متحف الفن في كابل يختزل بداخله تاريخ أفغانستان

الحياة تعود إلى ردهاته بعد استعادة كنوزه المنهوبة

المتحف الوطني الأفغاني الواقع في منطقة «دار الأمان» ({الشرق الأوسط})
المتحف الوطني الأفغاني الواقع في منطقة «دار الأمان» ({الشرق الأوسط})
TT

متحف الفن في كابل يختزل بداخله تاريخ أفغانستان

المتحف الوطني الأفغاني الواقع في منطقة «دار الأمان» ({الشرق الأوسط})
المتحف الوطني الأفغاني الواقع في منطقة «دار الأمان» ({الشرق الأوسط})

«الشعوب تبقى حية إذا احتفظت بتاريخها وثقافتها»، بهذه العبارة يستقبلك المتحف الوطني الأفغاني الواقع في منطقة «دار الأمان» بالقرب من قصر دار الأمان المدمر جراء الحروب الأهلية التي شهدتها المنطقة بين فصائل المجاهدين في تسعينات القرن الماضي. كنت على موعد مع المدير العام للمتحف، عمران خان مسعودي، متزوج وله ثلاثة أولاد لإجراء مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط» للحديث عن المتحف والآثار التاريخية التي يحتفظ بها، والمراحل التي مرت به منذ الغزو السوفياتي السابق في ثمانينات القرن الماضي، ثم سيطرة أحزاب المجاهدين على العاصمة كابل عام 1992، وما رافق ذلك من حرق للمتحف والعبث بمحتوياته ونهب خزائنه، وتعرضت مئات من القطع الفنية من الآثار التي هربت إلى دول الجوار، ومن هناك إلى دول العالم، إلى أن جاءت حركة طالبان فأقدمت على إغلاق المتحف وتكسير بعض من محتوياته، بحجة أنها أصنام يجب تدميرها وفقا للشريعة الإسلامية ومعتقدات دينية كانت تفسرها طالبان.
وعمل مدير المتحف مسعودي، موظفا في المتحف الوطني منذ 35 عاما، وهو خير شاهد على ما حل بالمتحف من مقتنياته من دمار ونهب على أيدي مسلحين, وجماعات التهريب في سنوات الحروب الأهلية.
يقول مسعودي إن عدد القطع الأثرية في المتحف وصلت في عام 1992 إلى مائة ألف قطعة أثرية، إلا أنه عند نشوب الحرب الأهلية في أفغانستان، تعرض المتحف إلى السرقة، حيث سُرقت منه آثار كثيرة وفي عام 1993 ضرب المتحف بالمدافع وانهار السقف.
وكشف مسعودي مدير عام المتحف الوطني الأفغاني أن المتحف تلقى معونات مادية من عدد من الدول، منها قبرص، لإصلاح الدمار الذي سببه القصف على المتحف. وقال إنه «في تلك الحقبة من الزمن سرقت 70 في المائة من محتويات المتحف».
وأشار إلى أنه عندما تولت طالبان الحكم في أفغانستان قامت بتدمير وتكسير ما تبقى من مجسمات في المتحف، حيث جرى تكسير ما بين 2500 إلى 3000 تحفة أثرية يعود تاريخها إلى القرن الخامس الميلادي، خلال عدة أشهر، وكان المتحف شبه مغلق أيام حكم طالبان.
وأوضح مسعودي أنه عندما شُكلت الحكومة الجديدة، وضعت خطة لإعادة بناء وحماية الآثار، حيث جرى بناء وإعادة إصلاح 500 قطعة أثرية، كما جرى التعاون مع فرنسا وإيطاليا والأمم المتحدة لإعادة الآثار المسروقة، كذلك جرى التعاون مع جمعية «ناشيونال جيوغرافيك», لوضع تصور عام لإعادة بناء المتحف، و«نحن نعمل على إعادة الوضع الطبيعي للمتحف، وذلك باستخدام أجهزة الحاسوب والاتصال بالجهات المعنية».
