«ليلة المتاحف»... دعوة لرؤية وجهيّ لبنان الحديث والقديم

بمشاركة 13 معلماً ثقافياً تتوزع على عدد من المناطق

«متحف الصابون» في صيدا يفتح أبوابه أمام الزوار
«متحف الصابون» في صيدا يفتح أبوابه أمام الزوار
TT

«ليلة المتاحف»... دعوة لرؤية وجهيّ لبنان الحديث والقديم

«متحف الصابون» في صيدا يفتح أبوابه أمام الزوار
«متحف الصابون» في صيدا يفتح أبوابه أمام الزوار

تنطلق غدا التظاهرة الثقافية «ليلة المتاحف» التي تنظمّها وزارة الثقافة في لبنان، للسنة الرابعة على التوالي. هذا الحدث الذي صار بمثابة موعد سنوي ينتظره اللبنانيون من كل عام، يتضمن هذه السنة 13 معلما ثقافيا واجتماعيا تتوزّع على عدد من المناطق اللبنانية، فتتيح أمام اللبنانيين فرصة زيارتها مجانا وليوم واحد فقط في 7 أبريل (نيسان) الحالي، ابتداء من الخامسة بعد الظهر وحتى منتصف الليل.
وفي هذه المناسبة، وضعت وزارة الثقافة على صفحتها الإلكترونية الخاصة بموقع «فيسبوك»، إعلانا ترويجيا للمناسبة يتضمن أسماء المتاحف الـ13 المتاحة زيارتها في هذه الأمسية الثقافية، مرفقا بخريطة لبنان للتذكير بأسماء المناطق التي تقع فيها تلك المعالم، بدءا من مدينة بيروت؛ مرورا ببلدتي البلمند والكورة ومدينة جبيل؛ وصولا إلى مدينة صيدا. وأعلنت الوزارة بالمناسبة عن توفيرها وسائل نقل (حافلات)، بحيث يمكن للراغبين في المشاركة بهذا الحدث أن يستقلّوها مجانا من أمام المتحف الوطني حسب الوجهة التي يريدونها.
أمّا المتاحف الـ13 التي ترد على لائحة «ليلة المتاحف»، فتتنوع بين رسمية وخاصة وجامعية؛ وهي: «المتحف الوطني» و«متحف المعادن» المعروف بـ«ميم» و«متحف الجامعة الأميركية» و«متحف مصرف لبنان» و«متحف ما قبل التاريخ» في جامعة القديس يوسف بشارع هوفلان، و«متحف فيللا عودة» و«متحف نقولا إبراهيم سرسق» وجميعها تقع في العاصمة بيروت.
ومن المتاحف الأخرى المشاركة والواقعة على طول الساحل الشمالي: «متحف كيليكيا للكاثوليك الأرمن» ويقع في منطقة أنطلياس وهو يحتضن ذاكرة الشعب الأرمني، ويروي محطات من مسيرته التي بدأت في أرمينيا وصولا إلى لبنان. ويحتوي على كثير من الكنوز الدينية التي تجسد تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الأرمنية ومأساة شعبها لفترة 1700 سنة. أمّا «متحف مقام» الفنّي الواقع في بلدة عاليتا في جبيل والمعروف بـ«متحف الفن الحديث والمعاصر في لبنان»، فهو يشارك للمرة الأولى في هذه التظاهرة الثقافية ويعرض أكبر عدد من الأعمال التشكيلية على امتداد العقود الستة الماضية حتى اليوم. وكان المتحف قد بُني بفضل مبادرة ثنائية من قبل الفنان اللبناني سيزار نموّر والباحثة الألمانية غابرييلا شاوب، وذلك تزامنا مع تأسيس «جمعية الفن المعاصر عاليتا». وهو يتضمن قسمين أساسيين خصّص أحدهما للنحت اللبناني الحديث، فيما يتضمن الثاني قسم الأعمال الفنية المعاصرة.
وفي بلدة الكورة الشمالية سيتسنى لهواة القطع التراثية من أدوات منزلية وحرفية وزراعية التي تعبّر عن ذاكرة أجدادنا بعيدا عن التكنولوجيا الحديثة، زيارة «المتحف الإثنولوجي» في جامعة البلمند. ويمكن إنهاء هذه الجولة في منطقة الشمال من خلال زيارة «متحف آرام بيزيكيان» الواقع في مدينة جبيل، وهو يحكي تاريخ الشعب الأرمني، وتعود فكرته لكاثيليكوس الأرمن الأرثوذكس آرام الأول كيشيشيان الذي اقترح منذ نحو 10 أعوام إنشاء متحف يحكي تاريخ ومعاناة هذا الشعب. وانتقالا إلى جنوب لبنان، فإنّ مدينة صيدا الجنوبية وتحت عنوان «ليلة صيدا التراثية»، سيعيش زوّارها مغامرة ثقافية مختلفة من خلال متحفي «الصابون» و«قصر دبّانة»، اللذين يفتحان أبوابهما أمام الجميع، في مناسبة «ليلة المتاحف» التي تنظمّها وزارة الثقافة. كما سيتسنّى لهم وإضافة إلى زيارة المتحفين المذكورين، أن يعرّجوا على «خان صاصي» و«خان الإفرنج» و«مدرسة عائشة أم المؤمنين» المندرجة على لائحة الأماكن التاريخية الخاصة بهذه الأمسية الصيداوية.
يذكر أنّ نشاطات فنية وموسيقية وأخرى بصرية وسمعية، سترافق هذه الليلة الثقافية في بعض المتاحف؛ ومن بينها واحدة ستُنظّم في «المتحف الإثنولوجي» في البلمند، وأخرى في «متحف مقام» بمدينة جبيل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».