سوق البخارية في جدة مركز أفضل أنواع السجاد في السعودية

نزحوا من بلدانهم هروبا من الآيديولوجية وأسسوا أشهر أسواق الجاليات

سوق البخارية في جدة مركز أفضل أنواع السجاد في السعودية
TT

سوق البخارية في جدة مركز أفضل أنواع السجاد في السعودية

سوق البخارية في جدة مركز أفضل أنواع السجاد في السعودية

يتجه الراغب في شراء السجاد إلى سوق حارة البخارية الشعبية، التي عرفت منذ أكثر من نصف قرن بجودة السجاد وكثرة المعروض منه، خصوصا في مواسم التسوق، مثل أواخر رمضان وأيام الحج وفترة الإجازات الصيفية.
وتتشكل السوق من شارع ضيق، تصطف محال بيع السجاد بأنواعه على جانبيه، تتخللها أفران بيع التميس الأفغاني ومحال بيع المكسرات الآسيوية، ويتجول رواده مشيا على الأقدام، بحكم ضيق المساحة وتقارب المحال بعضها من بعض، وتستقبل الداخل إلى الحي محال أواني الفخار التراثية ومستلزمات الأفران؛ من جرات الفول المعدنية وحواملها ومغارفها الحديدية الكبيرة، بينما يصادف في آخر جولته بالحي محال المفروشات التي تعرض منتجاتها خارج أبوابها لجذب المارة ولفت انتباههم.
وتعود تسمية السوق نسبة إلى مدينة «بخارى» التي دأب أهلها المشتغلون في التجارة على النزوح عنها لأسباب متنوعة، لعبت الأزمات السياسية الدور الأبرز فيها، فالمدينة أعيد بناؤها مرات عدة بعد خرابها في العصر الساماني وعصر المغول وعصر الثورة الشيوعية، وفي كل مرة تخرب فيها المدينة يغادر أهلها باتجاه آمن إقليم إسلامي، حاملين علما أو تجارة يعيشون منها. وتنقلت التبعية السياسية لها طوال تاريخها بين دول وممالك وجمهوريات عدة، حتى أعلن عام 1924 ميلاديا استقلال ونشوء جمهورية «بخارى»، التي سرعان ما انقسمت إلى جمهوريتي طاجيكستان، وأوزبكستان التي أصبحت مدينة بخارى جزءا منها. وتسبب هذا الانقسام، مع تسلط الروس على أهل المدينة، في بداية الهجرة قريبة المدى إلى أفغانستان وبعيدة المدى إلى المشرق الإسلامي، حيث بلاد الشام وبلاد الحرمين.
أسس البخاريون المهاجرون الأوائل سوقا تخصصت في التحف الشرقية والمشغولات اليدوية، عرفت باسم «سوق البخارية» بمدينة عمان عاصمة الأردن في عام 1934 ميلاديا، على يد كمال الدين البخاري الذي استقر بها عند عودته من أداء الحج بحكم أنها تقع على طريق الحجاج.
وفي جدة (غرب السعودية)، استقر البخاريون الهاربون من تسلط الشيوعيين الروس في بداية ومنتصف القرن العشرين في أحد أحيائها القديمة، ليأخذ اسمهم بعد ذلك بعقود، عندما وجه إبراهيم البرزنجي، مدير شرطة جدة، في الفترة بين 1971 و1975 ميلاديا بإطلاق اسم حارة البخارية على الحي الذي أصبح وجهة الراغبين في شراء السجاد بأنواعه.
وفي حديثه مع «الشرق الأوسط»، قال عبد الكريم خان، بائع بأحد محال السجاد في السوق منذ عشرين عاما: «عرفت السوق فترات ازدهار وفترات كساد طوال تاريخها، وكانت قبل 20 عاما مكونة من البساطين (الباعة المتجولين) وعدد قليل من المحال. وكان البيع مقتصرا على المفروشات والأطعمة البخارية، وتطور في السنوات الأخيرة بعد أن زاد الإقبال عليه حتى أصبح بعض التجار يستوردون سجادا مشغولا باليد يباع بأسعار تتجاوز 40 ألف ريال».
وأضاف: «منذ أكثر من خمس عشرة سنة، أصبحت السوق وجهة السجاد الأولى لدى كل شرائح المجتمع، فالأسر الثرية والدبلوماسيون الأوروبيون واللاعبون والمشاهير جاءوا خصيصا لهذه السوق لشراء السجاد».
من جهته، كشف حميد طاشكندي، صاحب أحد محال بيع السجاد، عن أن السجاد المبيع في السوق ينقسم إلى قسمين، محلي مصنوع بالماكينات الآلية، ومستورد مصنوع بأكمله في الخارج، سواء ما كان منه مصنوعا بالماكينات أو مشغولا باليد.
وأردف الطاشكندي: «تتفاوت أسعار المنتجات بحسب دول المنشأ وبحسب جودة الصناعة، فالسجاد الإيراني يعد الأغلى لاستخدام الصوف والحرير والقطن. ويتميز بنقوشه المستوحاة من الحضارة الإيرانية، بينما يعد السجاد الصيني الأرخص رغم حياكته المتقنة بسبب أنه يفقد رونقه مع مرور الزمن بخلاف السجاد الإيراني والكشميري والتركي».
وقدم حميد نصائح للراغبين في اقتناء السجاد: «أنصحكم بتلافي غسله خلال الأشهر الأولى من شرائه للمحافظة على وبره الناعم وألوانه، وينظف بعدها مرة في الأسبوع بالمكنسة الكهربائية، ويمسح بعد ذلك بقطعة من القماش مبللة بالماء، للابتعاد عن استعمال الفرشاة القاسية خشية التأثير على لونه ووبره».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».