حدائق أربيل تعبق بعطر الزهور وسحر الهندسة

خطط لزراعة أكثر من 4 ملايين وردة خلال 2017

جانب من حديقة المنارة وسط أربيل («الشرق الأوسط»)
جانب من حديقة المنارة وسط أربيل («الشرق الأوسط»)
TT

حدائق أربيل تعبق بعطر الزهور وسحر الهندسة

جانب من حديقة المنارة وسط أربيل («الشرق الأوسط»)
جانب من حديقة المنارة وسط أربيل («الشرق الأوسط»)

تكاد مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، أن تصبح مدينة الورود لإنتاجها سنويًّا ملايين شتلات الورود والأزهار الموسمية والدائمة إلى جانب الآلاف من الأشجار والشجيرات التي تضفي على المدينة جمالا طبيعيا فريدا، يجذب إليها السياح والباحثين عن الراحة والاستجمام.
شهدت المدينة منذ بداية 2017 ولا تزال، زراعة أكثر من 500 ألف وردة وزهرة في حدائقها وشوارعها إضافة إلى أن شهر مارس (آذار) الماضي، الذي يحتفل فيه الكرد سنويا بمناسبة أعياد النوروز ورأس السنة الكردية، شهد زراعة نحو 75 ألف شَجرة وشُجيرة، فيما تواصل مديرية هندسة الحدائق في أربيل زراعة الآلاف من الشتلات يومياً، حيث يشارك المئات من العمال والموظفين والمهندسين الزراعيين في هذه العملية.
«الشرق الأوسط» جالت بين حدائق المدينة التي تعبق بعطر الزهور وتسحر الزائر بجمال مناظرها الخضراء لتمنحه راحة وتبعده عن أجواء الصراعات والمعارك التي تشهدها المناطق الأخرى من العراق.
خلال الجولة كان لقاء مع مدير هندسة الحدائق في أربيل، المهندس عبد الواحد أحمد حمد الذي يشرف بشكل مباشر على عملية زراعة الورود والأزهار وتوسيع الحدائق والمساحات الخضراء في المدينة، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط»: «نعمل على زيادة إنتاج وزراعة الورود والأزهار والأشجار في محافظة أربيل ونجحنا حتى الآن في رفع نسبة المساحات الخضراء إلى نحو 16 في المائة من المساحة الكلية للمحافظة، وهذه النسبة لا تمثّل طموحنا بل نحن مستمرون في رفعها بحيث تتلاءم مع التوسع العمراني والسكاني والاقتصادي الذي تشهده أربيل، على الرغم من الظروف التي تحيط بالإقليم».
وتحتضن أربيل أكثر من 340 حديقة منها 15 ذات مساحات واسعة تستقطب يوميا الآلاف من السياح والمواطنين الذين يؤمونها من كافة دول العالم ومن العراق وكردستان. كما تضمّ الحدائق العديد من المرافق الترفيهية والمتاحف والمطاعم والألعاب الرياضية وألعاب الأطفال، وتتميز بأجوائها الآمنة.
وأضحت مدن كردستان المكان الآمن للمواطنين في العراق والمنطقة، في ظل الحماية التي توفرها قوات البيشمركة والأسايش (الأمن الكردي)، للمواطنين والسياح في هذه المدن.
ولمساحتها الشاسعة، لا بدّ على السائح أن يمضي أيامًا عدّة ليتمكن من رؤية حدائق أربيل جميعها والتمتع بمناظرها الخلابة.
وأهم ما يلاحظه الزائر عند التجول في المدينة، هو التنسيق والتصميم اللافتين للورود والأشجار في الحدائق، وإبداع العمّال الذين يقضون وقتا طويلا منذ الصباح الباكر وحتى ساعات متأخرة من المساء، في تشذيب الأشجار والتفنن بتزيينها ومنحها أشكالا فنية، إلى انتقاء الألوان المتناسقة للورود من كافة الأنواع التي تضيف جمالية أخرى على المدينة.
ويكشف المهندس عبد الواحد عن أعداد الشتلات التي تخطط مديرية هندسة الحدائق لزراعتها خلال العام الحالي بالقول: «نخطط لزراعة 3 إلى 4 ملايين وردة ونحو 50 ألف شجرة خلال 2017».
وتشكل الورود والأشجار مظهرًا جميلا من مظاهر المدينة٬ فلا يخلو فيها شارع أو طريق من الورود بأشكالها المتنوعة التي تجعل منها لوحة فنية متميزة، تعبر عن حب سكان المدينة للنباتات٬. وإلى جانب منظرها الخلاب فهي توفر بيئة نظيفة لكل من يعيش فيها. وفي المدينة حدائق واسعة مثل حديقة سامي عبد الرحمن٬ والمنارة وشانيدار الأولى والثانية٬ وحديقة المدينة التي تضم نافورات مائية تمنح المرء أجواء هادئة بعيدة عن مصاعب الحياة، وحديقة كلكند وهَوار وخانزاد وحديقة البيشمركة.
ويردف مدير هندسة الحدائق: «نخطط حالياً لزيادة عدد المشاتل الحكومية الموجودة في المدينة لرفع الإنتاج بحيث نستطيع أن نوفر الكمية التي تحتاجها المحافظة من الورود والأشجار والشجيرات والمضي قدماً للتمكن من إنتاج أكثر ممّا تحتاجه لسد حاجة سكانها من الورود والأشجار»، لافتا إلى أن المدينة كانت تمتلك مشتلا واحدًا في السابق أمّا الآن فأصبحت تحتوي علي ثلاثة، مبينا: «نحن بصدد إنشاء مشاتل جديدة أخرى».
رفع نسبة المساحات الخضراء في أربيل وإنشاء الحدائق والمشاتل، يعتمد بالكامل على جهود محلية، حيث يعمل أكثر من 1500 موظف بشكل مستمر في إدارة الحدائق والمساحات الخضراء في المحافظة، ويكشف مدير هندسة الحدائق عن آخر إحصائية لإنتاج الورود في أربيل: «أصبحنا نعتمد على إنتاجنا المحلي بنسبة 98 في المائة ولا نستورد سوى الأصناف النادرة».
ويُشدد المهندس عبد الواحد على أن مشكلة المياه تعدّ العائق الأكبر أمام عمل توسيع المساحات الخضراء وزيادة الإنتاج في أربيل، فالحدائق تحتاج إلى توفير كميات كبيرة من المياه لإروائها، خصوصًا في الصيف لكون المدينة تعتمد بشكل رئيسي على الآبار، لكنه يؤكد في الوقت ذاته: «مع جهود حكومة إقليم كردستان ووزارة البلديات في كردستان ومحافظة أربيل، تمكنا من تأمين الكميات المناسبة من المياه لإرواء الحدائق في المدينة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».