الجسر الفكري لابن رشد

891 عاماً على مولد صاحب «تهافت التهافت»

الجسر الفكري لابن رشد
TT

الجسر الفكري لابن رشد

الجسر الفكري لابن رشد

حلّت في الرابع عشر من هذا الشهر الذكرى السنوية لمولد الفيلسوف العظيم أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، الذي ولد في قرطبة بالأندلس في عام 520 من الهجرة، عام 1126م، والمعروف في الثقافة اللاتينية باسم «Averroes»؛ بل إن عظمته دفعت بعض القديسين المسيحيين من أمثال «توما الأكوينيSt. Thomas Aquinas» أبرز المفكرين المسيحيين في القرون الوسطى إلى تلقيبه بلفظ «الشارح Commentator» لأسباب مرتبطة بثقابة فكره وعمق رأيه في كتبه وتعليقاته على الفيلسوف اليوناني أرسطو. وعلى الرغم من أن ابن رشد قد برع في كثير من العلوم الأخرى إلى جانب الفلسفة مثل الطب والفلك وغيرهما، فإن أثره المباشر بلغ أقصاه في مجال الفلسفة، لا سيما ما يتعلق منها بالدين واللاهوت والشريعة، في وقت كان فيه العالم في أشد الحاجة إلى أداة تسمح بالتوفيق بين العقل والدين، وهي قضية أساسية دفعت البعض إلى محاولة تجنيب الفلسفة؛ بل وتحريمها وتكفير ممارسيها، وإيثار التوجه نحو ثوابت الإيمان كالكتاب والأحاديث دون غيرهما، ولكن أفكار ابن رشد كانت حاسمة للوصل بين العقل والدين بحيث لا يوضع الإنسان في موضع تناقض بين عقيدته وعقليته.
واقع الأمر أننا لا نزال نقع في شرك العلاقة المتناقضة بين العقل والدين على أسس فكرية مرتبطة بأن الدين جامع مانع، ولا حاجة للعقل للدخول في مسرح العقيدة التي هي علاقة روحية في الأساس، وفق ما أورده مفكرون عظماء مثل أبي حامد الغزالي الذي نقض الفلسفة والمشتغلين بها، ووصل إلى حد تكفيرهم في كتابه الشهير «تهافت الفلاسفة»، مؤكداً أن الطريق إلى الله درب روحي في الأساس يربط بين الإنسان وبارئه عز وجل. وقد رد ابن رشد غيبة العقل، ودوره في الإيمان، من خلال كتابه الشهير «تهافت التهافت»، الذي يعد إلى جانب كتيبه الشهير «فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال»، رداً لاعتبار العقل ودوره في الإيمان قبل الدفاع عن الفلاسفة.
على الرغم من استحالة جمع أفكار ابن رشد وأثرها في مقال أو حتى كتاب، فإن التركيز على قضية العقيدة والعقل يمكن اعتباره أهم إنجازاته؛ حيث بدأ فرضياته على أساس فكرة واضحة؛ هي أن الله حق، والحق حقيقة محسومة ولا خلاف عليها، ومن ثم، فإن القرآن الكريم هو أيضاً حقيقة وبالتالي استحالة تناقضه مع حقائق أخرى توصل لها العقل وفقاً لمناهج فكرية ومنطقية ثابتة ومؤكدة، فالتوصل إلى الحقيقة عبر العقل يستحيل أن يتعارض مع النص الإلهي، فالاثنان حقيقة، وفي حالة ما إذا كانت هناك اختلافات بين النص والعقل، فإن الأمر مرتبط بفهمنا الخاطئ للنص الإلهي الذي لا غبار على صدقه وقدسيته، وكانت هذه الفرضية من الأساسيات التي دفع بها تهمة الكفر عن الفلاسفة.
ومن هذا المنطلق، يؤكد ابن رشد وجود ثلاث وسائل من التصديق لدى البشر وفقاً لقدراتهم العقلية، إما من خلال الخطابية Rhetoric، أو الجدلية Dialectic، أو البرهانية، فالمجموعة الأولى تمثل غالبية العامة وهم غالباً ما يؤمنون بالظاهر ويرفضون الباطن، أما المجموعة الثانية فهي التي لديها معتقدات تدافع عنها ولا يمكنهم إدراك الباطن، أما المجموعة الثالثة، أو البرهانيون، فهم قلة ومن أهل التأويل اليقيني من أصحاب العقول المستنيرة العالمة. وهنا يرد ابن رشد على العلامة الغزالي بقوله: «التأويل لدى الطبقتين الأوليين هو ما أفسد دينهم من وجهة نظره، وليس الفئة الثالثة؛ أي الحكماء والفلاسفة»، وهنا يرصد ابن رشد واحدة من أعظم جمله على الإطلاق بالتأكيد على أن «الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة، وهما (متحابان) بالجوهر».
