مشاحنات بقرية في صعيد مصر تعكس عمق أزمة الأقباط

الكنائس قرعت أجراسها بلا مظاهر للاحتفال

مصريون يشاركون في قداس «الجمعة العظيمة» فى الكنيسة الإنجيلية بوسط القاهرة أمس (أ.ف.ب)
مصريون يشاركون في قداس «الجمعة العظيمة» فى الكنيسة الإنجيلية بوسط القاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

مشاحنات بقرية في صعيد مصر تعكس عمق أزمة الأقباط

مصريون يشاركون في قداس «الجمعة العظيمة» فى الكنيسة الإنجيلية بوسط القاهرة أمس (أ.ف.ب)
مصريون يشاركون في قداس «الجمعة العظيمة» فى الكنيسة الإنجيلية بوسط القاهرة أمس (أ.ف.ب)

احتوت سلطات الأمن المصرية أحداث عنف طائفي بين مسلمين ومسيحيين بقرية في صعيد البلاد، وأوقفت 15 متهما على خلفية الأحداث التي اندلعت إثر إقامة مسيحيي القرية قداسا في أحد المنازل.
وتعكس تلك الوقائع المعتادة عمق أزمة «الخطاب الديني» بعد أيام من هجومين انتحاريين استهدفا كنيستين في البلاد، ودفعا الكنيسة القبطية إلى إلغاء مظاهر الاحتفالات الدينية التي تمتد حتى يوم الأحد المقبل.
وفجر انتحاريان نفسيهما في كنيستين بالإسكندرية وطنطا بوسط الدلتا، ما خلف 45 قتيلا وعشرات الجرحى الأحد الماضي، خلال الاحتفال بأحد الشعانين. وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الحادث الذي استدعى خطابا رسميا يؤكد وحدة النسيج الوطني، في بلد تعد فيه المسيحية ثاني أكبر ديانة، ويبلغ تعداد معتنقيها نحو 10 ملايين بحسب تقديرات غير رسمية.
وشهدت قرية كرم اللوفي، بمركز سمالوط، شمال المنيا بصعيد مصر، اشتباكات وتراشقا بالحجارة، بعد أن أدى مسيحيو القرية قداس «خميس العهد» بمنزل أحد أقباط القرية.
وبين وقت وآخر تندلع أحداث عنف طائفي في مصر، على خلفية مخاوف مسلمين من بناء الأقباط كنائس جديدة، أو تحويل منزل إلى كنيسة.
وأقر البرلمان المصري العام الماضي قانونا لتنظيم بناء الكنائس، كان مأمولا أن يقضي على أحداث العنف التي تأتي على خلفية ترميم أو بناء الكنائس، لكن «لا يزال القانون عاجزا عن إنهاء الأزمة»، بحسب ما قاله مصدر كنسي تحدثت معه «الشرق الأوسط» أمس.
وقال النائب توحيد موسى، والذي تقع قرية كرم اللوفي داخل حدود دائرته الانتخابية، إن إقامة القداس في منزل أحد مسيحيي القرية ويدعى عيد متري، جاء بعد توافق مع الأمن وتوفير التأمين اللازم، لكن الأحداث اندلعت بعد الانتهاء من القداس، حيث رشق بعض الشباب المسلم الغاضب أقباط القرية بالحجارة ما أدى لعنف متبادل. وأضاف موسى لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأحداث تطورت مساء، حينما حرق بعض متطرفي الجانبين عششا وحظائر للطرف الآخر، لكن لم يسقط ضحايا».
ويسكن قرية كرم اللوفي نحو 900 مسيحي، وتقع أقرب كنيسة لها في عزبة على مسافة 4 كيلومترات منها، وأخرى في قرية الحتاحتة على بعد نحو 3 كيلومترات، بحسب موسى الذي رأى أن تلك الأزمات لن تتوقف إلا عبر إصدار أحكام رادعة بحق من يثبت ضلوعه في أحداث العنف تلك.
ويشكو الأقباط عادة من أن أحداث العنف الطائفي التي تندلع بسبب بناء الكنائس، أو على خلفيات اجتماعية أخرى، تعالج في إطار عرفي بعيدا عن ساحات القضاء.
وتأسس في مصر «بيت العائلة المصرية» في عام 2010، ويضم قيادات في الأزهر والكنيسة، وغالبا ما يتدخل بيت العائلة في معالجة الأزمات الطائفية، لإقرار الصلح في إطار عرفي.
وكثفت قوات الأمن من وجودها في القرية، كما شهدت القرية، بحسب قيادات محلية، انتشارا واسعا لفرق التدخل السريع والأمن المركزي، في مسعى للسيطرة على الأحداث. وقال مصدر أمني إن السلطات أوقفت 15 متهما. ودفعت وزارة الأوقاف المصرية بعدد من مشايخ الأزهر لأداء خطبة الجمعة في مساجد القرية، والحث على البعد عن الفتنة، ومنع التعدي على الآخر.
وشهدت مصر واحدة من أسوأ موجات العنف الطائفي في أعقاب فض اعتصام أنصار جماعة الإخوان المسلمين في أغسطس (آب) عام 2013، حيث أحرقت حينها 46 كنيسة في محافظات مختلفة، سجلت المنيا وحدها 65 في المائة من تلك الوقائع.
وخلال أجواء الاحتقان عقب فض اعتصامَي الإخوان، قال البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية عبارته التي رسمت خطه السياسي في الأزمة: «وطن بلا كنائس، خير من كنائس بلا وطن»، وهو الموقف الذي وجد صدى شعبيا لدى الأقباط حينها، لكن توالي أحداث العنف الطائفي ودخول الكنائس ضمن دائرة أهداف الجماعات الإرهابية أجج مشاعر الغضب لدى الأقباط.
وفي نهاية العام الماضي استهدف تنظيم داعش كنيسة في وسط القاهرة، ما خلف 28 قتيلا، كما قتل 7 مسيحيين في مدينة العريش بشمال سيناء على يد تنظيم داعش أيضا، ما دفع مئات الأسر المسيحية للنزوح من المدينة.
وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأحد الماضي، حالة الطوارئ على خلفية الهجومين الانتحاريين على الكنيستين، ضمن إجراءات أخرى للقضاء على الإرهاب، من بينها الإعلان عن تسجيل مجلس أعلى لمحاربة الإرهاب والتطرف، من المنتظر أن يعيد النظر في المناهج التعليمية لتنقيتها من الأفكار المتشددة.
ولم تؤثر الظروف الأمنية التي استدعت الدفع بالجيش لمعاونة الشرطة في تأمين البلاد، على أعداد المسيحيين الذين شاركوا في قداس الجمعة العظيمة، وقرعت الكنائس أجراسها بلا مظاهر احتفالية.
وترأس البابا تواضروس الثاني قداس الجمعة العظيمة، بالكنيسة الكبرى في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وسط تشديدات أمنية مكثفة، وتأمين من جانب قوات الشرطة العسكرية والمدنية.
وأعلن البابا تواضروس الثاني عدم استقبال زائرين يوم العيد، حتى لا تختلط مشاعر المهنئين مع المعزين، وطالب البابا الأقباط بزيارة أسر الشهداء والمصابين، مضيفا في عظته بقداس الجمعة العظيمة، أنه سيحدد موعدا آخر لاستقبال العزاء بعد العيد.



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).