مؤتمر «التناقضات السياسية النائمة» في تونس

اختلاف الرؤى الإقليمية انعكس على مداولات وزراء الداخلية العرب

مؤتمر «التناقضات السياسية النائمة» في تونس
TT

مؤتمر «التناقضات السياسية النائمة» في تونس

مؤتمر «التناقضات السياسية النائمة» في تونس

جمع المؤتمر السنوي لمجلس وزراء الداخلية العرب، الذي عقد أخيراً في تونس، وفوداً أمنية وعسكرية وسياسية رفيعة المستوى من كل الدول العربية، ترأس عدداً منها مسؤولون يجمعون بين صفتي وزير ورئيس مجلس وزراء أو نائب رئيس حكومة. ولكن، رغم تركيز التصريحات الرسمية لرؤساء الوفود والجنرالات الأمنيين والعسكريين المرافقين لهم حول المواقف من الإرهاب ودعم الشعب الفلسطيني، سادت نقاشات الكواليس والجلسات المغلقة أجواء الخلافات العربية - العربية حول الموقف من إيران. وكان واضحاً الخلاف بين من يعارضون التدخل الإيراني في كل من سوريا واليمن ودول مجلس التعاون الخليجي، والأطراف السياسية والعسكرية المحسوبة على طهران وحلفائها. وبالتالي، مرة أخرى تكشف اللقاءات الأمنية والسياسية العربية اختلافات في مفهوم الإرهاب، تأكيداً على تبلور المحاور الإقليمية.
تغيّب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي عن جلسة افتتاح المؤتمر السنوي الدوري الـ34 لمجلس وزراء الداخلية العرب، الذي استضافته أخيراً تونس، رغم الإعلان الرسمي عن حضوره، وتكفل وزير الداخلية التونسي الهادي المجدوب تلاوة كلمة الرئاسة. وكان سبب التغيب حرص «رأس هرم» السلطة التونسية على تجنب «التورط» مباشرة في أشغال مؤتمر خاض في خلافات مثيرة للجدل إقليمياً ودولياً، وعلى رأسها العلاقة بين إيران والأطراف السياسية الموالية لها مثل «حزب الله» اللبناني وحركة «الجهاد الإسلامي» الفلسطينية والمتمردين الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية العراقية، والزمر المتهمة بالضلوع في عمليات إرهابية داخل البحرين وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي.

شعارات «المقاومة»
كان الملف الأكبر الحاضر في هذا المؤتمر السنوي على صعيد التنسيق في الحرب على الإرهاب الخلاف حول توجيه تهمة الإرهاب إلى طهران وتصنيف «حزب الله» كـ«حركة إرهابية»، على غرار ما وقع في البيان الختامي لمجلس وزراء الداخلية العرب العام الماضي. ولقد رفضت بضع دول ذلك البيان. لكن القمة العربية التي عقدت بعده أكدت تمسك الغالبية به، خصوصاً الهجوم على سفارة المملكة العربية السعودية في العاصمة الإيرانية طهران، وقنصليتها في مدينة أصفهان. لكن رغم تغيب السبسي وحرص البلاغات الرسمية التي بثتها تونس على تجنب الخوض في الخلافات والمواقف الإيرانية عربياً، أكدت تصريحات مسؤولين خليجيين للإعلاميين، وكذلك كلماتهم داخل قاعة المؤتمر وجود تلك الخلافات. بل لقد اتهم مسؤولو وزارة الداخلية البحريني، العراق كذلك بكونه أصبح وكراً للميليشيات الإرهابية المتهمة بالإرهاب في البحرين والدول العربية. وكان في الصف المقابل وزراء داخلية العراق ولبنان والجزائر.
ومع حرص الجانب الرسمي التونسي على تجنب انزلاق المؤتمر إلى لجّة الخلافات العربية - العربية، اختارت بعض الوفود التشديد على ما تعتبره التهديدات الإيرانية لأمنها الداخلي. وأضيف بُعدٌ آخر، هو التحذير من توظيف الأراضي العراقية لمهاجمة مواقع في البحرين والدول الخليجية العربية.
ومن جانب آخر، انتظمت على هامش المؤتمر تحرّكات بالجملة، علنية وأخرى في الكواليس، أبرزها تحركات الوفد البحريني الذي وصل مبكراً إلى تونس وعقد جلسات عمل مع الرئيس السبسي ووزير داخليته المجدوب بحضور مسؤولين أمنيين كبار من البلدين. وكشف العميد محمد بن دينة نائب رئيس الأمن العام البحريني أن اللقاء بين الرئيس التونسي بوزير داخلية بلده الفريق الركن الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة شمل بالخصوص «آفاق التعاون في مكافحة الإرهاب» ومستقبل «الشراكة الثنائية في كل المجالات» في سياق متابعة نتائج القمة الثنائية التونسية البحرينية التي عقدت في المنامة في يناير (كانون الثاني) 2016. كذلك جدّد البيان الرسمي عن اللقاء «تضامن تونس ومساندتها لمملكة البحرين في مساعيها الرامية إلى ضمان أمنها واستقرارها».

