{خلافات} بين قادة «داعش» حول إدارة خلاياه بمصر

بينهم مقاتلون سابقون في أفغانستان

إجراءات أمنية مشددة خارج كنيسة طنطا التي تعرضت للتفجير (رويترز)
إجراءات أمنية مشددة خارج كنيسة طنطا التي تعرضت للتفجير (رويترز)
TT

{خلافات} بين قادة «داعش» حول إدارة خلاياه بمصر

إجراءات أمنية مشددة خارج كنيسة طنطا التي تعرضت للتفجير (رويترز)
إجراءات أمنية مشددة خارج كنيسة طنطا التي تعرضت للتفجير (رويترز)

كشفت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» أمس عن وقوع خلافات بين قادة تنظيم داعش في ليبيا، بينهم مصريون وليبيون وجنسيات أخرى، بشأن إدارة خلايا المتطرفين بمصر، بعد ساعات من تنفيذ التنظيم هجمات على كنيستين مصريتين في كل من طنطا والإسكندرية أول من أمس (الأحد). وقالت إن من بين هؤلاء القادة مقاتلين سابقين في أفغانستان، ممن أثروا بعد مشاركتهم في إسقاط أنظمة خلال ما يعرف بـ«ثورات الربيع العربي». وتابع مصدر أمني ليبي أن مسؤولاً عن أحد الأجنحة العسكرية الفاعلة بالمنطقة والتابعة للجماعات المتطرفة، استضاف زعماء متشددين في استراحته الكائنة في منطقة قرقارش في العاصمة الليبية يوم 31 مارس (آذار) الماضي، «كان اجتماعاً مثيراً لأنه عقد بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً، وشارك فيه عدد من الشخصيات ذات الحيثية من بعض دول المنطقة»، وأضاف: «كان الهدف متابعة خطة لإثارة القلاقل في مصر». ووفقاً للمصدر نفسه، فقد جرى رصد خلافات بين قادة المتطرفين عقب تفجيرات الكنيسة. وبدأ الخلاف حين حاول أحد زعماء المتطرفين، ويلقب بـ«أبو المنذر»، التواصل مع قائد لخلية تعرف باسم «مجموعة الدكام» داخل مصر. وقال المصدر: «سأل أبو المنذر الدكام عن باقي الخلايا الموجودة في مصر ومنها خلية اسمها (لواء الثورة)، دون أن تكون لديه خلفية عن أن الدكام، الذي يقيم في طرابلس، لا علاقة له بـ(لواء الثورة)، وأن هذا اللواء يعمل بمعرفة قيادي داعشي آخر». وأضاف المصدر أن «أبو المنذر» ليبي الجنسية، ويتنقل في الوقت الحالي بين مصراتة وطرابلس، ويعد من قادة المقاتلين السابقين في أفغانستان، وله علاقات قوية بمئات العناصر من تنظيم أنصار بيت المقدس التي فرت من سيناء إلى بلدان أخرى في السنوات الأخيرة، إلى أن استقرت أخيراً في ليبيا، حيث تقوم من هناك بالتسلل إلى مصر في مجموعات عنقودية يشرف عليها متطرفون عابرون للحدود انطلاقاً من ليبيا.
ومن جانبه، كشف مصدر أمني مصري عن تزايد نفوذ «أبو المنذر» وسط جماعات المتطرفين الأجانب ومن بينهم المصريون، في عدة مدن ليبية، ممن يعملون مع جهات دولية على استهداف مصر انطلاقاً من ليبيا. وأضاف أن الرجل الذي يظهر بين حين وآخر في وسائل إعلام محسوبة على المتطرفين، مرتدياً الزي الليبي المحلي، شارك في اجتماعين الهدف منهما إرسال خلايا لزعزعة الاستقرار في مصر. الاجتماع الأول عقد في مكتب تابع للمتشددين في مصراتة، يوم 21 مارس الماضي، والاجتماع الثاني هو ذلك الذي عقد في قرقارش في نهاية الشهر نفسه.
وفي هذا السياق، قال المصدر الليبي إن المخابرات في بلاده تمكنت بالفعل من رصد هذين الاجتماعين، مشيراً إلى أن اجتماع مكتب المتشددين في مصراتة كان يستهدف بالأساس الدولة المصرية... «وتم فيه تخصيص 100 مليون دولار لصالح الخلايا التي يجري إرسالها إلى مصر». وتابع موضحاً أنه «في ذلك اليوم جرى تحويل المبلغ من فرع في مالطة يتبع مصرفاً ليبياً، وتم يومها تجنيب مبلغ 4 ملايين دولار، من إجمالي الـ100 مليون دولار، لصالح مجموعة تابعة لما يعرف بسرايا الدفاع عن بنغازي التي تحارب الجيش الوطني الليبي».
وتابع المصدر الأمني الليبي قائلاً إن مالك استراحة قرقارش التي جرى فيها اجتماع يوم 31 مارس الماضي، هو صديق لـ«أبو المنذر»، منذ اشتراكهما معاً في قتال الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، إلا أنه أصبح لكل منهما، في الوقت الراهن، ولاءات وارتباطات مختلفة، وجمعهما في الشهور الأخيرة رغبة بعض الأطراف الدولية في تكثيف العمليات التخريبية في مصر.
