شهدت العاصمة الفرنسية الأسبوع الماضي دليلا حيا على التعاون الثقافي والحضاري من خلال معرض «نشأة متحف» الذي حل مقبلا من أبوظبي إلى قاعات متحف اللوفر بباريس. المعرض قدم للجمهور الفرنسي 160 قطعة من المجموعة الدائمة لمتحف «اللوفر أبوظبي» وشهد الافتتاح الرئيس الفرنسي والشيخ سلطان بن طحنون رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بالإمارات.
المعرض لمن زاره للمرة الأولى في جزيرة السعديات بأبوظبي ما زال يحتفظ برونقه خاصة أننا نطالع أعمالا لعمالقة الفن العالمي وقطعا لها تاريخ وتراث ممتد.
ولكن عرض المجموعة الفنية سبقه تصميم مبدع للمعماري الفرنسي جان نوفيل الذي حضر الافتتاح وكان لـ«الشرق الأوسط» حديث خاطف معه حول تصميم اللوفر أبوظبي ومشاريعه المقبلة في المنطقة. يقول «أعتقد أن ما يحدث في أبوظبي الآن هو شيء استثنائي فهذا المكان الثقافي الذي يضم مجموعة من المتاحف لا تبعد كثيرا عن بعضها ويمكن التجول بينها على الأقدام هو شيء استثنائي عالمي، فما فعلناه هو بناء آلية ثقافية ستجذب الكثير من الزوار وستلفت النظر على المستوى الدولي أيضا بسبب وجود أكثر من متحف بها».
ويلفت إلى أنه شارك في مشروع مماثل في برلين «نجحنا في القيام بذلك في برلين عبر تخصيص جزيرة لإقامة عدد من المتاحف بها». اللوفر أبوظبي هو المشروع الأول لنوفيل في الخليج وإن كان قد صمم برجا عملاقا في الدوحة. ولكن فيما يبدو ففي جعبة المصمم العالمي عدد من المشاريع المقبلة بعضها في منطقة الخليج وإن كان يتكتم على ذلك بسبب «جو التنافس» كما يقول، ولكننا على الأقل نعرف أنه بصدد تصميم مشروع ثقافي آخر في دبي.
نوفيل حرص على تفقد مجسم مشروع متحف اللوفر وأمضى وقتا في الحديث حول ما يعنيه المبنى له فهو يرى أن المتحف يتجاوز كونه «مكانا لحفظ القطع الفنية فقط، فهو مكان للتبادل الثقافي ومكان لإثارة المشاعر والتعلم وجزء لا يتجزأ من الحياة». ويضيف «أردنا لأبوظبي متحفا يحكي تاريخ العالم والعصر الذهبي لكل حضارة».
الملاحظ في تصميم اللوفر أبوظبي هو اعتماد التيمات العربية اللصيقة ببيئة الإمارات تحديدا، يعلق نوفيل في حديثه لجمهور الصحافيين «لم أكن أتخيل أن يكون المتحف في أبوظبي مجرد مبنى وجدران.. إنما هو متحف مرتبط بالتاريخ والتراث المحلي يحمل في جنباته دعوة الماضي وزيارة رموز المدينة العربية التراثية عبر مجموعة من التفاصيل المعمارية».
وربما من تلك التفاصيل القبة المنفرجة التي تهيمن على البناء وتستوحي القبة العربية ولكنها أكثر انخفاضا وهو ما يمنحها الطابع المعاصر. تبدو القبة كشبكة متلاصقة من سعف النخيل يتسلل الضوء من خلالها عاكسا أشكالا هندسية متقاطعة تمثل تنويعات على الظل والضوء. عناصر الصحراء تتبارى هنا لخلق المبنى، فنرى إلى جانب سعف النخيل، هناك الممرات المائية المستوحاة من نظام الأفلاج المستمد من الهندسة العربية القديمة ويشير إلى أن زوار المتحف سيمكنهم استخدام قوارب لزيارة الأجزاء المختلفة والذهاب للمطاعم. الماء المحيط بجزيرة السعديات والذي تم استخدامه كعنصر معماري داخل المتحف أيضا يبعث «إحساسا بالانتعاش» كما يشير نوفيل.
وحتى يفتتح اللوفر أبوظبي أبوابه للجمهور في ديسمبر (كانون الأول) 2015 سيكتفي الجمهور العربي والعالمي بمطالعة مجسم التصميم وبعض القطع الفنية التي ستحل داخل قاعات المبنى.
وحسب ما شهدناه في معرض «نشأة متحف» بنسختيه في أبوظبي العام الماضي وفي باريس هذا الأسبوع فالمعروضات تنوعت ما بين المنحوتات واللوحات العالمية لكبار الفنانين أمثال غوغان ومانيه وبيكاسو وكارافاجيو.
* متحف أورسيه يعير اللوفر أبوظبي 17 قطعة فنية
* جدير بالذكر أن مجموعة متحف اللوفر أبوظبي مستمدة من عدد من المتاحف الفرنسية وليس فقط من متحف اللوفر بباريس. فحسب الاتفاق الذي أبرم ما بين حكومتي الإمارات العربية المتحدة وفرنسا يقوم اللوفر أبوظبي باستعارة بعض القطع والتعاون مع 12 مؤسسة ثقافية فرنسية منها متحف اللوفر ومركز بومبيدو ومكتبة فرنسا الوطنية ومتحف أورسيه.
خلال جولة لـ«الشرق الأوسط» في متحف أورسيه رأينا عددا من اللوحات التي ستتخذ طريقها لأبوظبي (17 لوحة) لتنضم لمجموعة المعروضات لمدة عام كامل. من تلك اللوحات لوحة للفنان مونيه بعنوان «محطة قطارات سان لازار» وهي واحدة من سلسلة لوحات تناول فيها الفنان القطارات في فرنسا، وتقول إحدى القائمات على مشروع التبادل بين متحف اللوفر أبوظبي ومتحف أورسيه إن اللوحات تختلف في أسلوبها فبعضها يعكس تطور أسلوب مونيه في استخدام الألوان وتغلب الطابع التأثيري عليها، اللوحة الأولى تحمل الطابع التأثيري، الضبابية، الأشخاص غير محددي الملامح وحلقات الدخان الكثيف تغطي الكثير من المعالم خلفها. ولكن في لوحة سبقتها نرى المعالم واضحة ومحددة المعالم وهو ما تشير إليه وتعلله بتغير أسلوب الفنان من مرحلة زمنية لأخرى. وتعلق على الموضوع الذي اختاره الفنان مونيه عبر عن القطارات وأهميتها في الحياة المعاصرة في تلك الفترة كوسيلة يستخدمها السكان للهروب من المدينة إلى الريف أو لزيارة أماكن أخرى، نرى ذلك في أشخاص يجلسون على العشب يتناولون وجبة خفيفة أو في عائلة تطل من نوافذ عربات القطار في انتظار الوصول لمحطتهم.
من اللوحات الأخرى التي سيعيرها متحف أورسيه لمتحف اللوفر بأبوظبي لوحة الفنان الأميركي ويسلر الشهيرة، التي صور فيها والدته، فيها نلحظ تأثر الفنان بالأسلوب الياباني. نرى خلال الجولة أيضا أعمالا نحتية لديغا وغوغان ولوحات لسيزان وفان غوخ ومانيه، ونتخيل اللوحات في مقرها المؤقت في أبوظبي.

