بدء فصل التهجير الأخير من «البلدات الأربع»... بخروج آلاف العائلات إلى إدلب وحلب

مهجرة من مضايا لـ «الشرق الأوسط»: بين الأرض وحياة أبنائنا اخترنا الثانية

عدد من الحافلات التي وصلت إلى منطقة الراشدين غرب حلب ناقلة مدنيين من الفوعة وكفريا أمس (أ.ف.ب)
عدد من الحافلات التي وصلت إلى منطقة الراشدين غرب حلب ناقلة مدنيين من الفوعة وكفريا أمس (أ.ف.ب)
TT

بدء فصل التهجير الأخير من «البلدات الأربع»... بخروج آلاف العائلات إلى إدلب وحلب

عدد من الحافلات التي وصلت إلى منطقة الراشدين غرب حلب ناقلة مدنيين من الفوعة وكفريا أمس (أ.ف.ب)
عدد من الحافلات التي وصلت إلى منطقة الراشدين غرب حلب ناقلة مدنيين من الفوعة وكفريا أمس (أ.ف.ب)

سقطت كل الآمال التي بقي أهالي «البلدات-المدن الأربع» السورية متمسكين بها لعلها تبقيهم في منازلهم، وبدأ فصل التهجير الأخير والوداع الممزوج بالحزن والخوف والحرية في الوقت عينه، وذلك في اللحظة التي أعطيت صفارة الانطلاق ليلا للحافلات التي انتظرت ساعات طويلة في بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين بمحافظة إدلب ومدينتي مضايا والزبداني (غالبيتهما من السنة) بمحافظة ريف دمشق.
وبعد تأجيل نحو 30 ساعة عن الموعد الذي كان محددا يوم الأربعاء لبدء عمليات الإجلاء التهجيري، وصلت صباح الجمعة 75 حافلة و20 سيارة إسعاف آتية من بلدتي الفوعة وكفريا إلى منطقة الراشدين، التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة غربي مدينة حلب، وتنتظر حاليا لتكمل طريقها إلى المدينة، وفق ما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية، ومصدر في «الجيش السوري الحر» في إدلب.
وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إنه «عند نحو الساعة الثالثة فجرا انطلقت أول دفعة من الحافلات فيها نحو 5 آلاف شخص بينهم 1500 مقاتل منهم المئات من (حزب الله) متجهين نحو حي الراشدين في حلب». وتابع: «لم تكن لحظة الخروج سهلة على الأهالي أنفسهم كما على القرى المجاورة، هناك حالة غضب شعبي بسبب خطة التغيير المذهبي - الديموغرافي التي تحصل اليوم، لا سيما أن العائلات بقيت متمسكة بأمل البقاء في بيوتها حتى اللحظة الأخيرة وإيجاد حل لفك الحصار عن مناطقهم بدل ترك أرضهم».
وقال أبو حسين (في الخمسينات من العمر) أحد الخارجين من الفوعة «فور صعودي إلى الحافلة في الفوعة، انهرت تماما من الحزن وسقطت أرضا واضطروا إلى إسعافي، لم أستطع الاحتمال». وأكمل كلامه للوكالة - التي أجرت أخيراً حواراً مع رئيس النظام السوري بشار الأسد - «تورّمت عيناي من شدة البكاء. حال الناس في مضايا والزبداني مثلي تماماً، أي أحد يضطر إلى ترك بيته لديه شعور الحزن ذاته». وأعرب أبو حسين عن أمله في العودة قريبا «لكن لا أحد يعرف ماذا تخبئ له الأيام».
وعلى الضفة الأخرى من التهجير، في محافظة ريف دمشق حيث يشمل الاتفاق خروج عائلات من الزبداني ومضايا، خرجت صباح أمس، عشرات الحافلات من مدينة مضايا في وقت دخل عناصر من قوات النظام والميليشيات الموالية لها إلى المدينة، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، مشيرا إلى أن المسلحين جابوا أحياء المدينة برفقة «مسيرة مؤيدة للنظام». وقال سائق إحدى الحافلات الخارجة من مضايا لـ«الشرق الأوسط»: «اليوم (أمس) تم إجلاء المقاتلين وعائلاتهم من مضايا فقط ويبلغ عددهم نحو 2200 شخص على متن ما يقارب 60 حافلة على أن تكتمل عملية إخراج الأهالي من الزبداني غدا». من جهتها، قالت: «أم عبد الرحمن»، وهي إحدى النساء اللاتي تركن يوم أمس منزلهن في مضايا ليتّجهن إلى محافظة إدلب، لـ«الشرق الأوسط» بتأثر «لم يعد أمامنا إلا خيار المغادرة. لم نعد نحتمل الجوع والخوف الذي عشناه سنتين». وتؤكد الوالدة لأربعة أولاد، أكبرهم في سن الـ14 سنة وأصغرهم يبلغ أربع سنوات «بين خيار بيتي وأرضي... وخيار حياة أبنائي اخترت الثاني لعلني أنجح في ذلك وأن لا تكون إدلب محطة ثانية للقهر».
