تاريخ موجز لفن الغرافيتي الحديث

بدأت حكاية الكتابة الحديثة على الجدران في المدن الداخلية من فيلادلفيا ونيويورك في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي
بدأت حكاية الكتابة الحديثة على الجدران في المدن الداخلية من فيلادلفيا ونيويورك في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي
TT

تاريخ موجز لفن الغرافيتي الحديث

بدأت حكاية الكتابة الحديثة على الجدران في المدن الداخلية من فيلادلفيا ونيويورك في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي
بدأت حكاية الكتابة الحديثة على الجدران في المدن الداخلية من فيلادلفيا ونيويورك في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي

في الوقت الذي أصبح فيه الفن الغرافيتي متشابكاً مع ثقافة الهيب - هوب والأساليب الدولية التي لا تُعدّ ولا تُحصى، المستمدة من فنون الغرافيتي المنتشرة في شوارع ومحطات المترو في فيلادلفيا ونيويورك، فإن هناك أمثلة أخرى كثيرة لفنون الغرافيتي البارزة في القرن العشرين، إذ ظهر الغرافيتي منذ فترة طويلة على جدران المباني، وفي المراحيض، وعلى عربات السكك الحديدية، وفي محطات المترو، وعلى الجسور. ومن الأمثلة التاريخية المعروفة على فن الغرافيتي يعود إلى عشرينات القرن الماضي ويستمر حتى يومنا هذا، هو بوزو تيكسينو.
وفي العصر الحديث، كان الرسم بالطلاء (لا سيما الطلاء بالرذاذ) وأقلام الخط قد أصبح أكثر الأساليب استخداماً للكتابة والرسم على الجدران. وفي معظم البلدان، فإن الكتابة أو الرسم على جدران العقارات من دون موافقة مالك العقار يُعتَبَر من أعمال التشهير والتخريب المتعمد، وهي من الجرائم التي يعاقب عليها القانون.
وخلال الحرب العالمية الثانية وعلى مدى عقود بعدها، كانت عبارة «كيلروي كان هنا» مع الرسم التوضيحي المصاحب من أكثر الأمثلة واسعة الانتشار في جميع أنحاء العالم، وذلك لاستخدامها الشائع بواسطة القوات الأميركية وتحولت في نهاية المطاف إلى ثقافة شعبية أميركية. وبعد فترة وجيزة من وفاة تشارلي باركر (الملقب بـ«ياردبيرد» أو «بيرد»)، بدأت الكتابات الجدارية تنتشر في جميع أنحاء نيويورك مع كلمات تقول «بيرد يعيش». واحتجاجات الطلاب والإضراب العام في مايو (أيار) من عام 1968 في باريس، التي شهدت انتشاراً واسع النطاق للشعارات الثورية والفوضوية والوضعية مثل «الملل عدو الثورة»، والتي كان يُعبر عنها من خلال فنون الكتابات الجدارية، وفنون الملصقات، وفنون الاستنسيل. في ذلك الوقت في الولايات المتحدة الأميركية، كانت هناك عبارات أخرى ذات مغزى سياسي مثل «أطلقوا سراح هيوي» حول المواطن الأميركي الأسود هيوي نيوتن، التي أصبحت ولفترة قصيرة من الشعارات الجدارية في مناطق محدودة، حتى طواها النسيان بعد ذلك. ومن عبارات الغرافيتي الشهيرة لفترة السبعينات كانت عبارة «تغدى بنيكسون قبل أن يتعشى بكم»، التي تعكس حالة العداء التي ميزت ثقافة الشباب تجاه ذلك الرئيس الأميركي في هذا الوقت.
ومن شأن فن الغرافيتي أن يعبر أيضاً عن الرسائل الاجتماعية والسياسية الكامنة، وعن نوع كامل من التعبير الفني القائم على الرسم بالطلاء على مختلف الجدران. وفي ظل ثقافة الهيب - هوب، تطورت فنون الغرافيتي إلى جانب موسيقى الهيب - هوب، وبي - بوينغ، وغير ذلك من العناصر الشائعة وقتها. ومما لا علاقة له بثقافة الهيب - هوب، كانت عصابات الشوارع التي تستخدم فنون الغرافيتي الخاصة بها في تمييز المناطق التي تسيطر عليها أو لكي تكون مؤشراً على الأنشطة الإجرامية التي تمارسها هذه العصابات.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».