نجل بيكاسو: فرنسا لا تهتم بتراث والدي

بعد تأجيل إعادة افتتاح متحف الفنان الإسباني في باريس

كلود نجل الفنان الإسباني بيكاسو
كلود نجل الفنان الإسباني بيكاسو
TT

نجل بيكاسو: فرنسا لا تهتم بتراث والدي

كلود نجل الفنان الإسباني بيكاسو
كلود نجل الفنان الإسباني بيكاسو

أكد كلود بيكاسو، نجل الرسام الإسباني الراحل بابلو بيكاسو، ما شاع عن تأجيل افتتاح المتحف الذي يضم جانبا مهما من أعمال أبيه ومتعلقاته في باريس.
وقال الابن الذي يتولى رسميا الإشراف على تركة أبيه، في مقابلة مع صحيفة «الفيغارو»، إنه لا يرى رغبة من فرنسا في إعادة افتتاح المتحف.
وكانت إعادة افتتاح متحف بيكاسو الذي يؤمه عشرات الآلاف من السياح كل عام، مقررة في الشهر المقبل بعد خمس سنوات من التصليحات.
وقابل كلود بيكاسو وزيرة الثقافة الفرنسية أوريلي فيليبيتي للاستفسار عن سبب التأجيل فردت بعدم وجود حراس وأن ورشة العمل قد تأخرت.
لكنه أكد لها أن المقاول قد أكمل العمل المطلوب في الموعد، الأسبوع الماضي، ودعاها لزيارة المتحف برفقته لكنها اعتذرت عن تلبية الطلب، مع العلم أن الوزيرة لم تزر الورشة من سنة ونصف السنة.
وأبدى الابن دهشته قائلا للصحيفة: «ألا يمكن العثور على حراس من هنا حتى الشهر المقبل؟».
وأضاف: «الحقيقة هي عدم وجود أي رغبة إيجابية لافتتاح المتحف وأن فرنسا غير عابئة باسم والدي وهي تعبث بي».
ومن المتوقع أن تثير تصريحات نجل بيكاسو رد فعل في الأوساط الفنية العالمية، لا سيما في إسبانيا، الموطن الأصلي للرسام، وكذلك في نيويورك ولندن وغيرهما من عواصم الفن والمتاحف الكبرى التي تتنافس على الفوز بأكبر حصة من أعمال الفنان الأشهر في القرن العشرين.
ومن المعروف أن متحف الفن الحديث في نيويورك، مثلا، والمعروف بـ«موما»، يستند في شهرته وفي استقطابه لملايين الزوار بفضل المجموعة المهمة التي يقتنيها من لوحات بيكاسو.
كتب كلود بيكاسو رسالة إلى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند حول الأمر، لكنه، حسبما كشف، تلقى منه ردا فضفاضا وشكرا على رسالته.
كما كتب إلى رئيس الوزراء الجديد مانويل فالس، الذي يعده أمله الأخير لأنه إسباني المولد، وهو في انتظار جوابه. وقد اتصلت بفالس، أيضا، ابنة بيكاسو من زوجته جاكلين، بعد شائعات عن نية لإلحاق متحف بيكاسو بمركز «بومبيدو» للفن الحديث في باريس. لكن رئيس الوزراء نفى الأمر.
شائعات أخرى كانت قد تسربت حول تدهور العلاقة بين آن بالداساري، رئيسة متحف بيكاسو، وبين فريق العاملين معها.
لكن نجل الفنان يرد بأن العلاقة المتدهورة بالفعل هي تلك التي تربطه بوزيرة الثقافة فيليبيتي التي تؤجل مواعيده معها من دون سبب وجيه، كما أنها ستكون مشغولة طيلة الأسبوعيين القادمين بفعاليات مهرجان «كان» السينمائي، الأمر الذي يزيد من نقمة كلود بيكاسو وغضبه إلى الحد الذي يدفعه إلى التساؤل حول مدى إدراك الوزيرة لدورها وهل هناك مشاريع ثقافية كبرى في فرنسا تسمح بتأجيل افتتاح متحف بيكاسو؟ وهنا، يبدو واضحا أن نجل الفنان يقصد انشغال الوزيرة بافتتاح مسرح خليفة بن زايد في قصر فونتينبلو الملكي، قرب باريس، وما رافق المناسبة من اهتمام.
يذكر أن كلود بيكاسو كان قد تبرع بمجموعة من الرسوم الفطرية التي كان والده يملكها لأعمال عدد من زملائه أو معاصريه الفنانين الكبار، أمثال سيزان وديغا ونان وبراك وماتيس وميرو، لتضم إلى متحفه الذي يحوي خمسة آلاف عمل مختلف لوالده، ما بين لوحة ومنحوتة وقماش وخزف ورسالة وصورة.
لكنه يهدد الآن بالتراجع عن المنحة في حال استمرار تأجيل افتتاح المتحف المعروف باسم «أوتيل ساليه» والواقع في حي «الماريه»، وسط باريس القديمة. وقد بلغت تكاليف الترميم والتجديد 52 مليون يورو، دبرتها رئيسة المتحف مدام بالداساري عن طريق جمع التبرعات وتنظيم جولات ومعارض لعدد من لوحات بيكاسو في أكثر من 20 مدينة في العالم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».