الفسيخ والبصل الأخضر وجبة فرعونية قديمة في «عيد الشمو»

عادات وطقوس قدماء المصريين لا تزال مستمرة في احتفالات شم النسيم

الفسيخ والبصل الأخضر وجبة فرعونية قديمة في «عيد الشمو»
TT

الفسيخ والبصل الأخضر وجبة فرعونية قديمة في «عيد الشمو»

الفسيخ والبصل الأخضر وجبة فرعونية قديمة في «عيد الشمو»

عرف قدماء المصريين تقديم الورود والزهور للمحبوب أو المحبوبة والتعطر مع قدوم فصل الربيع، والاحتفال بـ«عيد الشمو» الذي يعرف حالياً باسم «شم النسيم»، كما احتفلوا بقرابة 167 مناسبة وحدثاً في العام، بحسب باحثين مصريين.
ويقول الآثاري، الدكتور محمد يحيى عويضة، إن المصريين يتفردون بعادات وطقوس، يعرفها المصريون حتى اليوم، في كل عيد للربيع، التي توارثوها عن أجدادهم القدماء، لا تزال مسجَّلَة على جدران كثير من الآثار في كثير من المدن التاريخية بمصر، مثل معبد الملك رمسيس الثالث، الذي يقع ضمن مجموعة معابد مدينة هابو الفرعونية، في غرب مدينة الأقصر، ومقابر النبلاء والأشراف، المنحوتة في جبل القرنة التاريخي، أو ما يُعرَف بجبانة طيبة القديمة في غرب الأقصر، أيضاً، التي تحتوي جدرانها وأعمدتها على رسوم ونقوش ولوحات تسجل طقوس قدماء المصريين في احتفالاتهم بحلول فصل الربيع.
ويقول الباحث المصري، فرنسيس أمين إن معابد ومقابر الفراعنة، في الأقصر، تصور الرجل وزوجته يجلسان في ظل شجرة، ويأكلان البصل، والسمك المملح، وخروج الزوج والزوجة والأبناء للتنزه والصيد، في فصل الربيع.
وأشار إلى أن قدماء المصريين، كانوا شعباً محباً للحياة، والخروج إلى الطبيعة، حريصاً على الاحتفال بكل المناسبات، حيث احتفل قدماء المصريين، بقرابة 167 مناسبة وحدثاً في العام.
وقال الآثاري علي رضا، إن احتفالات الفراعنة، بقدوم فصل الربيع، كانت عائلية جدا، وكان كبير كل عائلة، ورب كل أسرة، يدعو أفرادها للحضور والتجمع معاً، للاحتفال بقدوم الربيع، ونسمات هوائه، وأطعمته الخاصة، التي لا تزال معروفة لدى المصريين، مثل أكل البصل، الذي كان يُعدّ رمزاً للبعث والخلود.
وأشار إلى أنه من بين ما تسجله الآثار الفرعونية، عن كيفية استقبال قدماء المصريين لفصل الربيع، هو لوحات لموائد كبرى، وضع عليها السمك والخضراوات والفاكهة، ومن بينها البصل.
وأشار إلى أن آثار منطقة سقارة في الجيزة، تسجل طرق صناعة السمك المملح (الفسيخ) وكيفية تجفيف السمك، وتناوله، وأن مدينة إسنا التاريخية، بجنوب الأقصر، تعد أول مدينة عرفت تجفيف السمك في التاريخ.
ويضيف علي رضا أن عيد «الشمو» في مصر القديمة، حُرِّف إلى شم النسيم، وأن المصريين كانوا يخرجون في هذا العيد، إلى محيط أهرامات الجيزة، وحدائقها في ذلك الوقت، ويبقون بها حتى يشاهدوا غروب الشمس من فوق قمم الأهرامات، وأن المصري القديم، كان يكتب أمنياته على البيض الملون.
وأشار إلى أن السمك المملح كان يوضع بجوار جثامين الموتى، ليتناولوه عند عودتهم للحياة في العالم الآخر، وأن إحدى برديات «منف» تحكي أن أحد ملوك الدولة القديمة، أُصِيب بإغماء، وأن كبير الكهنة، أمر بوضع بصلة خضراء بجوار رأسه، فعاد إلى وعيه، ومن هنا عُرِفَت قداسة وأهمية تناول البصل الأخضر في مصر الفرعونية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».