وبعد الإطاحة بحكومة طالبان عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، وتحديدا في نهاية عام 2002. وفي الإدارة المؤقتة عينت وزارة الثقافة والإعلام التي يتبع لها المتحف الوطني مسعودي مديرا عاما على المتحف تقديرا منها لخدماته الجليلة، وما قام به من أعمال بطولية تمكن من الاحتفاظ بآلاف القطع والآثار الفنية الثمينة من العبث والنهب في أماكن آمنة، إلى أن تشكلت حكومة انتقالية بقيادة الرئيس حميد كرزاي المنتهية ولايته، لتعرض تلك الآثار من جديد في المتحف، وبذلك استطاع مسعودي من حفظ تاريخ أفغانستان من خلال آلاف القطع الفنية التي يرجع تاريخها إلى خمسة آلاف سنة، وهو تاريخ حضاري عريق تفتخر بها أفغانستان ويفتخر بها الأفغان، غالبية الآثار التي يحتفظ بها في المتحف الوطني يرجع تاريخها إلى ثلاثة آلاف سنة، تشمل العصر الحجري إلى القرن العشرين، وهي من جميع المناطق الأفغانية، فبعض الآثار في المتحف هي من ولاية ننجرهار، التي تقع في شرق أفغانستان بالقرب من جبال تورا بورا، محاذية للحدود الباكستانية، وبعضها الآخر من ولاية تخار أو ما يعرف في التاريخ بـ«تخارستان»، في شمال أفغانستان، إضافة إلى بعض الآثار التي جمعت في المتحف من ولاية كابل (العاصمة)، وولاية بلخ، وعاصمة مزار الشريف التي تعدّ بمثابة عاصمة الشمال الأفغاني، لكن غالبية الآثار في هذا المتحف هي من ولاية نورستان الواقعة في شمال شرقي أفغانستان، وهي منطقة جبلية وعرة كان يطلق عليها في زمن الأمير عبد الرحمن خان أحد أمراء أفغانستان «كافرستان»، حيث كان سكانها وثنيين، ثم دخلوا في الإسلام فأطلق على ولايتهم «نورستان»، وجميع الآثار التاريخية من تلك المنطقة في المتحف الوطني تكون شاهدة على تاريخ تلك المنطقة وطبيعة الشعوب التي كانت تقطن تلك المناطق.
ويوضح مسعودي: «الآثار التاريخية في المتحف الوطني الأفغاني جمعت بمجهود علماء الآثار الأفغان والأجانب, لكن 70 في المائة من هذه الآثار نهبت وتعرضت للسرقة وإحراق جزء كبير من المتحف أيام الحرب الأهلية بين أحزاب المجاهدين بين عامي 1992 و1995.
وعن أيام سيطرة طالبان على كابل، قال مسعودي: «في الأيام الأولى كنت في كابل، وقبل أن تسيطر طالبان على العاصمة، قمت وبعض الزملاء الموظفين في المتحف، وبالتنسيق مع مسؤولين في وزارة الثقافة بإخراج بعض الآثار التاريخية الثمينة من المتحف ونقلها إلى أماكن آمنة، وهذا ظل سرا بيننا نحن فقط أردنا فقط أن نساهم في حفظ آثار أفغانستان، التي هي ملك للشعب من الاندثار والنهب أو التخريب، وبعد أن سقط نظام طالبان أخرجنا تلك الآثار التي لا تقدر بثمن، ونقلت مجددا إلى المتحف».
