلم أن هناك جمالا آخر يكمن في ذاتك وطموحك. لغتك الفنية قد شقت الطريق في بحر الرقص المعاصر الذي هو جزء لا يتجزأ من مسيرة الحضارة واستمرارها. عظيم أنه أصبح لك دور في تنمية المواهب على طريق ورسالة الفن. الأمل كبير في قلوبنا مع هذا العهد الواعد».
في الختام، قدم كل من الحريري وراجح درعا تكريمية للفنان، عربون شكر وتقدير للدور الكبير الذي لعبه في الإبداع، والذي يشكل اليوم إرثا ثقافيا مهما للوطن.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».