مهرجانات أعياد بيروت تُطلق برنامج حفلاتها للصيف

يفتتحها كريس دي بيرغ وتستعيد زمن السبعينات مع «بنت الجبل»

وزير الثقافة غطّاس خوري ووزير السياحة افيديس كيدانيان مع الممثلين آلين لحود وبديع أبو شقرا
وزير الثقافة غطّاس خوري ووزير السياحة افيديس كيدانيان مع الممثلين آلين لحود وبديع أبو شقرا
TT

مهرجانات أعياد بيروت تُطلق برنامج حفلاتها للصيف

وزير الثقافة غطّاس خوري ووزير السياحة افيديس كيدانيان مع الممثلين آلين لحود وبديع أبو شقرا
وزير الثقافة غطّاس خوري ووزير السياحة افيديس كيدانيان مع الممثلين آلين لحود وبديع أبو شقرا

مرة جديدة سيكون اللبنانيون على موعد مع عدد من نجوم الفن اللبنانيين والعالميين، وذلك ضمن «مهرجانات أعياد بيروت» لعام 2017.
للسنة السادسة على التوالي تحيي هذه المهرجانات سلسلة من الحفلات الفنيّة، تبدأ بالتوازي مع موسم عيد الفطر في 11 يوليو (تموز) لتنتهي في 3 أغسطس (آب) المقبلين.
وللمرة الأولى منذ بداياتها حتى اليوم، قرر القيمون على هذه المهرجانات تخصيص ليلتي 20 و21 يوليو، للمسرح اللبناني، من خلال تقديم مسرحية «بنت الجبل» للمخرج روميو لحود. هذه المسرحية التي سبق وقدّمت على مسرح الفنون في مدينة جونية لمدة 5 أشهر متتالية، من بطولة آلين لحود وبديع أبو شقرا، وهي النسخة المعدّلة للمسرحية نفسها التي لعبت بطولتها الراحلة سلوى القطريب لمرتين متتاليتين من عامي 1977 و1988. وسنستعيد خلال هذا العمل المسرحي المقتبس عن القصة العالمية لجورج برنارد شو (بيغماليون)، «أغاني عالبال» مثل «قالولي العيد بعيوني» و«خلف البحر شوفي» و«يا أستاذ الأبجدية».
فخلال مؤتمر صحافي عقد في فندق فينيسيا وسط بيروت، حضره كل من وزيري السياحة والثقافة افيديس كيدانيان وغطّاس خوري وحشد من أهل الإعلام، إضافة إلى أصحاب الشركات الثلاث المنظمة للمهرجان (ستار سيستم وتو يو تو سي وبرودكشن فاكتوري)، أعلن عن برنامج مهرجانات «أعياد بيروت» في نسختها السادسة. ويتضمن 7 حفلات فنية يفتتحها المغني العالمي كريس دي بيرغ في 11 يوليو، ويقدم خلالها أشهر أغانيه، وبينها «لايدي إن رد وسايلور»، وترافقه على المسرح فرقته الموسيقية. والمعروف أن المغني البريطاني الأصل كان قد أدى أغنية ثنائية منذ أعوام عدة مع الفنانة إليسا بعنوان «ليالي لبنان» (Lebanesenight)، مما جعله يملك شعبية لا يستهان بها في بلد الأرز.
أمّا الحفلة الثانية التي ستشهدها بيروت في هذا الإطار، فستكون مع المغني الكندي الأصل ماريو بيلشا، الذي سيحيي في 12 يوليو المقبل، حفلة يقدم فيها إضافة إلى أغانيه المعروفة تحية تكريمية للفرنسي الراحل جيلبير بيكو. فيعيدنا إلى أجواء زمن الفن الجميل بين الستينات والسبعينات من خلال أغانٍ شهيرة لبيكو صاحب لقب الـ«100000 فولت» تيمناً بصوته الرنان والقوي. ومعه سيردّد اللبنانيون أغاني مشهورة كـ«ناتالي» و«لينديفرانس» و«l’important c’est la rose» وغيرها.
أمّا محبي وائل كفوري فهم على موعد معه في 22 يوليو، ضمن حفلة يؤدّي فيها باقة من أغانيه القديمة والجديدة.
وفي 25 يوليو المقبل، سيشهد مسرح أعياد بيروت ودائماً في مركز بيال وسط العاصمة، ليلة كوميدية بامتياز من خلال استضافته فريق «نادي جمال الكوميدي». ومع هذا الفريق الذي أسّسه الكوميدي الفرنسي الشهير المغربي الأصل جمال دبّوز، سيمضي اللبنانيون ساعات من الضحك المتواصل مع 6 ممثلين معروفين بحرفيتهم في فنّ «الستاند آب كوميدي»، وبينهم جايسون بروكرز ووالي ضيا وأحمد سبارو وفاضلي كامارا.
ومسك ختام المهرجان سيكون مع إليسا التي صارت إطلالتها على مسرح «أعياد بيروت» موعداً سنوياً ينتظره محبّوها من عام لآخر، للاستماع إلى أشهر أغانيها القديمة والجديدة، إضافة إلى أخرى تؤديها للراحلتين وردة الجزائرية وسلوى القطريب وفيروز.
وقال وزير السياحة افيديس كيدانيان في كلمة ألقاها خلال المؤتمر، إنه فخور بالشباب اللبناني الذي يجهد في تسليط الضوء على لبنان الثقافة والفن، أمثال القيمين على تنظيم مهرجانات «أعياد بيروت»، مشيرًا إلى أنه وحسب توقعاته سيكون صيف لبنان واعداً وسيشهد حفلات ومعارض ومهرجانات عدّة.
من ناحيته، فقد أشار وزير الثقافة غطاس خوري الذي وصل إلى المؤتمر متأخراً نصف ساعة عن موعده، إلى أن وزارة الثقافة ستكون حاضرة دائماً وأبداً لمساعدة هذا النوع من المهرجانات، آملاً بأن تكون هذه الانطلاقة فاتحة خير على البلاد بأجمعها.
وكان للفنان روميو لحود كلمة ذكر فيها أن اختياره للمشاركة في «مهرجانات أعياد بيروت» جاء عن سابق تصميم وتصور، إذ إنه يفضله عن غيره من المهرجانات، على الرغم من ارتباط اسمه ارتباطاً وثيقاً بمهرجانات أخرى كمهرجانات بعلبك الدولية. وقال: «لقد سبق وعرضنا هذه المسرحية في جونية ورغبنا في عرضها في العاصمة لفتح المجال أمام كثيرين من اللبنانيين في مناطق بعيدة مثل الشوف وصيدا والجبل، لمشاهدتها، بعد أن كانوا قد وجدوا صعوبة في الوصول إلى المسرح في جونية بسبب زحمة السير وبعد المسافة عن مقر إقامتهم».
ورأى صاحب شركة «ستار سيستم» أمين أبي ياغي، أنه من الممكن أن يشهد المهرجان تعديلات طفيفة في برنامجه، بحيث تضاف أسماء فنية جديدة على برنامجه يعلن عنها في حينها.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)