الخيبة والضيق في استقبال مهجري مضايا والزبداني بريف إدلب

تضخم سكاني غير مسبوق داخل مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري

عناصر من فرق الانقاذ ومدنيون يبحثون عن أحياء في أحد المباني التي دمرت بفعل قصف طائرات النظام في حلب أمس (غيتي)
عناصر من فرق الانقاذ ومدنيون يبحثون عن أحياء في أحد المباني التي دمرت بفعل قصف طائرات النظام في حلب أمس (غيتي)
TT

الخيبة والضيق في استقبال مهجري مضايا والزبداني بريف إدلب

عناصر من فرق الانقاذ ومدنيون يبحثون عن أحياء في أحد المباني التي دمرت بفعل قصف طائرات النظام في حلب أمس (غيتي)
عناصر من فرق الانقاذ ومدنيون يبحثون عن أحياء في أحد المباني التي دمرت بفعل قصف طائرات النظام في حلب أمس (غيتي)

لم يكن مئات المهجّرين الذين تركوا في الأيام الماضية قراهم في محافظة ريف دمشق التي حاصرها النظام السوري لسنوات، يتوقعون أن يجدوا حياة هانئة وسعيدة في ريف محافظة إدلب بشمال غربي البلاد. وكان ريف إدلب المحطة الرئيسية لمعظم من تم تهجيرهم خلال الأشهر الماضية ضمن إطار «اتفاقات» قسرية بين مجموعات المعارضة وطرفي النظام وإيران.
إلا أن هؤلاء لم يفكروا لوهلة في أن يحنّوا لذلك الحصار القاتل، وذلك نظرا لما آلت إليه أوضاعهم من تشريد وخيبة، في غياب أي رعاية دولية أو أممية، واقتصار الجهود التي تبذل إنسانيا على منظمات محدودة القدرات لم تستطع أن تقدم لهم أكثر من خيمة أو غرفة صغيرة في مركز إيواء ليس أصلا إلا مدرسة تحولت صفوفها إلى قاعات يحتمي فيها آلاف المهجّرين.
أبو عبد الرحمن، ابن مضايا الواقعة في ريف دمشق، الذي وصل وعائلته الخميس إلى بلدة معرة مصرين في ريف محافظة إدلب الشمالي، ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق بين «جيش الفتح» والطرف الإيراني على إفراغ ما بات يُعرف بـ«البلدات الأربع» (مضايا والزبداني في ريف دمشق، والفوعة وكفريا في محافظة إدلب)، لم يستوعب حتى الساعة ما ستكون عليه حياته الجديدة التي فُرضت عليه فرضا لاضطراره إلى مغادرة بلدته خوفا من ملاحقته من قبل قوات النظام.
أبو عبد الرحمن الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن خيبة وأوضاع صعبة للغاية يرزح تحتها كما كل أهالي مضايا والزبداني الذين وصلوا إلى مدينة إدلب وريفها، أوضح أنّه يعيش حاليا وعائلته لدى أحد أقربائه الذي هُجّر في وقت سابق. ولفت إلى تضخم سكاني في المنطقة إلى حد أنه لم يعد هناك حتى منازل للإيجار. وأضاف: «عندما نزح المئات من قرى وبلدات ريف دمشق إلى مضايا، فتحنا لهم بيوتنا واستضفناهم لأشهر وسنوات، أما هنا فحتى لو أردنا أن ندفع إيجار منزل ما، فذلك غير متوفر والأسعار مرتفعة للغاية». وانتقد أبو عبد الرحمن، من ثم، عمل الجمعيات الإنسانية «التي لا تقوم إلا بتسجيل آلاف الأسماء، لتعطي بالنهاية مساعدات لـ20 شخصا وترحل» كما قال.
هذا، وأعد ناشطون إغاثيون في إدلب إحصائية، تمكنت «الشرق الأوسط» من الحصول عليها، لأعداد المهجّرين من البلدات الأربع، وثّقوا فيها خروج 8000 شخص بين مدني ومقاتل من الفوعة وكفريا، مقابل خروج 2925 مثلهم من مضايا والزبداني.
واللافت فيما أوردته الإحصائية هو فك النظام أسر 750 معتقلا وصل منهم إلى مناطق المعارضة 120 بينهم 20 امرأة، فيما وصل إلى مناطق سيطرة النظام 630 معتقلا سيعيشون هناك بعد تعهده بعدم اعتقالهم مرة أخرى.
وأكّد معاذ الشامي، الناشط في إدلب وريفها هذه المعلومات، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «جميع المعتقلين الذين جرى تحريرهم لم تتجاوز فترة اعتقالهم الأسابيع أو الأشهر، فيما كانت المعارضة تطالب بإخراج من مضى على احتجازهم سنوات، وهم إما معتقلون سياسيون أو ألقي القبض عليهم خلال خروجهم في مظاهرات مع اندلاع الثورة في عام 2011».
وتطرّق الشامي لأحوال المهجّرين الذين وصلوا إلى محافظة إدلب، فقال إن القسم الأكبر منهم يعيش حاليا في خيم تم نصبها على الحدود السورية التركية، أو في مدارس حُوّلت إلى مراكز إيواء في مدينة إدلب ومناطق ريفها. ثم أضاف: «هناك نحو 100 ألف مهجّر تستضيفهم محافظة إدلب التي ضاقت بهم وبأبنائها. هناك اكتظاظ سكاني غير مسبوق في ظل غياب تام للدول الصديقة للمعارضة وللشعب السوري، ما يجعل الوضع مأساويا بكل ما للكلمة من معنى».
جدير بالذكر أن «الاتفاق» الأخير بين النظام السوري والفصائل المعارضة – الذي وُقّع في دولة قطر – نص على أن يتم على مرحلتين: إجلاء جميع سكان الفوعة وكفريا وعددهم نحو 16 ألف شخص، مقابل خروج مَن يرغب من سكان مضايا والزبداني وبلدات أخرى في محافظة ريف دمشق، على أن يتم بالتزامن الإفراج عن 1500 معتقل من سجون النظام على مرحلتين.
ولقد بدأت العملية الأسبوع الماضي بإجلاء 5 آلاف شخص من الفوعة وكفريا و2200 من مضايا والزبداني. واستكملت الجمعة بدخول 46 حافلة تقل نحو 3000 من أهالي بلدتي الفوعة وكفريا إلى حلب، مقابل خروج 15 حافلة تقل نحو 500 مسلح مع عائلاتهم من الزبداني وسرغايا والجبل الشرقي إلى منطقة الراشدين بغرب حلب، الخاضعة لسيطرة المعارضة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».