وقال أمجد المالح، أحد سكان مضايا للوكالة الفرنسية: «معظم الركاب هم من النساء والأطفال وسمح للمقاتلين الاحتفاظ بأسلحتهم الخفيفة». في حين ذكر مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن أنه خرج حتى الآن 5000 شخص من الفوعة وكفريا: «هم 3700 مدني و1300 مقاتل»، فضلا عن 2200 بينهم «ما لا يقل عن 400 مقاتل» من مضايا. وأشار إلى أن مقاتلي الفصائل في الزبداني الذين «لا يتجاوز عددهم 150 مقاتلا» ينتظرون إجلاءهم في وقت لاحق فيما اختار آلاف المواطنين في مضايا البقاء.
من جهة أخرى، وصف الطبيب محمد درويش، أثناء وجوده على متن إحدى الحافلات الخارجة من مضايا، حالة السكان المغادرين بـ«الضياع». وأردف «هناك فرح من كوننا تخلصنا من الأزمة، لكن الجو العام هو الكآبة والحزن والغضب (....) لا نعرف مصير الناس الذين تركناهم خلفنا، ولا نعرف مصيرنا». وتابع: «وكأن الناس تلقت صفعة على وجهها، الجميع في صدمة».
من بين الذين تم إجلاؤهم، بحسب درويش، نحو «20 حالة مرضية بينهم ثمانية يتم نقلهم في سيارات إسعاف». وأشار إلى وجود نساء حوامل ورجل بحاجة إلى جراحة في البطن وآخر إلى بتر أحد أطرافه. ولا تزال الحافلات وسيارات الإسعاف من الفوعة وكفريا تنتظر في منطقة الراشدين حيث يخرج الركاب بين الحين والآخر لقضاء حاجاتهم، ويوزع متطوعو الهلال الأحمر السوري المياه عليهم. وتقل سيارات الإسعاف، بحسب مصدر في الهلال الأحمر السوري في المكان: «31 جريحا ومريضا».
وأوضح أحد منسقي الاتفاق من النظام حسن شرف لوكالة الصحافة الفرنسية أن «أحد بنود الاتفاق ينص على أن التنفيذ يحدث بشكل متزامن، وبالتالي يجب أن تصل الحافلات (من الجهتين) إلى نقاط معينة قبل أن تكمل مسيرها». وبحسب شرف «سيتوجه أهالي كفريا والفوعة إلى مركز إيواء في مدينة حلب، ثم لاحقا قد يتم توزيعهم على عدد من المحافظات منها اللاذقية ودمشق وريف دمشق».
والمناطق الأربع محور «اتفاق» سابق تم التوصل إليه بين النظام والفصائل برعاية الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2015. ينص على وجوب أن تحصل كل عمليات الإجلاء بشكل متزامن. وينص «الاتفاق» الذي توصل إليه النظام والفصائل الشهر الماضي على إجلاء الآلاف على مراحل من بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين المحاصرتين من الفصائل المقاتلة في إدلب (شمال غربي سوريا)، ومن مدينتي الزبداني ومضايا المحاصرتين من قوات النظام والميليشيات الداعمة له في محافظة ريف دمشق. وكانت الأمم المتحدة نبهت مرارا من الوضع الإنساني الصعب الذي تعيشه هذه البلدات، فيما تعتبر المعارضة أن الاتفاقات تصل إلى حد التغيير القسري للتركيبة السكانية والتهجير المتعمد لخصوم النظام من المدن الرئيسية في غرب سوريا. وكان قد تأجل تنفيذ «اتفاق البلدات-المدن الأربع» لأسباب كثيرة بينها أن سكانها أعربوا عن تحفظاتهم. وبعد طول انتظار، بدأ تنفيذ المرحلة الأولى منه الأربعاء عبر تبادل الطرفين عدداً من المخطوفين.
ومن المتوقع بموجب الاتفاق إجلاء جميع سكان الفوعة وكفريا الذين يقدر عددهم بـ16 ألف شخص، مقابل خروج من يرغب من سكان مضايا والزبداني، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان».