ونقلت «الشرق الأوسط» أمس عن مصادر أمنية مصرية وليبية تسلل 3 مجموعات من «الدواعش» إلى مصر خلال الشهور الأخيرة. وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمة عقب تفجير الكنيستين، إن هناك دولاً تقف وراء تحركات المتطرفين ينبغي على المجتمع الدولي التصدي لها، لكنه لم يذكر تلك الدول، إلا أن المصادر الأمنية قالت إن السيسي ربما كان يشير إلى عناصر محسوبة على دول بعينها، شاركت في اجتماعي مصراتة وقرقارش.
ووفقاً للمصدر الأمني المصري، فقد كثفت مصر من تعاونها مع الجانب الليبي، بعد معلومات عن نزوح مئات من مقاتلي تنظيم أنصار بيت المقدس من سوريا، إلى ليبيا، واستغلالهم من جانب قيادات متطرفة لتنفيذ عمليات في مصر لا تقتصر على استهداف الكنائس، ولكنها «تشمل محاولات لبث الخوف في الأوساط المصرية العامة، وتوجيه ضربات لرموز من رجال الدين والإعلام المؤيدين للنظام السياسي في مصر». وأوضح المصدر الأمني الليبي أن ما يعرف باسم «لواء الثورة» يعد أحد فروع تنظيم أنصار بيت المقدس ممن كانوا يقاتلون مع تنظيم داعش في سرت، قبل أن يتم طرد التنظيم على يد القوات التي كان يشرف عليها المجلس الرئاسي الليبي، مشيراً إلى أن «أبو المنذر» وصاحب استراحة قرقارش، وقيادات متطرفة أخرى، خصصت معسكرات للمقاتلين المصريين، في كل من منطقة تاورغاء، وهي مدينة مهجورة منذ أحداث الانتفاضة المسلحة ضد معمر القذافي عام 2011، وفي معسكر «الهروج» قرب غدامس بجوار حدود ليبيا مع الجزائر، بالإضافة إلى معسكر في منطقة الوادي الفارغ، القريب من واحة الكفرة، في الصحراء الواقعة في الجنوب الشرقي من ليبيا.
وتابع المصدر أنه جرى منع «أبو المنذر» من التفتيش وراء خلايا «لواء الثورة»، بعد أن تسرع بتوجيه أسئلة عنها لـ«الدكام». وقال إن المسؤول عن خلايا هذا اللواء رجل آخر من المتطرفين الذين شاركوا أيضاً في اجتماعات مصراتة واستراحة قرقارش، يلقب بـ«الطبيب». وأشار المصدر إلى وقوع خلاف بين «أبو المنذر» و«الطبيب» بسبب نشاط الخلايا الداعشية في مصر... «لدى أبو المنذر تطلعات لأن يتولى مسؤولية جميع الحركات المتشددة في ليبيا ودول الجوار، سواء كانوا من المصريين أو الليبيين أو الجزائريين أو غيرهم».
ورغم أن «أبو المنذر» أشرف على صرف 96 مليون دولار خلال يوم واحد (من فرع مالطة)، لصالح تنفيذ عمليات داخل مصر، فإنه فوجئ بتفجيرات الكنيستين التي وقعت يوم الأحد الماضي في مصر. ومن هنا نشبت الخلافات بينه وبين «الطبيب».
وأضاف المصدر الأمني الليبي: «أعتقد أن أبو المنذر كان يظن أن خلايا لواء الثورة هي من قامت بالتنفيذ، وحين بدأ يتدخل لمعرفة تفاصيل ما يجري في مصر، ارتكب أخطاء حين ظن أن الدكام مسؤول عن كل المجموعات داخل مصر، بما فيها خلايا لواء الثورة، لا عن مجموعة واحدة فقط هي تلك المعروفة باسمه. وتدخلت شخصية من الشخصيات الأجنبية العابرة للحدود لرأب الصدع بين قادة المتطرفين، حين اجتمع مع أبو المنذر أمس، في طرابلس، وأخبره أن تسرعه في إجراء الاتصالات للاطلاع على عمل الخلايا المتطرفة في مصر، يعرضها للخطر».
وكشفت مداولات بين جهات أمنية مصرية وأخرى ليبية أمس أن أكبر مجموعة من تنظيم أنصار بيت المقدس المصري دخلت إلى ليبيا، وجرت إعادة توجيهها إلى الحدود مع مصر، هي المجموعة المعروفة باسم «مجموعة حسام محمود»، وكانت تتكون من أكثر من 70 مقاتلاً. وقُتل حسام محمود نفسه على يد أحد القيادات المتطرفة في ليبيا، وبالتحديد داخل منزله في طرابلس، بسبب خلاف على الولاءات، أواخر العام الماضي، إلا أن المجموعة التابعة له أكملت خوض التدريبات في معسكرات تاورغاء والهروج والوادي الفارغ قبل أن يتم تقسيمها إلى خلايا، لإرسالها بشكل متتابع في اتجاه مصر.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.