واستناداً إلى وحدة المقصد بين الشريعة والحكمة، وهو الوصول إلى الحقيقة أو الحق، فإن السؤال حول ما إذا كانت الفلسفة جائزة، أم محرمة، أم واجبة، أصبح سؤالاً ملحاً على ابن رشد، فيرد عليه بتأكيد الأول، ونفي الثاني، ووجوب الثالث، فالتفكر ليس ممارسة حرمها النص، بل العكس وفقاً له هو الصحيح، واستند إلى عدد من الآيات التي أكد فيها المولى عز وجل على أهميتها؛ وعلى رأسها: «ادْعُ إلى سبيلِ ربِّكَ بالحكْمةِ والموعظةِ الحسنةِ وجادلْهم بالتي هي أحْسَن»، ومن ثم، فإن الحكمة واجبة، إضافة إلى وسائل أخرى أشارت إليها الآية الكريمة. وواقع الأمر أن هناك كثيرا من الآيات التي توجب علينا التفكر واستخدام العقل للوصول إلى الله سبحانه وتعالى، فالله حثنا على ذلك في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ (البقرة 266). ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (آل عمران 191). ومن هذا المنطلق، يؤكد ابن رشد وجود ما وصفه بأنه ظاهر وباطن، فالظاهر للعامة من الناس، أما الباطن فهو تلك المعاني التي لا تنجلي إلا لأهل البرهان من ذوي العقل والعلم، واستند إلى الآية الكريمة التي يقول فيها المولى عز وجل: «وما يعلمُ تأويلَهُ إلا اللهُ والراسخون في العلم»، و«العلم» هنا يراه ابن رشد على أنه من أوتي الحكمة والعقل لتدبر المعاني الأساسية التي أكد عليها المولي عز وجل، بالتالي فإن ابن رشد لم يترك المجال أمام العامة للتفكر؛ بل قصره على من يملك القدرات حتى لا يضل الطريق.
وعلى الرغم من أن فلسفة ابن رشد تضمنت كثيرا من الموضوعات، فإن قضية العلاقة بين العقل والدين كانت محورية كما ذكرنا، وهو ما جعل بعض المفكرين والمؤرخين ينظرون له باعتباره الأداة الفكرية التي عبرت من خلالها أوروبا الأزمة الدينية الحادة عندما وقفت الكنيسة في روما بالمرصاد للفكر والفلسفة واستخدام العقل للتقدم، من أجل الحفاظ على الموروث الديني المسيحي، بشكل أطلق يد محاكم التفتيش ومن قبلها المحاكم البابوية لوقف حركة الفكر والعلوم خوفاً من تناقضها مع الدين والتفسيرات المختلفة له على مر القرون، مستخدمين تهمة الهرطقة للتصدي لمن يخالف تأويلاتهم الدينية، فقد مثلت كتابات ابن رشد ركناً مهماً للأساس الفكري الذي بُنيت عليه حركة التحديث في أوروبا؛ حيث يعده البعض من أهم الأرضيات التي سمحت بظهور حركة «النهضة Renaissance» في أوروبا، التي سمحت بظهور التطور الثقافي والاقتصادي، ويعد مثال المفكر المسيحي «توما الأكويني» (الذي تم ترسيمه قديساً فيما بعد لعمق أثره على الكاثوليكية) في واقع الأمر مثالاً على الاستغلال الإيجابي للمبادئ العقلية لابن رشد لتقريب الفجوة بين العقل والدين، ومع ذلك، فلم تستطع الكنيسة في روما تعظيم الاستفادة من أفكارهما لتفادي حركة الإصلاح الديني التي اندلعت كالحريق في القرن السادس عشر.
حقيقة الأمر أن أهمية ابن رشد ليست في فكره فحسب، ولكن في حياتنا على حد سواء، فما أحوجنا اليوم إلى استلهام الرؤية في زمن لم يعد فيه الفكر رفاهية فلسفية أو تنزهاً عقلياً، فالأمر جد مهم يمس وجداننا بوصفنا موحدين ومؤمنين، فلقد قدم لنا ابن رشد ما عده «جسراً» يُمكنَّنا من فتح التحاور بين معتقداتنا كمسلمين وعقلنا كمستنيرين، دون التزام منا بحرفية آرائه بطبيعة الحال، فالله هو الحق، فلم ولن يتناقض كتابه مع العقل الذي وهبنا إياه وفضلنا به على كل المخلوقات. ومن هنا أهمية هذا الجسر الفكري للدفع قدماً، فسواء آمنّا بوسيلة المفكر العظيم «الغزالي» للوصول إلى الله سبحانه وتعالى، أو باستخدام آليات فكر ابن رشد، فإن النتيجة واحدة، وهي الوصول إلى المولى عز وجل، وهذا هو المقصد الأساسي.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.