اليمن يطالب بتوسيع التدخلات الأممية الإنسانية في مأرب

نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
TT

اليمن يطالب بتوسيع التدخلات الأممية الإنسانية في مأرب

نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)

طالبت السلطة المحلية في محافظة مأرب اليمنية (شرق صنعاء) صندوق الأمم المتحدة للسكان بتوسيع تدخلاته في المحافظة مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني للنازحين، وقالت إن المساعدات المقدمة تغطي 30 في المائة فقط من الاحتياجات الأساسية للنازحين والمجتمع المضيف.

وبحسب ما أورده الإعلام الحكومي، استعرض وكيل محافظة مأرب عبد ربه مفتاح، خلال لقائه مدير برنامج الاستجابة الطارئة في صندوق الأمم المتحدة للسكان عدنان عبد السلام، تراجع تدخلات المنظمات الأممية والدولية ونقص التمويل الإنساني.

مسؤول يمني يستقبل في مأرب مسؤولاً أممياً (سبأ)

وطالب مفتاح الصندوق الأممي بتوسيع الاستجابة الطارئة ومضاعفة مستوى تدخلاته لتشمل مجالات التمكين الاقتصادي للمرأة، وبرامج صحة الأم والطفل، وبرامج الصحة النفسية، وغيرها من الاحتياجات الأخرى.

ومع إشادة المسؤول اليمني بالدور الإنساني للصندوق في مأرب خلال الفترة الماضية، وفي مقدمتها استجابته الطارئة لاحتياجات الأسر عقب النزوح، بالإضافة إلى دعم مشاريع المرأة ومشاريع تحسين سبل العيش للفئات الضعيفة والمتضررة، أكد أن هناك احتياجات وتحديات راهنة، وأن تدخلات المنظمات الدولية غالباً ما تصل متأخرة ولا ترقى إلى نسبة 30 في المائة من حجم الاحتياج القائم.

وحمّل وكيل محافظة مأرب هذا النقص المسؤولية عن توسع واستمرار الفجوات الإنسانية، وطالب بمضاعفة المنظمات من تدخلاتها لتفادي وقوع مجاعة محدقة، مع دخول غالبية النازحين والمجتمع المضيف تحت خط الفقر والعوز في ظل انعدام الدخل وانهيار سعر العملة والاقتصاد.

آليات العمل

استعرض مدير برنامج الاستجابة في صندوق الأمم المتحدة للسكان خلال لقائه الوكيل مفتاح آليات عمل البرنامج في حالات الاستجابة الطارئة والسريعة، إلى جانب خطة الأولويات والاحتياجات المرفوعة من القطاعات الوطنية للصندوق للعام المقبل.

وأكد المسؤول الأممي أن الوضع الإنساني الراهن للنازحين في المحافظة يستدعي حشد المزيد من الدعم والمساعدات لانتشال الأسر الأشد ضعفاً وتحسين ظروفهم.

