{روبوتات} تقرأ أفكار الإنسان وتصلح أخطاءها

تستقبل الإشارات من المخ

{روبوتات} تقرأ أفكار الإنسان وتصلح أخطاءها
TT

{روبوتات} تقرأ أفكار الإنسان وتصلح أخطاءها

{روبوتات} تقرأ أفكار الإنسان وتصلح أخطاءها

تخيل أن هناك «روبوت» منهمكاً في ترتيب مجموعة من الصناديق داخل مخزن، عندما تقع عيناه فجأة على أحد الصناديق الموجود في كومة خاطئة. وعليه، يتوجه الروبوت ليعيد الصندوق إلى مكانه الصحيح. كيف تمكنت الآلة من الإدراك أنها اقترفت خطأ؟
في هذه الحالة، لم يتدخل الرئيس البشري للروبوت بأي صورة ليعدل سلوك الأخير ويدفعه لإصلاح الخطأ. ولم يتفوَّه هذا الرئيس البشري بكلمة، وإنما اكتفى بنظرة باتجاه الصندوق الخطأ، وأدرك الروبوت حينها الخطأ الذي وقع فيه. أما الأخير، فنجح في فهم ما دار في ذهن الرئيس البشري وإصلاح خطئه.
* التحكم بواسطة المخ
ربما يبدو هذا أقرب إلى فيلم خيال علمي، لكنه حقيقة الأمر أصبح اليوم قريباً للغاية من الواقع. وكانت مجموعة من العلماء من جامعة بوسطن ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من المتخصصين بمجال علوم الكومبيوتر ومختبر الذكاء الصناعي تعاونت معاً في محاولة لتطوير روبوتات يمكن التحكم فيها عبر المخ.
ويتمثل هدف المشروع في جعل الروبوتات بمثابة امتداد طبيعي للبشر على نحو أكبر، بحيث تتحول العلاقة بين البشر والروبوتات إلى نوع من الشراكة على نحو أكبر.
وقال فرانك غونثر، بروفسور العلوم العصبية بجامعة بوسطن: «تنقلنا هذه العملية خطوة أقرب إلى التفاعل السلس بين الروبوتات وبني البشر. وأعتقد أن هذا الأمر سوف يمكِّن البشر من التفاعل بسهولة مع مجموعة من الروبوتات في آن واحد».
جدير بالذكر أن المشروع الذي يجري العمل به منذ عامين، يرمي إلى تمكين روبوت من رصد إشارة معينة يصدرها المخ البشري تشير لرصد خطأ ما.
وفي إطار المشروع، أوضح غونثر أن الشخص المشارك في الشراكة البشرية - الآلية يرتدي قلنسوة مزودة بمجسات خاصة بتخطيط موجات الدماغ تتولى مراقبة وتسجيل نشاط مخ المستخدم.
وتمكن خوارزميات التعلم الآلي «نظاماً لرصد ردود الفعل» من تحديد أمواج المخ، مثل الإشارات التي تصدر عن المخ البشري لدى رصد خطأ ما، في غضون ما يتراوح بين 10 و30 مللي ثانية.
بعد ذلك، يلتقط الروبوت هذه الإشارة ويصحح أخطاءه بناءً عليها. وعن هذا، قال غونثر: «اتضح أن مسألة ملاحظة وقوع خطأ تؤدي إلى انطلاق إشارة قوية نسبياً من المخ بمقدورنا التقاطها خارج فروة الرأس من خلال مجسات تخطيط أمواج الدماغ. ويطرح هذا مثالاً على قراءة المخ البشري بالاعتماد على تقنية آمنة تماماً وغير تدخلية».
* تجربة ذكية
خلال التجربة، صدرت أوامر إلى الروبوت بالتقاط واحدة من كأسين. ويجري إخطار المراقب البشري بأي الكأسين يتعين على الروبوت التقاطه. وحال عدم التقاط الروبوت الكأس الصحيحة، فإنه حينها سيتعرف على إشارة تصدر عن المخ البشري توحي بأن الروبوت اقترف خطاً. في هذه اللحظة، سيتوقف الروبوت ويصلح ما فعله ويتجه نحو التقاط الكأس.
وفي بيان لها، قالت الباحثة ستيفاني غيل، من معهد علوم الكومبيوتر والذكاء الصناعي: «بمقدور هذه الإشارات تحسين مستوى الدقة بصورة دراماتيكية، وخلق حوار مستمر بين البشر والروبوت في إطار التواصل بخصوص الخيارات المتاحة».
وقد يجري نقل هذه القدرة ذات يوم إلى روبوتات تعمل داخل المنزل أو مؤسسة ما.
ونقلت مجلة «كومبيوتر وورلد» عن غوثنر أنه «من خلال نظام يمكن للعامل ارتداؤه، باستطاعتنا استغلال المعلومات الواردة من مخ المستخدم دون الاضطرار إلى فعل أي شيء. إنها عملية لا تحتاج إلى أدنى مجهود من قبل المستخدم، وإنما كل المطلوب منه مراقبة ما إذا كان خطأ ما وقع».
واعترف غوثنر أن مسألة وجود روبوتات قادرة على قراءة المخ البشري قد يثير قلق وتوتر البعض، لكنه أوضح أن هذه ليست القضية الرئيسة في الوقت الراهن. وأضاف: «يتطلب هذا النظام مجموعة بالغة التعقيد ومرتفعة التكلفة من المعدات لقراءة مثل هذه الإشارات. إننا في اللحظة الراهنة لم نقترب بعد من بناء نظام قادر على قراءة عقل شخص ليس لديه استعداد للمشاركة. إن هذه التكنولوجيا غير معنية بقراءة أفكار الناس عشوائياً، وإنما فقط أولئك الذين يرتدون الجهاز الذي يسمح بحدوث ذلك». ويعكف الباحثون الآن على محاولة تعزيز جانب الخوارزميات وتعزيز كفاءة النظام.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».