وأوضح مسعودي أن أول خطوة قامت بها الحركة هو أغلق المتحف وقامت بتكسير بعض المنحوتات التي كانت على شكل أجسام ظنا منها أنها تعارض الشريعة الإسلامية مثلما فعلت بصنم بوذا في ولاية باميان وسط أفغانستان، على الرغم من أن مثل هذه الآثار موجودة في جميع الدول الإسلامية والعربية. وقال مسعودي إن أفغانستان مليئة بالآثار الدفينة تحت الأرض، وهي بحاجة إلى استخراج هذه الآثار بطرق فنية, وغالبية الآثار الموجودة في المتحف هي من ولاية نورستان وولاية بلخ بالشمال وولاية غني أو غزنة في وسط البلاد. وعن الآمال في العثور على آثار جديدة من تحت الأرض، قال مسعودي: «نعم، بالتأكيد هنا ساحات شاسعة تعرفنا عليها بأنها تحتوي على آثار تاريخية ثمينة يرجع تاريخها إلى العصر الحجري، وهي بحاجة إلى علماء فنيين لاستخراجها بصورة فنية».
وأضاف مسعودي: «مع الأسف جرى إحراق جزء كبير من المتحف الوطني, ونهبت آثاره، وجرى العبث بمحتوياته، كما قامت مجموعات مسلحة غير مسؤولة بتهريب آثار المتحف إلى دول الجوار، وبيعها في أسواق وبأثمان رخيصة جدا. المتحف فَقَدَ تقريبا 70 في المائة من محتوياته أيام الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي».
وأوضح مسعودي أن نحو تسعة آلاف من تلك الآثار جرى استعادتها بالتعاون مع منظمة «يونيسكو», وشرطة الإنتربول، إضافة إلى تعاون كثير من الدول التي عثر فيها على آثار أفغانستان التاريخية. كما تعاونت كل من بريطانيا، والولايات المتحدة الأميركية، والنرويج، والدنمارك، والسويد، وألمانيا، وإيران، في استعادة الآثار المنهوبة.
وعن عدد الموظفين بالمتحف، أجاب مسعودي قائلا: «هنالك نحو 69 موظفا يعملون في المتحف الوطني، بعضهم تدرب حديثا في اليابان وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإيران وباكستان، لكننا ما زلنا بحاجة إلى كوادر ذات خبرة عالية في الآثار».
وعن مجموعة «آثار كنجينه باختر»، قال مسعودي: «هذه المجموعة من الآثار القديمة الثمينة التي جرى حفظها في آخر أيام حكم الدكتور نجيب الله. عندما عرفنا أن النظام على وشك السقوط قمنا مع مجموعة من المسؤولين بنقل مجموعة (كنجينه باختر)، وهي لا تُقدر بثمن، إلى تحت الأرض في مكان مجهول ظلت هناك حتى عام 2003، ثم جرى إخراجها بعد أن استقرت الأمور أمنيا وسياسيا. وهذه المجموعة الآن تنتقل من عاصمة أوروبية إلى أخرى لتعرض في الدول الأوروبية, ونقول من خلالها للعالم أجمع إن أفغانستان ليست كلها حروبا وانتحارا وانفجارا، فهي تملك تاريخا حضاريا عريقا, والبداية كانت من فرنسا، حيث عرضت تلك المجموعة من الآثار في باريس، ولقيت ترحيبا واسعا، ثم في إيطاليا وهولندا والولايات المتحدة الأميركية وكندا وألمانيا وبريطانيا, وهي الآن تعرض في أستراليا».
وعن مستقبل المتحف وآثار أفغانستان، قال مسعودي: «مع الأسف، هناك نحو 1200 موقع أثري معرض للخطر بسبب ضعف سيطرة الدولة على تلك المناطق، حيث تقوم مجموعات مسلحة غير مسؤولة باستخراج آثارها، وبيعها في الأسواق، لكنني في المجمل متفائل بأن أفغانستان ستعيد مكانتها التاريخية في المنطقة والعالم، من حيث قدرتها على جمع الآثار وعرضها وحفظها لتلك الآثار، فهي موروث شعبي مشترك لجميع الإنسانية بشتى أنواعها، صحيح أننا بحاجة إلى موظفين فنيين وكوادر وعلماء خبيرين في مجال الآثار، لكنني على يقين أننا سنتغلب على هذه المشكلة قريبا جدا».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».