النازحون في مأرب يعيشون في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة (إعلام محلي)

وكانت الوحدة الحكومية المعنية بإدارة مخيمات النازحين قد ذكرت أن أكثر من 56 ألف أسرة بحاجة ملحة للغذاء، وأكدت أنها ناقشت مع برنامج الغذاء العالمي احتياجات النازحين وتعزيز الشراكة الإنسانية في مواجهة الفجوة الغذائية المتزايدة بالمحافظة، ومراجعة أسماء المستفيدين الذين تم إسقاط أسمائهم من قوائم البرنامج في دورته الأخيرة، وانتظام دورات توزيع الحصص للمستفيدين.

من جهته، أبدى مكتب برنامج الأغذية العالمي في مأرب تفهمه لطبيعة الضغوط والأعباء التي تتحملها السلطة المحلية جراء الأعداد المتزايدة للنازحين والطلب الكبير على الخدمات، وأكد أنه سيعمل على حشد المزيد من الداعمين والتمويلات الكافية، ما يساعد على انتظام توزيع الحصص الغذائية في حال توفرها.

خطط مستقبلية

بحث وكيل محافظة مأرب، عبد ربه مفتاح، في لقاء آخر، مع الرئيس الجديد لبعثة المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، عبد الستار يوسف، الوضع الإنساني في المحافظة، وخطط المنظمة المستقبلية للتدخلات الإنسانية خصوصاً في مجال مشاريع التنمية المستدامة والتعافي المجتمعي والحاجة لتوسيع وزيادة حجم المساعدات والخدمات للنازحين واللاجئين والمجتمع المضيف، وتحسين أوضاع المخيمات وتوفير الخدمات الأساسية.

وكيل محافظة مأرب يستقبل رئيس منظمة الهجرة الدولية في اليمن (سبأ)

وطبقاً للإعلام الحكومي، قدّم الوكيل مفتاح شرحاً عن الوضع الإنساني المتردي بالمحافظة التي استقبلت أكثر من 62 في المائة من النازحين في اليمن، وزيادة انزلاقه إلى وضع أسوأ جراء تراجع المساعدات الإنسانية، والانهيار الاقتصادي، والمتغيرات المناخية، واستمرار النزوح إلى المحافظة.

ودعا الوكيل مفتاح، المجتمع الدولي وشركاء العمل الإنساني إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية في استمرار دعمهم وتدخلاتهم الإنسانية لمساندة السلطة المحلية في مأرب لمواجهة الأزمة الإنسانية.

وأكد المسؤول اليمني أن السلطة المحلية في مأرب ستظل تقدم جميع التسهيلات لإنجاح مشاريع وتدخلات جميع المنظمات الإنسانية، معرباً عن تطلعه لدور قوي وفاعل للمنظمة الدولية للهجرة، إلى جانب الشركاء الآخرين في العمل الإنساني في عملية حشد المزيد من الموارد.

حريق في مخيم

على صعيد آخر، التهم حريق في محافظة أبين (جنوب) نصف مساكن مخيم «مكلان»، وألحق بسكانه خسائر مادية جسيمة، وشرد العشرات منهم، وفق ما أفاد به مدير وحدة إدارة المخيمات في المحافظة ناصر المنصري، الذي بين أن الحريق نتج عن سقوط سلك كهربائي على المساكن المصنوعة من مواد قابلة للاشتعال، مثل القش والطرابيل البلاستيكية.

مخيم للنازحين في أبين احترق وأصبح نصف سكانه في العراء (إعلام محلي)

وبحسب المسؤول اليمني، فإن نصف سكان المخيم فقدوا مساكنهم وجميع ممتلكاتهم، بما فيها التموينات الغذائية، وأصبحوا يعيشون في العراء في ظل ظروف إنسانية قاسية. وحذر من تدهور الوضع الصحي مع زيادة انتشار الأوبئة وانعدام الخدمات الأساسية.

وطالب المسؤول السلطات والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية بسرعة التدخل لتقديم الدعم اللازم للمتضررين، وفي المقدمة توفير مأوى طارئ ومساعدات غذائية عاجلة، إلى جانب المياه الصالحة للشرب، والأغطية، والأدوية.