بيروت تطلق النسخة الأولى من «جائزة الموسيقى العربية»

تشمل جميع فئات الموسيقى والفيديو كليب والأغاني

النسخة الأولى من «جائزة الموسيقى العربية»
النسخة الأولى من «جائزة الموسيقى العربية»
TT

بيروت تطلق النسخة الأولى من «جائزة الموسيقى العربية»

النسخة الأولى من «جائزة الموسيقى العربية»
النسخة الأولى من «جائزة الموسيقى العربية»

زحمة مواعيد ثقافية وفنية ورياضية هذا الأسبوع في بيروت، حيث تستضيف «ست الدنيا» الأحد المقبل 23 من الحالي، حدثا فنّيا بعنوان «جائزة الموسيقى العربية» الذي قرّر أصحابه إطلاق نسخته الأولى من العاصمة اللبنانية.
هذه الجائزة التي توزع في حفل ضخم يُستضاف في «كازينو لبنان»، يشارك في تقديمه كلّ من رزان مغربي ومحمد قيس ويخرجه إيلي عرموني، ستشمل تكريماتها مختلف فئات الأعمال الموسيقية المغناة والمعزوفة والمصوّرة. ومن المقرر أن تصبح الجائزة تقليدا سنويا، ويُنظّم حفلها كل سنة في واحدة من الدول العربية، مستهلّة أولى خطواتها من بيروت.
وتعتمد في هذه الجائزة التي تنظمها مجموعة «ميوزيك أور ميديا» لصاحبها جهاد المرّ والمتخصصة في الفنون والإعلام، معايير عالمية في اختيار الأسماء المتنافسة عليها. وهي تشمل أسماء مشاهير في عالم الموسيقى قدّموا أفضل ما عندهم طيلة عام 2016.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، أكّدت كارول مارون، مديرة الشؤون الفنية للشركة المنظمة للحدث، أنّ الجوائز اختيرت بموضوعية لا يترك مجالا للغشّ، خصوصا أنهم اعتمدوا على لوائح لتسع إذاعات في العالم العربي كمرجع لهم، وبينها من مصر والكويت والجزائر ولبنان والمغرب وتونس والإمارات وسلطنة عمان، ليكونوا على اطلاع وثيق بأهم الأعمال الفنية التي لاقت نجاحا ملحوظا طيلة عام 2016، كلّ حسب لائحة «التوب تن» التي يملكها. وأضافت: «لا لجنة حكم تعطي رأيها بالأعمال، إذ إنّنا ارتأينا أن تنبع نتائج الجائزة من واقع الأرض. وانطلاقا من هذ الأمر توزّعت النسب على أربعة أقسام: 25 في المائة منها وفقا للوائح الإذاعات التي ذكرتها، و50 في المائة وفقا لموقعين إلكترونيين («يوتيوب» وتطبيق «أنغامي»)، إضافة إلى 25 في المائة لتصويت الجمهور لهذا العمل أو ذاك عبر صفحتنا الإلكترونية الخاصة بالجائزة التي حدّدنا من خلالها أسماء الأعمال المشاركة في المسابقة».
أما الفئات التي ستشملها الجائزة المذكورة فتتنوع ما بين ظاهرة العام ونجم ونجمة البلد المضيف، وأفضل فنان وفنانة عربيين، وأغنية العام، وأفضل تتر مسلسل وفيلم، وأفضل ديو غنائي، وأفضل أغنية لفنان مصري، وأفضل أغنية لفنان خليجي، وأفضل أغنية لفنان من المغرب العربي، وأفضل أغنية لفنان من المشرق العربي. وتشمل أيضا فئات الفيديو كليب الأكثر مشاهدة على «يوتيوب» وأفضل فيديو كليب. وإضافة إلى جوائز فخرية وتكريمية ستقدّم الجائزة أيضا لشاعر وملحن العام، وكذلك لأفضل حفل غنائي ونجم التواصل الاجتماعي وأفضل ألبوم وكذلك للأغنية الأكثر استماعا وتحميلا، إضافة إلى أفضل أغنية مستقلّة.
الاستعدادات لإطلاق الحفل على قدم وساق، وقد أحيطت بسرية تامة لما تحمل من مفاجآت إن في ديكورات المسرح أو في أسماء ضيوفها من مشاهير العالم العربي.
لا تشبه «جائزة الموسيقى العربية» أيا من الجوائز التي اعتدناها في لبنان وحتى في بلدان عربية أخرى، بل هي أقرب في قالبها إلى الجوائز الغربية التي ترتكز بنتائجها إلى الأرض ورأي الجمهور. وتعلق مارون: «لا يمكنني أن أصفها بأنّها غربية الطابع مائة في المائة، ولكنّها دقيقة أكثر من غيرها». لن يستغرق الحفل أكثر من ساعتين كما ذكرت لنا كارول مارون، مشيرة إلى أنّه سيكون بمثابة استعراضات فنية يحييها ضيوف من بين المكرّمين وغيرهم. كما أنّ الحضور سيكتفي بمتابعة مجريات الحدث من على مقاعده في «كازينو لبنان»، من دون وجود موائد طعام تماما، كما يحصل في عروض المسرحيات والمهرجانات الكبرى.
أمّا الجائزة التي تطلّبت تدخّل خبراء ومختصين لحسم نتيجتها فهي فئة الأغنية المصورة (أفضل كليب غنائي)، لأمور تتعلّق بتقنية العمل وفكرته وكيفية تنفيذه.
وتوجد جائزة واحدة سترافق هذا الحفل سنويا، وذلك وفقا للبلد الذي يستضيفه، وتندرج تحت عنوان «جائزة نجم ونجمة البلد المضيف»، لأنّها بطبيعة الحال ستلحق نتائجها بالبلد الذي يستضيف الحفل كل عام.
ويذكر أنّ الحفل الخاص بـ«جائزة الموسيقى العربية» سيُنقل مباشرة على الهواء عبر شاشة «إم تي في» اللبنانية، وكذلك محطتا «سي بي سي» المصرية، و«الجزائرية» في الجزائر.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)