محنة رومان بولانسكي مستمرة... والخلاص منها مستحيل

محكمة أميركية رفضت التماسه الجديد

المخرج رومان بولانسكي  -  لقطة من «عازف البيانو»: مواجهة مع الماضي
المخرج رومان بولانسكي - لقطة من «عازف البيانو»: مواجهة مع الماضي
TT

محنة رومان بولانسكي مستمرة... والخلاص منها مستحيل

المخرج رومان بولانسكي  -  لقطة من «عازف البيانو»: مواجهة مع الماضي
المخرج رومان بولانسكي - لقطة من «عازف البيانو»: مواجهة مع الماضي

في الثالث من الشهر الحالي، أصدر القاضي سكوت م. غوردون قرارا جديدا بشأن الطلب الذي تقدّم به رومان بولانسكي إلى القضاء الأميركي، طالبا إعفاءه من الحكم الصادر بحقه قبل 39 سنة، والقاضي بتنفيذ حكم عقوبة لقيام المخرج المعروف بالتحرش جنسيا بفتاة قاصر.
الحكم الجديد صدر ردا على طلب أخير ومتكرر قام محامو المخرج المعروف بإرساله إلى القضاء الأميركي العالي في لوس أنجليس. وفي الرد ذكر القاضي أنه لم يجد، في الطلب المقدّم، أي جديد على الطلبات السابقة التي قام قضاة آخرون بالنظر فيها خلال السنوات العشر الأخيرة أو نحوها. تلك ووجهت بالرفض من قِبل القضاة في كل مرّة والقاضي الحالي لا يستطيع تجاهل ذلك خصوصا أن المعطيات جميعا ما زالت كما هي.
بولانسكي، بدوره، ما زال يحاول دفع المحكمة الأميركية إلى إسقاط التهمة، ومنحه إعفاء عن الحادثة، بينما تجد المحكمة الأميركية لزاما عليه العودة إلى الولايات المتحدة والمثول أمامها أولا قبل النظر في النتائج. وبولانسكي يعلم ما ينتظره حال وصوله إلى مطار لوس أنجليس الدولي: سيُقاد مقبوضا عليه إلى قسم أول للتحقيقات في المطار ثم يودع في سيارة تنقله إلى سجن مؤقت ريثما يتم تحديد موعد لمثوله أمام القاضي.
وكان المخرج وافق، في عز تألقه الهوليوودي، على الاعتراف بجريمته مقابل تخفيف أي حكم تصدره المحكمة الأميركية عليه. لكن محاميه أسرّ إليه أن المحكمة تنوي رفض هذا الاتفاق ومحاكمته على أساس اعترافه وشهادة الفتاة المعتدى عليها. حينها توجّه إلى مطار لوس أنجليس وفر من البلاد لاجئا إلى فرنسا، حيث استمر في مهنته كصانع أفلام.
ظلال هذه القضية حطت كما لو كانت جبلا من الأثقال فوق كتفي المخرج. طوال نحو 40 سنة وهو موضع نقاش (وبضعة أفلام آخرها واحد باسم «رومان بولانسكي: مطلوب ومرغوب») في الأوساط الإعلامية في كل مكان. في أوروبا هناك تعاطف بين السينمائيين والمثقفين مع مخرج ارتكب ما ارتكبه، وأصدرت الضحية قبل عدة سنوات بيانا سامحت فيه المخرج عن فعلته. لكن في الولايات المتحدة هناك نقمة شعبية ورسمية تنتظر الفرصة للنيل من المخرج البولندي الأصل في كل مرّة يتم تداول الموضوع مجدداً.
وهذا الرفض الجاهز واحد من سببين اثنين يتم عبرهما رفض توسلات المخرج المتكررة. السبب الآخر هو ألا أحد يفكر في إصدار عفو أو حتى قرار تمييز بحق المخرج، وإلا لبدا ذلك خروجا على القانون لصالح شخص واحد (مهما بلغت شهرته)، وإلا لكان من حق معتدين آخرين توظيف هذه البادرة وتقديم طلب إعفاءات مماثلة استنادا إلى قرار التبرئة، ولن تستطع المحكمة رفض كثير منها.
* على طريقة ويليام تل
وعانى ريمون رومان تييري بولانسكي المولود في باريس سنة 1933 من مشكلات عاطفية ونفسية، ففي السنوات الأخيرة امتنع عن التوجه إلى أكثر من بلد أوروبي أبرم اتفاقات تبادل متهمين مع الولايات المتحدة منتقلا للعيش إلى سويسرا. وقبل أشهر أجبر على الاستقالة من رئاسة لجنة تحكيم جوائز سيزار بسبب حملة ضد اختياره في ذلك المنصب.
لكن مشكلاته بدأت قبل ذلك بكثير. كان في الثالثة من عمره عندما قرر والداه اليهوديان العودة إلى بولندا، وذلك قبل أشهر من قيام الجيش الألماني بغزو بولندا. وحسب روايته فإن الألمان قبضوا عليه ذات مرّة، ووضعوا فوق رأسه تفاحة (على طريقة ويليام تل) وصوّبوا بنادقهم عليها. من حسن حظه أن الرماة كانوا من المهارة، بحيث لم يُصب بولانسكي بالأذى، لكن الحادثة تركت جرحا غائرا في ذاته.
أفلامه الداكنة الأولى، مثل «سكين في الماء» و«اشمئزاز» و«كول دي ساك» (ما بين 1962 و1966) عكست نظرته السوداوية وذاته القلقة، ولو أنها تظللت بقدر من السخرية أيضاً. في عام 1968 حط في الولايات المتحدة لأول مرّة لتحقيق فيلم شهير له هو «طفل روزماري» مع ميا فارو وجون كازافيتيز في البطولة. يمكن طبعا النظر إلى هذا الفيلم على أنه فيلم رعب، لكن القراءة بين أسطره توحي بأن إدمانا على مزج دوافع ومؤثرات نفسية بالحكاية المرعبة هو الناتج الأساسي في ذلك الفيلم الذي يتحدث عن امرأة ولدت شيطاناً.
سنة 1969 تعرضت زوجته الممثلة شارون تايت للقتل على أيدي عصابة من المجرمين المهووسين بقيادة تشارلز مانسون. كانت حاملا آنذاك والجريمة هزّت المجتمعات الغربية المختلفة، لكنها هزت بولانسكي أكثر وعمّقت الشرخ النفسي الصعب في ذات المخرج أكثر.
نقاد الفترة وجدوا أن فيلم بولانسكي اللاحق «ماكبث» (أحد أفضل أعماله) عكس بعض الألم الناتج في ذاته كما لم يفعل فيلم له من قبل. مقالات تلك الفترة ربطت، في أكثر من مناسبة، بين الحادثة واستلهام المخرج لرائعة «شكسبير» التراجيدية.
* مواجهة مع الماضي
في عام 1974، وبعد ثلاث سنوات على «ماكبث» عاد رومان بولانسكي إلى هوليوود، واستقبل كفاتح سينمائي كبير منجزا فيلما جيدا آخر هو «تشايناتاون». ثم أنجز بعده فيلما فرنسيا باللغة الإنجليزية هو «المستأجر» سنة 1976. بعد ذلك عاد إلى هوليوود وفي البال صنع مزيدا من الأفلام فيها. لكن الحادثة المذكورة قطعت مستقبله هناك، فعاد إلى فرنسا، حيث واظب على صنع أفلامه المنتجة فرنسياً.
أحد تلك الأفلام كان «قراصنة» من إنتاج التونسي طارق بن عمّار، وبعده أنجز عددا كبيرا من الأفلام التي تم تصويرها في فرنسا باللغة الإنجليزية، كما لو أنه يريد التأكيد على أنه يستطيع تحقيق أفلام ذات قالب أميركي حتى ولو كان خارج هوليوود. من تلك الأفلام «مذعور» (Frantic) سنة 1988، و«قمر مر» (1992)، و«الموت وخادمة» (1994)، كما «البوابة التاسعة» (1999) وكلها لها - فنيا - حسنات وسلبيات وصولا إلى فيلمين رائعين على التوالي هما «عازف البيانو» (2002) الذي واجه فيه ماضيه مع النازية مصوّرا خوف لاجئ يهودي، لكنه في الوقت ذاته لاغيا الصورة النمطية للألماني جاعلا من الموسيقى رابطة إنسانية بين بطليه (الأميركي أدريان برودي والبولندي ميكال زبروفسكي).
المصالحة مع الماضي بقيت في نطاقه الشخصي. القضاء الأميركي لا يهمّه ما يقول بولانسكي في أفلامه، بل تنفيذ الأحكام التي يصدرها. خطة المخرج الجديدة هي أن تفصح المحكمة عن ملفات القضية على أساس أنها نقضت اتفاقا سابقا، ما نتج عنه قرار بولانسكي بالهروب.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.