مؤتمر «التناقضات السياسية النائمة» في تونس

اختلاف الرؤى الإقليمية انعكس على مداولات وزراء الداخلية العرب

مؤتمر «التناقضات السياسية النائمة» في تونس
TT

مؤتمر «التناقضات السياسية النائمة» في تونس

مؤتمر «التناقضات السياسية النائمة» في تونس

جمع المؤتمر السنوي لمجلس وزراء الداخلية العرب، الذي عقد أخيراً في تونس، وفوداً أمنية وعسكرية وسياسية رفيعة المستوى من كل الدول العربية، ترأس عدداً منها مسؤولون يجمعون بين صفتي وزير ورئيس مجلس وزراء أو نائب رئيس حكومة. ولكن، رغم تركيز التصريحات الرسمية لرؤساء الوفود والجنرالات الأمنيين والعسكريين المرافقين لهم حول المواقف من الإرهاب ودعم الشعب الفلسطيني، سادت نقاشات الكواليس والجلسات المغلقة أجواء الخلافات العربية - العربية حول الموقف من إيران. وكان واضحاً الخلاف بين من يعارضون التدخل الإيراني في كل من سوريا واليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، والأطراف السياسية والعسكرية المحسوبة على طهران وحلفائها. وبالتالي، مرة أخرى تكشف اللقاءات الأمنية والسياسية العربية اختلافات في مفهوم الإرهاب، تأكيداً على تبلور المحاور الإقليمية.
تغيّب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن جلسة افتتاح المؤتمر السنوي الدوري الـ34 لمجلس وزراء الداخلية العرب، الذي استضافته أخيراً تونس، رغم الإعلان الرسمي عن حضوره، وتكفل وزير الداخلية التونسي الهادي المجدوب تلاوة كلمة الرئاسة. وكان سبب التغيب حرص «رأس هرم» السلطة التونسية على تجنب «التورط» مباشرة في أشغال مؤتمر خاض في خلافات مثيرة للجدل إقليمياً ودولياً، وعلى رأسها العلاقة بين إيران والأطراف السياسية الموالية لها مثل «حزب الله» اللبناني وحركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية والمتمردين الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية العراقية، والزمر المتهمة بالضلوع في عمليات إرهابية داخل البحرين وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي.

شعارات «المقاومة»
كان الملف الأكبر الحاضر في هذا المؤتمر السنوي على صعيد التنسيق في الحرب على الإرهاب الخلاف حول توجيه تهمة الإرهاب إلى طهران وتصنيف «حزب الله» كـ«حركة إرهابية»، على غرار ما وقع في البيان الختامي لمجلس وزراء الداخلية العرب العام الماضي. ولقد رفضت بضع دول ذلك البيان. لكن القمة العربية التي عقدت بعده أكدت تمسك الغالبية به، خصوصاً الهجوم على سفارة المملكة العربية السعودية في العاصمة الإيرانية طهران، وقنصليتها في مدينة أصفهان. لكن رغم تغيب السبسي وحرص البلاغات الرسمية التي بثتها تونس على تجنب الخوض في الخلافات والمواقف الإيرانية عربياً، أكدت تصريحات مسؤولين خليجيين للإعلاميين، وكذلك كلماتهم داخل قاعة المؤتمر وجود تلك الخلافات. بل لقد اتهم مسؤولو وزارة الداخلية البحريني، العراق كذلك بكونه أصبح وكراً للميليشيات الإرهابية المتهمة بالإرهاب في البحرين والدول العربية. وكان في الصف المقابل وزراء داخلية العراق ولبنان والجزائر.
ومع حرص الجانب الرسمي التونسي على تجنب انزلاق المؤتمر إلى لجّة الخلافات العربية - العربية، اختارت بعض الوفود التشديد على ما تعتبره التهديدات الإيرانية لأمنها الداخلي. وأضيف بُعدٌ آخر، هو التحذير من توظيف الأراضي العراقية لمهاجمة مواقع في البحرين والدول الخليجية العربية.
ومن جانب آخر، انتظمت على هامش المؤتمر تحرّكات بالجملة، علنية وأخرى في الكواليس، أبرزها تحركات الوفد البحريني الذي وصل مبكراً إلى تونس وعقد جلسات عمل مع الرئيس السبسي ووزير داخليته المجدوب بحضور مسؤولين أمنيين كبار من البلدين. وكشف العميد محمد بن دينة نائب رئيس الأمن العام البحريني أن اللقاء بين الرئيس التونسي بوزير داخلية بلده الفريق الركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة شمل بالخصوص «آفاق التعاون في مكافحة الإرهاب» ومستقبل «الشراكة الثنائية في كل المجالات» في سياق متابعة نتائج القمة الثنائية التونسية البحرينية التي عقدت في المنامة في يناير (كانون الثاني) 2016. كذلك جدّد البيان الرسمي عن اللقاء «تضامن تونس ومساندتها لمملكة البحرين في مساعيها الرامية إلى ضمان أمنها واستقرارها».

«قمة عربية» مصغّرة
في الوقت نفسه، تطوّر مؤتمر مجلس وزراء الداخلية العرب إلى ما يشبه «القمة» السياسية الأمنية الاقتصادية الاستثنائية، إذ كان التمثيل في المؤتمر والمحادثات التي جرت على هامشه في مستوى قمة عربية استثنائية. إذ ترأس وفد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ووفد دولة فلسطين الدكتور رامي الحمد الله رئيس الوزراء وزير الداخلية، ووفد دولة قطر الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ووفد دولة الكويت الشيخ خالد الجراح الصباح نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية.

فلسطين «الحاضر الغائب»
من ناحية ثانية، لم يمنع الإجماع على إدانة الميليشيات الإرهابية التي تحسب نفسها على الإسلام السياسي السنّي، مثل «القاعدة» و«داعش» و«أنصار الشريعة»، عدداً من الوفود - وعلى رأسها وفود فلسطين ولبنان والجزائر والعراق - من التركيز على «مخاطر» ما وصفته بـ«إرهاب الدولة» التي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة وخارجها. وفي هذا السياق، أكد الدكتور رامي الحمد الله، رئيس الوزراء وزير الداخلية الفلسطيني على اعتبار «مكافحة إرهاب دولة الاحتلال من أولويات الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب التي سبق أن صادق عليها مؤتمر وزراء الداخلية والعدل العرب في القاهرة قبل 20 سنة». ومن ثم، طالب عدد من رؤساء الوفود العربية بمعالجة الأسباب العميقة للتطرف والغلو في الدول العربية والإسلامية، وبينها احتلال القدس العربية وفلسطين وأراضٍ عربية كثيرة في سوريا ولبنان والأردن.

الأمن الثقافي
وفي اتجاه موازٍٍ، تزامن انعقاد المؤتمر السنوي لمجلس وزراء الداخلية العرب مع تظاهرات سياسية أمنية ثقافية عربية ودولية شددت على ضرورة تحاشي ربط معالجة ملف الإرهاب بالمعالجات الأمنية ومخططات العسكريين والأمنيين. وكان على رأس تلك الشخصيات أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير خارجية مصر الأسبق، الذي أشرف بالمناسبة على عدة تظاهرات احتضنها المركز الثاني لجامعة الدول العربية بتونس وبعض مؤسسات العمل العربي المشترك التي ظل مقرها الرسمي في العاصمة التونسية بعد عودة الأمانة العامة إلى القاهرة عام 1991، من أبرزها اتحاد إذاعات الدول العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
ولقد استضافت قاعة محاضرات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، بالمناسبة، وبحضور مديرها العام عبد الله حمد محارب ورؤساء المنظمات العربية في تونس، أبو الغيط، الذي ناقش مع عشرات من الدبلوماسيين العرب والأجانب واقع الأمن الإقليمي العربي والتحديات التي تواجهه. كما قدم كتابه الجديد «شهادتي» الذي ضمنه قراءة تقييمه لمسار العمل العربي المشترك والدبلوماسية المصرية والسياسات الأمنية والاقتصادية العربية. وكان وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار والوفد المصري يوجدون في مؤتمر مجلس وزراء الداخلية العرب الذي شهد تحركات لوفدي مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة لاتهام حركة الإخوان المسلمين بالضلوع في العنف السياسي والإرهاب، ورفض حصر ملف الإرهاب بالجماعات المسلحة القريبة من تنظيمات راديكالية متطرفة، مثل «القاعدة» و«داعش» و«أنصار الشريعة».

ليبيا وسوريا واليمن
وعلى الرغم من شغور كرسي سوريا في مؤتمر وزراء الداخلية العرب وضعف تمثيل ليبيا واليمن في المؤتمر، وبقية تظاهرات جامعة الدول العربية التي نظمت على هامشه فيه، بينت المحادثات الرسمية، وفي الكواليس أيضاً، أن الإرهاب استفحل عربياً بعد غزو العراق 2003 التي أدت إلى إسقاط نظام صدام حسين، ثم بعد «ثورات 2011» التي أطاحت برؤساء تونس ومصر وليبيا وأسهمت في إضعاف الدولة المركزية فيها. وعوض أن تكون حصيلة 6 سنوات ونصف السنة من الثورات الشبابية العربية تنويهاً بمعالجة مشكلات التنمية والبطالة، لاحظت التقارير الأمنية السياسية استفحال العنف والجريمة المنظمة والتهريب والهجرة غير القانونية..
وكان هناك اتفاق واسع على علاقة الاضطرابات الأمنية والحروب التي يشهدها عدد من الدول العربية منذ يناير 2011 بـ«أجندات» دولية، بعضها يسعى لإعادة رسم خريطة المنطقة عبر مزيد من إضعاف مؤسسات العمل العربي المشترك. وتحدث وزير داخلية الجزائر نور الدين بدوي عن أن تورط مزيد من الشباب العربي في العنف والقتل والدمار يأتي تنفيذاً لمخططات «حرب عالمية بالوكالة» فرضت على المنطقة - حسب تعبيره. وهذه القضايا وغيرها ستكون محور مناقشات المؤتمرات الأمنية السنوية العشرين التي من المقرر أن تعقد هذا العام تحضيراً لعقد دورة العام المقبل في العاصمة اللبنانية بيروت، وذلك بعد طلب تقدم به الوفد اللبناني برئاسة الوزير نهاد المشنوق في أعقاب سلسلة من التحركات في الكواليس شملت وزراء خارجية الدول الخليجية.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.