هناك تعاونات كثيرة بين الفن والموضة، وهي ليست وليدة الساعة بل علاقة تعود إلى بداية القرن الماضي توطدت مع الزمن. فقد ظهرت في بداية القرن الماضي مع ظهور الموضة تقريبا، وليس أدل على هذا من أعمال المصمم بول بواريه المستلهمة من أعمال الفنان المستشرق كريستيان لاكروا مثلا. ما يُحسب في هذه العلاقات ويجعلها مهمة من الناحية التاريخية أنها لا تُعبر عن أفكارهم ورؤيتهم فحسب بل تعكس أيضا ثقافة عصرهم، ما يجعلها قراءة مهمة في تغيراتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وغني عن القول: إن العلاقة في بعض هذه التعاونات بين الفنان والمصمم تتمازج مع بعضها ليُصبح الخيط بينهما رفيعا. فالمصمم أحيانا يرى نفسه كفنان ويتعامل مع أدواته على هذا الأساس لا سيما في مجال الـ«هوت كوتير»، والفنان يريد أن يجرب لغة جديدة بتعامله مع الموضة أو فقط يرغب في الاستثمار فيه حتى يُمول فنه. غني عن القول: إن بعض هذه التعاونات يعرف نجاحا ساحقا يسجله التاريخ، فيما تمر أخرى مرور الكرام ويتم نسيانها بعد فترة قصيرة. ورغم ذلك لا ننكر أنها في غالب الأحوال تجتهد في تكسير التابوهات والمتعارف عليه لتصل إلى أكبر عدد من الناس. من أشهر التعاونات تلك التي جرت بين جون كوكتو وسلفادور دالي مع كل من شانيل وإلسا سكياباريللي وكريستيان ديور في منتصف القرن الماضي. وطبعا لا يمكن التطرق إلى هذه النجاحات من دون ذكر تعاون إيف سان لوران مع الفنان أندي وورهول في عام 1974، أو اقتباسه من لوحات الفنان بيت موندريان في عام 1965 الذي أعطانا فستان «موندريان» كما أصبح يعرف حتى الآن.
ولا يختلف اثنان أن قوة هذه التعاونات تعززت في العصر الحديث مع تطور تقنيات الغرافيك والرسم الديجيتال، إذ من النادر أن نجد مصمما شابا لم يستلهم من أعمال فنان أو يتعاون معه، ولو في تصميم ديكور مكان العرض. عرض دار «فندي» الذي أقيم في روما على خلفية نافورة تريفي الشهيرة يشهد على هذا. فهو لا يزال على البال نظرا لفخامته وفنيته ورومانسيته وسحره الذي يجمع الماضي بالحاضر، بكل إمكانياته المادية.
فبمناسبة ميلاد الدار الـ90 وتزامنه مع افتتاح نافورة تريفي بروما أقامت «فندي» عرضها لشتاء 2017 على خلفية النافورة الشهيرة في حفل ضخم حضره أكثر من 500 ضيف استمتعوا بكل دقيقة فيه. ولم لا والدار هي التي تولت كل مصاريف الترميم؟ بيد أن سحر المكان لم يُلغ أو يُقلل من جمال الأزياء التي كانت في مستوى المناسبة من حيث رسماتها الرومانسية التي تبدو في كل قطعة وكأنها تحكي قصة متكاملة. تكتشف بعد العرض أنها كانت نتيجة تعاون مصمم الدار الإيطالية، كارل لاغرفيلد، إضافة إلى استلهامه من الآرت نوفو، أو الآرت ديكو.
فقد ظهرت مثلا رسمات لكل من كاي نيلسون وكايتي بايلي وشارلوت غاستو، تارة على فستان سهرة من الموسلين أو الحرير وتارة على معطف من الفرو، في صورة لا تترك أدنى شك أن الفن والموضة يمكن أن يُكملا بعضهما على شرط تم التعامل معهما بحرفية.
تاريخ حافل بالتعاونات الفنية
من إيف سان لوران وبيت موندريان إلى كارل لاغرفيلد وشارلوت غاستو
تاريخ حافل بالتعاونات الفنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة