إسرائيل تحول القدس إلى ثكنة عسكرية مع بدء الأعياد اليهودية

اقتحامات متزايدة للأقصى... والخارجية الفلسطينية تشبه ما يجري بإعادة احتلال

يهود متدينون يحرقون مواد مخمّرة استعداداً للاحتفال بعيد الفصح في القدس القديمة (أ.ب)
يهود متدينون يحرقون مواد مخمّرة استعداداً للاحتفال بعيد الفصح في القدس القديمة (أ.ب)
TT

إسرائيل تحول القدس إلى ثكنة عسكرية مع بدء الأعياد اليهودية

يهود متدينون يحرقون مواد مخمّرة استعداداً للاحتفال بعيد الفصح في القدس القديمة (أ.ب)
يهود متدينون يحرقون مواد مخمّرة استعداداً للاحتفال بعيد الفصح في القدس القديمة (أ.ب)

كثف مستوطنون متطرفون من اقتحامهم للمسجد الأقصى، مع بدء الاحتفالات في إسرائيل بعيد الفصح اليهودي، وحاولوا مجدداً «ذبح قرابين» داخل ساحات المسجد، في تحدٍ كبير لمشاعر المسلمين الذين منعوا غالباً من الدخول.
واقتحم مستوطنون أمس المسجد الأقصى على دفعات، تحت حراسة مشددة من القوات الإسرائيلية، ونفذوا جولات في المسجد وأقاموا طقوساً تلمودية، فيما امتلأت أزقة البلدة القديمة في محيط المسجد بمستوطنين آخرين، أقاموا خياماً لدعم المقتحمين، وتضمن ذلك تقديم الطعام والشراب لهم.
وحشد المستوطنون بعد دعوات مختلفة من منظمات «الهيكل»، لاقتحام الأقصى وتقديم «قرابين الفصح» التي يفترض أن يذبحوها داخل المسجد.
وقال رئيس «منظمة عائدون لجبل الهيكل»، رفائيل موريس، إن الجميع مدعوون لتقديم القرابين.
وفعلاً أحضر مستوطنون بعض الذبائح في اليومين الماضيين، لكن الشرطة الإسرائيلية منعتهم خشية تفجر الأوضاع الأمنية.
وطالما فجرت اقتحامات الأقصى مواجهات واسعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تسببت لاحقاً في اندلاع انتفاضات.
ويقول المسلمون إن الأقصى بكامل أرضه هو وقف إسلامي خالص، ويقول اليهود إنه بني على أنقاض «الهيكل».
واعتقلت الشرطة الإسرائيلية في البلدة القديمة أمس، مستوطناً يهودياً كان يخطط لذبح جدي أحضره في باحة المسجد الأقصى، وهذا ثامن مستوطن يعتقل في يومين، بعدما اعتقلت الشرطة الأحد، 7 مستوطنين من اليهود للسبب نفسه.
وكان مسؤولون ورجال دين وفصائل، دعوا الفلسطينيين من أجل النفير للأقصى لحمايته من الاقتحامات، لكن إسرائيل أغلقت الضفة الغربية وحولت القدس إلى ثكنة عسكرية، ونصبت مزيداً من المتاريس والحواجز على بوابات المسجد، ومنعت الشبان من دخوله، واعتقلت كثيراً منهم.
ورفضت وزارة الخارجية الفلسطينية، الإجراءات الإسرائيلية، في القدس، والمتزامنة مع الأعياد اليهودية، قائلة إن إسرائيل تكثف قواتها العسكرية وشرطتها وعناصر أمنها في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتتعمد فرض طوق أمني مشدد على الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، وبشكل يترافق مع رفع ما يسمى «حالة التأهب»، فيما يشبه إعادة احتلال الأرض الفلسطينية عامة والقدس الشرقية خاصة.
وأضافت الخارجية في بيان أن «المواطن الفلسطيني يتحول إلى هدف لإجراءات قوات الاحتلال العقابية، وضحية مباشرة لاستفزازاتها وتوتراتها، سواء من خلال الإغلاق غير المبرر للحواجز العسكرية المنتشرة على مداخل المخيمات والقرى والبلدات والمدن الفلسطينية، أو عبر تحويل القدس المحتلة إلى ثكنة عسكرية حقيقية، خصوصاً بلدتها القديمة ومحيط المسجد الأقصى المبارك وساحة البراق، حيث تقوم شرطة الاحتلال وقواته بتنفيذ عمليات تفتيش استفزازية للشبان والمارة، وتُكثف من تحرير مخالفاتها للمركبات، هذا بالإضافة إلى قيام سلطات الاحتلال بإبعاد 15 مواطناً عن مدينة القدس لفترات متفاوتة، بحجة التشويش على المستوطنين أثناء اقتحاماتهم للمسجد الأقصى». كما اعتقلت قوات الاحتلال 18 مواطناً من البلدة القديمة ومحيطها، هذا في وقتٍ تزامنت فيه هذه الإجراءات مع الدعوات الكثيرة التي أطلقتها ما تسمى «منظمات الهيكل» المزعوم، لجمهورها لتنفيذ اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى، وحثهم على أداء صلوات تلمودية وتنظيم أنشطة وفعاليات يهودية في باحاته خلال عيد الفصح العبري.
وأدانت الخارجية «بأشد العبارات الإجراءات الاحتلالية العقابية للمواطنين الفلسطينيين»، وقالت: «إنها ترى في هذه الإجراءات انعكاساً لسياسة استعمارية تنتهجها الحكومة الإسرائيلية بشكل دائم للتضييق على الفلسطينيين خصوصاً في القدس الشرقية المحتلة، وهي تندرج في محاولاتها الرامية إلى تهويد المدينة المقدسة وتغيير معالمها وطمس هويتها الفلسطينية، كما أنها تحاول بهذا التصعيد تكريس اتهامها المسبق للفلسطيني، وتعاملها معه كهدف دائم لسلوك قواتها الاستفزازي وهراواتها ونيرانها».
وعدت الوزارة «إجراءات الاحتلال القمعية تشجيعاً للمستوطنين واليهود المتطرفين على مواصلة اقتحاماتهم للمسجد الأقصى وباحاته، ولعدوانهم على أبناء شعبنا».
وقالت إن «استفراد جيش الاحتلال وشرطته بالمواطنين الفلسطينيين العزل، يستدعي من المجتمع الدولي صحوة ضمير سياسية وأخلاقية تجاه شعبنا ومعاناته، ويتطلب حركة دولية فاعلة لرفع الظلم الواقع على شعبنا جراء انتهاكات الاحتلال وخروقاته الجسيمة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف».
وأضافت: «لقد بات واضحاً، أن غياب المحاسبة الدولية لإسرائيل على انتهاكاتها المتواصلة، وغياب الإجراءات الدولية الرادعة للاحتلال، يمثل تشجيعاً لإسرائيل كقوة احتلال على التمادي في تنكيلها بشعبنا الأعزل».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.