«قمة عربية» مصغّرة
في الوقت نفسه، تطوّر مؤتمر مجلس وزراء الداخلية العرب إلى ما يشبه «القمة» السياسية الأمنية الاقتصادية الاستثنائية، إذ كان التمثيل في المؤتمر والمحادثات التي جرت على هامشه في مستوى قمة عربية استثنائية. إذ ترأس وفد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ووفد دولة فلسطين الدكتور رامي الحمد الله رئيس الوزراء وزير الداخلية، ووفد دولة قطر الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ووفد دولة الكويت الشيخ خالد الجراح الصباح نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية.

فلسطين «الحاضر الغائب»
من ناحية ثانية، لم يمنع الإجماع على إدانة الميليشيات الإرهابية التي تحسب نفسها على الإسلام السياسي السنّي، مثل «القاعدة» و«داعش» و«أنصار الشريعة»، عدداً من الوفود - وعلى رأسها وفود فلسطين ولبنان والجزائر والعراق - من التركيز على «مخاطر» ما وصفته بـ«إرهاب الدولة» التي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة وخارجها. وفي هذا السياق، أكد الدكتور رامي الحمد الله، رئيس الوزراء وزير الداخلية الفلسطيني على اعتبار «مكافحة إرهاب دولة الاحتلال من أولويات الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب التي سبق أن صادق عليها مؤتمر وزراء الداخلية والعدل العرب في القاهرة قبل 20 سنة». ومن ثم، طالب عدد من رؤساء الوفود العربية بمعالجة الأسباب العميقة للتطرف والغلو في الدول العربية والإسلامية، وبينها احتلال القدس العربية وفلسطين وأراضٍ عربية كثيرة في سوريا ولبنان والأردن.

الأمن الثقافي
وفي اتجاه موازٍٍ، تزامن انعقاد المؤتمر السنوي لمجلس وزراء الداخلية العرب مع تظاهرات سياسية أمنية ثقافية عربية ودولية شددت على ضرورة تحاشي ربط معالجة ملف الإرهاب بالمعالجات الأمنية ومخططات العسكريين والأمنيين. وكان على رأس تلك الشخصيات أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير خارجية مصر الأسبق، الذي أشرف بالمناسبة على عدة تظاهرات احتضنها المركز الثاني لجامعة الدول العربية بتونس وبعض مؤسسات العمل العربي المشترك التي ظل مقرها الرسمي في العاصمة التونسية بعد عودة الأمانة العامة إلى القاهرة عام 1991، من أبرزها اتحاد إذاعات الدول العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
ولقد استضافت قاعة محاضرات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، بالمناسبة، وبحضور مديرها العام عبد الله حمد محارب ورؤساء المنظمات العربية في تونس، أبو الغيط، الذي ناقش مع عشرات من الدبلوماسيين العرب والأجانب واقع الأمن الإقليمي العربي والتحديات التي تواجهه. كما قدم كتابه الجديد «شهادتي» الذي ضمنه قراءة تقييمه لمسار العمل العربي المشترك والدبلوماسية المصرية والسياسات الأمنية والاقتصادية العربية. وكان وزير الداخلية المصري مجدي عبد الغفار والوفد المصري يوجدون في مؤتمر مجلس وزراء الداخلية العرب الذي شهد تحركات لوفدي مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة لاتهام حركة الإخوان المسلمين بالضلوع في العنف السياسي والإرهاب، ورفض حصر ملف الإرهاب بالجماعات المسلحة القريبة من تنظيمات راديكالية متطرفة، مثل «القاعدة» و«داعش» و«أنصار الشريعة».

ليبيا وسوريا واليمن
وعلى الرغم من شغور كرسي سوريا في مؤتمر وزراء الداخلية العرب وضعف تمثيل ليبيا واليمن في المؤتمر، وبقية تظاهرات جامعة الدول العربية التي نظمت على هامشه فيه، بينت المحادثات الرسمية، وفي الكواليس أيضاً، أن الإرهاب استفحل عربياً بعد غزو العراق 2003 التي أدت إلى إسقاط نظام صدام حسين، ثم بعد «ثورات 2011» التي أطاحت برؤساء تونس ومصر وليبيا وأسهمت في إضعاف الدولة المركزية فيها. وعوض أن تكون حصيلة 6 سنوات ونصف السنة من الثورات الشبابية العربية تنويهاً بمعالجة مشكلات التنمية والبطالة، لاحظت التقارير الأمنية السياسية استفحال العنف والجريمة المنظمة والتهريب والهجرة غير القانونية..
وكان هناك اتفاق واسع على علاقة الاضطرابات الأمنية والحروب التي يشهدها عدد من الدول العربية منذ يناير 2011 بـ«أجندات» دولية، بعضها يسعى لإعادة رسم خريطة المنطقة عبر مزيد من إضعاف مؤسسات العمل العربي المشترك. وتحدث وزير داخلية الجزائر نور الدين بدوي عن أن تورط مزيد من الشباب العربي في العنف والقتل والدمار يأتي تنفيذاً لمخططات «حرب عالمية بالوكالة» فرضت على المنطقة - حسب تعبيره. وهذه القضايا وغيرها ستكون محور مناقشات المؤتمرات الأمنية السنوية العشرين التي من المقرر أن تعقد هذا العام تحضيراً لعقد دورة العام المقبل في العاصمة اللبنانية بيروت، وذلك بعد طلب تقدم به الوفد اللبناني برئاسة الوزير نهاد المشنوق في أعقاب سلسلة من التحركات في الكواليس شملت وزراء خارجية الدول الخليجية.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»