جائزة صحافية جديدة في السودان باسم محجوب صالح

تكريماً لعميد الصحافة الحائز «القلم الذهبي»

صالح يسلم داؤود الجائزة
صالح يسلم داؤود الجائزة
TT

جائزة صحافية جديدة في السودان باسم محجوب صالح

صالح يسلم داؤود الجائزة
صالح يسلم داؤود الجائزة

أطلقت في الخرطوم جائزة صحافية سنوية يتنافس عليها الصحافيون السودانيون، وذلك أثناء حفل التكريم الذي نظمته مجموعة شركات دال الاستثمارية لعميد الصحافة السودانية «محجوب محمد صالح» ناشر ومؤسس صحيفة «الأيام»، وتحمل الجائزة اسمه «جائزة محجوب محمد صالح للصحافة السودانية»، تقديراً لإسهاماته في الصحافة السودانية، وهي الجائزة الأولى من نوعها في تاريخ الصحافة السودانية.
ويعد صالح الحائز على «القلم الذهبي» من رواد الصحافة السودانية، فقد عمل صحافياً منذ أربعينات القرن الماضي، وأسس مع زميليه بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان صحيفة «الأيام» إحدى أعرق الصحف السودانية في أكتوبر (تشرين الأول) 1953. وظل صالح يعمل على إرساء قيم حرية الكلمة والرأي طوال سني حياته، ولم يتخل عن مهنة الصحافة رغم أنه واجه كل أنواع الاضطهاد السياسي والرقابة والمصادرة والتأميم والتهديد والسجن، وأصدر كتابه «تاريخ الصحافة السودانية» من جزأين، ومؤلفات أخرى كثيرة.
منحه الاتحاد العالمي للصحافة جائزة «القلم الذهبي» لحرية الصحافة عام 2005؛ تقديراً لجهوده من أجل حرية واستقلال الصحافة لأكثر من نصف قرن من الزمان، ونال جائزة المنظمة العربية لحرية الصحافة، وجائزة فريدريش آيبرت لحقوق الإنسان، وجائزة مؤسسة «نايت والمركز الصحافي العالمي» بواشنطن 2006، ومنحته عدة جامعات شهادة الدكتوراه الفخرية، كما اختارته لجنة جائزة الروائي الطيب صالح العالمية شخصية عام 2017 الثقافية. ويعد بابه «أصوات وأصداء» من أكثر أعمدة الرأي استقراراً ومهنية في تاريخ الصحافة السودانية، كما أسهم صالح في تأسيس كثير من منظمات واتحادات الصحافيين الإقليمية والدولية.
وقال صالح في كلمته إن مجموعة شركات دال قصدت بتكريمه «تكريم الصحافة السودانية»، على دورها الخلاق لأكثر من قرن - (114) عاماً منذ تأسيس أول صحيفة سودانية - استغرقته في صناعة الرأي العام السوداني ونشر الوعي والاستنارة وبناء قواعد الحركة الوطنية السودانية، رغم الظروف الصعبة والقاسية التي واجهتها، وأضاف: «سعت الصحافة السودانية لنشر الوعي والاستنارة في ظروف صعبة وقاسية، وتولت قيادة العمل الوطني في أوضاع لم تكن فيها مؤسسة تقود العمل الوطني».
وأوضح صالح أن الصحافة السودانية تحملت المسؤولية الوطنية حتى اشتد عود الحركة الوطنية، وحين نشأت الأحزاب الوطنية كانت منبراً لها، وتابع: «واجهت الصحافة السودانية تحديات عظيمة، في ظل الاستعمار والأنظمة الانقلابية التي لا ترعى حرية الرأي، وتحملت تبعات كل ذلك ودفعت الثمن».
وقال صالح إن الصحافة السودانية تواجه تهديداً جدياً بسبب ظروف داخلية نتجت عن حصار الأنظمة السياسية لها، وإن استمرارها ونجاحها رهين بجهود تبذلها الصحافة والصحافيون في جميع الجهات، وظروف خارجية نتجت عن تحديات ثورة المعلوماتية والتواصل الاجتماعي والإنترنت على الصحافة الورقية، وأضاف: «الصحافة مؤسسة من مؤسسات الديمقراطية، ولا يمكن أن تتطور وتنجز إلاّ في الديمقراطية».
وسلم رئيس مجموعة شركات دال رجل الأعمال السوداني الشهير أسامة داؤود هدية رمزية تكريماً لصالح ودوره، وعقب ذلك قال مدير إعلام المجموعة عمر عشاري إن مجموعته أطلقت على الجائزة اسم «جائزة محجوب محمد صالح للصحافة السودانية»، تقديراً لأدوار الرجل الكبيرة في تأسيس وإرساء وتطوير العمل الصحافي، وإعلاء شأنه خلال حقب مختلفة من تاريخ البلاد، ولارتباطه بقضايا الوطن والمواطن من أجل التنمية والتقدم الاجتماعي والمساواة في جميع الحقوق.
وأوضح عشاري أن مجموعته أعلنت الجائزة ليتنافس عليها الصحافيون في مختلف ضروب العمل الصحافي سنوياً، وتستهدف بذلك دعم روح التنافسية بين الصحافيين، وتطوير ودعم الصحافة السودانية، وأضاف أن مجموعته ستعمل خلال الفترة القريبة المقبلة وعن طريق لجان مختصة مكونة من إعلاميين بوضع شروط الجائزة وقيمتها المادية والمعنوية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».